خاتمة شرعية من إعداد اللجنة الشرعية بملتقيات فضاء
فإن الدنيا دار ابتلاء وامتحان وسراء وضراء، ما أضحكت إلا وأبكت، ولا سرَّت إلا أحزنت،جبلت على على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار، ولو كانت الدنيا صفوا لأحد لكان أولى الناس بذلك رسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أوذي ومرض وسحر وسم
(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)،والله حكيم خبير يبتلي عباده بما يشاءفمنهم من يبتليه بالعافية والغنى وغيرها من النعم ليرىشكره ومنهم من يبتليه بالأمراض والمصائب وفقد الأحبة ليرى صبره ولله في كل حال عبودية فلا يسلم من البلاء أحد فالبلاء سنّة من سنن الله الجارية على الخلق يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، ، رواه البخاري
هذا حال خير الناس أنبياء الله ورسله ، فكيف بنا نحن ؟؟؟ و الابتلاء يكون بالخير والشر قال تعالى ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) قال تعالى وَلَنَبلُوَنكُم بِشَيء منَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ منَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثمَراتِ وَبَشرِ الصابِرِينَ الذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مصِيبَةٌ قَالُوا إِنا لِلهِ وَإِنـا إِلَيهِ راجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ من ربهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ
ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال : " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه " .وكل ماقدر للمؤمن مما يصيبه من منحة ومحنة هو امتحان وهو خير للمؤمن وليس لأحد غيره، ( فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً )
(وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ )
وفي الحديث الصحيح : "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" [ رواه مسلم ] .
يقول بعض السلف : "إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة . وإن نزلت بك ولـم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين : فقدان المحبوب، وفقدان الثواب" .ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى :** وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ{
واعلم رحمك الله أن البلاء نوعان :
الأول : البلاء العام الذي يصيب الأمم والجماعات فهذا سببه الذنوب والمعاصي لا غير
والثاني : ما يصيب العبد المؤمن وهذا إما رفعة في درجاته أو حط من سيئاته
فلا تكره البلاء فكم فيه من منحة
ففي البلاء : تمحيص وتكفيرفاحتسب :
وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ – وهما المرض والتعب – ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [ متفق عليه ] .
دخل النبي على أم السائب رضي الله عنها، فقال لها: ما لكِ تزفزِفين ؟ قالت : الحمى لا بارك الله فيها. فقال : لا تسبي الحمى فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كمـــا يذهب الكير خبث الحديد" [ رواه مسلم ] .
وفي الحديث عن النبي r أنه قال : "ما من مسلم يصيبه أذى من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" [ متفق عليه ].فكن من الصابرين.
والبلاء رفعةٌ للدرجات ونيل منازل الجنات :
و في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: "قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع . فيقول : ابنوا لعبدي بيتـاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد" رواه أحمد وحسنه الألباني.
ويقول سبحانه في الحديث القدسي: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" [ رواه البخاري ]. فتلمس الأجر
- وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام : " إن العبد إذا سبقت له من الله منـزلة لم يبلغها بعمله ، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم صبّره على ذلك ، حتى يبلغه المنـزلة التي سبقت له من الله تعالى " رواه أبو داود
والبلاء باب محبة للعبد :
وفي الحديث الصحيح : "إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء،وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] .
يقول ابن القيم رحمه الله : "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة …"
وفي الحديث: "إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة" [ رواه الترمذي وصححه الألباني ] .
والبلاء معلم من معالم التوحيد والإيمان والتوكل :
لتعلم ضعفك فلا حول لك ولا قوة إلا بربك، فأكثر الدعاء فربك أرحـم بك من نفسك ومن الناس أجمعين، فـلا تشكونَّ إلاَّ إليه قال الفضيل بن عياض رحمه الله
) من شكا مصيبة نزلت به فكأنما شكا ربه )
فإذا أصابتك مصيبةٍ فقل : إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجِرْني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها. فإنَّـك إن قلت ذلك؛آجرك الله فــي مصيبتك، وخلفها عليك بخير.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال (( من يرد الله به خيراً يصب منه )) رواه البخاري
وباب للرضا بأقدار الله المؤلمة:
فإن الله عز وجل يقول : ** مَا أَصَابَ مِن مصِيبَةٍ فِى الأرضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُم إِلا فِى كِتابٍ من قَبلِ أَن نبرَأَهَا إِن ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لكَيلاَ تَأسَوا عَلَى مَا فَاتَكُم وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آتاكُم وَاللهُ لاَ يُحِب كُل مُختَالٍ فَخُورٍ{ واعلم أنَّ مـــا أصابـك لــم يكـن ليخطئك، وأنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك،
والبلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية. ويعلم الصبر على أقـدار الله المؤلمة . وَمَا يُلَقاهَا إِلا الذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقاهَا إِلا ذُو حَظ عَظِيمٍ
و البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها:
والله عز وجل يقول ( وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ )
( وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ )
وهو سبب في دخول الجنة :
- قال – صلى الله عليه وسلم - : " يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب ، لو أن جلودهم كانت قرِّضت بالمقاريض " رواه الترمذي
يروى عن عمر رضي الله عنه أنَّه كان يكثر من حمد الله على البلاء، فلما سُئِل عن ذلك قال : "ما أُصبت ببلاءٍ إلاَّ كان لله عليَّ فيه أربع نعم : أنَّـه لم يكن في ديني، وأنَّـه لم يكن أكبر منه، وأنِّي لم أُحْرَم الرضا والصبر، وأنِّي أرجو ثواب الله تعالى عليه".
وقد أصيب عروة بن الزبير رحمه الله في قدمه؛ فقرر الأطباء قطعها، فقطعت . فما زاد على أن قال: "اللهم لك الحمد فإن أخذت فقد أبقيت، وإن ابتليت فقد عافيت" . فلما كان من الغد ركلت بغلةٌ ابنه محمداً – وهو أحب أبنائه إليه ، وكان شاباً يافعاً – فمات من حينه، فجاءه الخبر بموته، فما زاد على أن قال مثل ما قال في الأولى، فلما سُئِل عن ذلك قال : "كان لي أربعة أطراف فأخذ الله مني طرفاً وأبقى لي ثلاثة، وكان لي سبعةٌ من الولد
والواجب على العبد حين وقوع البلاء عدة أمور:
(1) أن يتيقن ان هذا من عند الله فيسلم الأمرله.
(2) أن يلتزم الشرع ولا يخالف أمر الله فلا يتسخط ولا يسب الدهر.
(3) أن يتعاطى الأسباب النافعة لد فع البلاء.
(4) أن يستغفر الله ويتوب إليه مما أحدث من الذنوب.
ومن الأمور التي تخفف البلاء على المبتلى وتسكن الحزن وترفع الهم وتربط على القلب :
(1) الدعاء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
(2) الصلاة: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة رواه أحمد.
(3) الصدقة" وفى الأثر "داوو مرضاكم بالصدقة"
(4) تلاوة القرآن: " وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين"ا
(5) الدعاء المأثور: "وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون" وما استرجع أحد في مصيبة إلا أخلفه الله خيرا منها.
الفرق بين العين والسحر والمس
أولا :
تعريف العين:
يقول ابن القيم في الزاد " هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطيه تارة
و في كتابه بدائع الفوئد: والشيطان يقارن الساحر والحاسد، ويحادثهما ويصاحبهما ، ولكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشياطين ، لأن الحاسد شبيه بإبليس ، وهو في الحقيقة من أتباعه لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال نعمة الله عنهم أ.هـ.
ويقول في كتابه الزاد: ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد يكون العائن أعمى فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره ،
وكثير من العائنين يؤثرون في المعين بالوصف من غير رؤية أ.هـ.
وأقســـام العين ثلاثة :
العين المعجبة
و العين الحاسدة
و العين القاتلة
والجن يصيبون بالعين كإصابة الإنس أو أشد ،
ففي سنن النسائي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ وَعيْنِ الإنسِ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ .
والعين المعجبة : إن النفس إذا ما أفرطت في الإعجاب بنعمة من النعم أثرت فيها وأفسدتها بإذن الله تعالى ما لم يبرك صاحبها ، يقول تعالى في سورة الكهف: ** وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللّهُ لاَ قُوّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ** ، ويقول صلى الله عليه وسلم ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رواه أبن ماجة .
يقول ابن حجر : أن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد ولو من الرجل المحب ومن الرجل الصالح ، وإن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة فيكون ذلك رقية منه أ.هـ.
والعين الحاسدة : تخرج العين من نفس حاسدة خبيثة ، خبيث صاحبها ، وهي في الأصل تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود , يقول الله تعالى : ** وَدّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ **
والعين القاتله ( السمية ) : تخرج العين من العائن إلى المراد إعانته بقصد الضرر ،
قال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب من خبائه فتمر به النعم فيقول : ما رعى اليوم إبل ولا غنم أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله تعالى نبيه وانزل قوله تعالى: **وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ{ أ.هـ.
وعند أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ بِالرَّجل بِإِذْنِ اللَّهِ حَتَّى يَصْعَدَ حَالقًا ثُمَّ يتَرَدَّى مِنْه" . فقد يصاب الإنسان بعين سمية في رأسه فتتلف خلايا مخه فيصاب بالجنون ، أو قد يصاب الإنسان بعين سمية في نفسيته فيجهد من الضيق والحزن والكآبة وتضيق عليه الأرض بما رحبت فمثل هذا يخشى عليه من الانتحار والعياذ بالله .
يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد عندما تعرض لتفسير سورة الفلق : فلله كم من قتيل وكم من سليب وكم من معافى عادى مضني على فراشه يقول طبيبه لا أعلم داءه ما هو ، فصدق ليس هذا الداء من علم الطبائع ، هذا من علم الأرواح وصفاتها وكيفيتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس والمحجوبون منكرون له أ.هـ.
وفي السنة أحاديث عدة عن العين منها :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ﴿قال رسول الله عليه وسلم "العين حق"﴾ رواه البخاري
و حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ﴿قال رسول الله عليه وسلم: العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استُغسلتم فاغتسلوا﴾ رواه مسلم في كتاب السلام باب الطب والرقى.، أي إذا طلِب من أحدكم أن يغتسل لأخيه المسلم لأنه أصابه بالعين فليلبِّ طلبه وليغتسل له.
و حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها ﴿قالت: يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم؟ فقال: نعم فلو كان شيءٌ سابق القضاء لسبقته العين﴾. رواه أحمد والترميذي وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الجامع.
و حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: ﴿قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن العين لتوقع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا فيتردى منه﴾ رواه أحمد وأبو يعلى وصححه الألباني في صحيح الجامع.، والمعنى أن العين تصيب الرجل فتؤثر فيه حتى إنه ليصعد مكانا مرتفعا ثم يسقط من أعلاه من أثر العين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العين حق تستنزل الحالق﴾. رواه أحمد والطبراني والحاكم وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.، أي تسقطه من الجبل العالي.
وعن جابر رضي الله عنه قال: ﴿قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين تدخل الرجل القبْرَ، وتدخل الجمل القِدْر﴾ رواه أبو نُعيم في الحلية وحسنه الألباني في صحيح الجامع.، والمعنى أن العين تصيب الرجل فتقتله فيموت ويُدفن في القبر، وتصيب الجمل فيُشرف على الموت فيُذبح ويُطبخ في القدر.
وعن جابر رضى الله عنه قال: ﴿قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين﴾. رواه البخاري في التاريخ وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ﴿كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين﴾. رواه البخاري ومسلم.وغيرها كثير
فأكثر أمراض الناس من قبل العين علم ذلك من علمه وجهله من جهله والله المستعان
ثانيا : السحر :
كلمة السحر تستعمل في معان كثيرة
فكل ما لطف مأخذه ودق فهو سحر فيقولون هو ما خفي ولطف سببه
وقد عرفه الإمام ابن جرير الطبري بأنه: {خدع ومخاريق ومعان يفعلها الساحر حتى يخيل إلى المسحور الشيء أنه بخلاف ما هو به نظير الذي يرى السراب من بعيد فيخيل إليه أنه ماء، ويرى الشيء من بعيد فيثبته بخلاف ما هو على حقيقته وكراكب السفينة السائرة سيرًا حثيثاً يخيل إليه أن ما عاين من الأشجار والجبال سائر معه، قالوا: فكذلك المسحور ذلك صفته يحسب بعد الذي وصل إليه من سحر أن الذي يراه أو يفعله بخلاف الذي هو به على حقيقته
أما ابن قدامة فعرف السحر على أنه: {عقد ورقى وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئاً في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة
وهو أنواع بحسب الاستقراء:
اولاً : سحر تعطيل الزواج
وهو صداع بين الحين والاخر وضيق شديد في الصدر ورؤية الخاطب في منظر قبيح و كثرة التفكير والقلق الكثير أثناء النوم وأحيانا يكون هناك ألم دائم في المعدة وألم في فقرات الظهر السفلى
ثانياً : سحر المحبة وهو العطف
والعطف عمل سحري كالصرف، ولكنه يعطف الرجل عما لا يهواه إلى محبته بطرق شيطانية
ثالثاً : سحر التفريق و الصرف
والصرف هو صرف الرجل عما يهوى، كصرفه مثلا عن محبة زوجته إلى بغضها،
فتنقلب الاحوال فجأة من حب الى بغض وإلى كثرة الشكوك بينهما وعدم التماس الاعذار وتعظيم أسباب الخلاف وان كانت حقيرة
رابعاً : سحر التخيل
يرى الانسان الثابت متحركا والعكس يرى الصغير كبيرا والعكس يرى الاشياء على غير حقيقتها
خامساً : سحر الجنون
والشرود والذهول والنسيان الشديد والتخبط في الكلام وشخوص البصر وزوغانه, عدم الاستقرار في مكان واحد وعدم الاستمرار في عمل معين وعدم الاهتمام بالمظهر و في الحالات الشديدة ينطلق على وجهه لا يدري أين يذهب
سادساً : سحر الخمول
وحب الوحدة والانطواء الكامل و الصمت الدائم وكراهية الاجتماعات والشرود الذهني والصداع الدائم والهدوء والسكون والخمول الدائم
سابعاً : سحر الهواتف
والاحلام المفزعة يرى في منامه كأن مناديا يناديه ويسمع اصواتا تخاطبه في اليقظة ولا يرى اشخاصا وكثرة الوساوس وكثرة الشكوك في الاصدقاء والاحباب يرى في منامه كأنه يسقط من مكان عال ويرى حيوانات تطارده في المنام
ثامناً : سحر المرض
ألم دائم في عضو من الاعضاء ونوبات الصرع والتشنجات العصبية وشلل عضو من اعضاء الجسد وتعطل احد الحواس عن العمل
وقد يسبب السحر القعم لدى الرجل و المراة
تاسعاً : سحر النزيف
هذا النوع من السحر لايحدث الا للنساء وهو مايسميه الاطباء بالنزيف والفقهاء بالاستحاضة وهو استمرار خروج الدم بعد أيام الحيض المعتادة
ولكل نوع أعراض يعرفها كثير من القراء
فهو على ماسبق أنواع مختلفة وطرائق متباينة، ولذا قال الشنقيطي رحمه الله : "اعلم أن السحر لا يمكن حده بحد جامع مانع، لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينهما يكون جامعا له، مانعا لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء فى حده اختلافا متباينا "
ثالثا : المس
تعريف المس
المس : هو دخول الشياطين على البشر و المس بهم
أو هو دخول الجن فى جسد الانسان بهدف ايذئه او السكن فيه او التحكم فيه
وربما يقول البعض ان التلبس يختلف عن المس
ولكن الحقيقة الاثنين واحد حيث ان التلبس هو عبارة عن حضور الجن فى جسد الانسان وتحكمه فيه ولذلك يسمى تلبس
وعرفه الدكتور عبد الله محمد الطيار بقوله: {أذية الجن للإنس من خارج جسده أو من داخله أو منهما معاً
والمس أعم من الصرع**
أنواع المس من حيث الجملة :
مس جزئي و فيه يمسك الجن عضوا واحدا كالذراع أو الرجل أو اللسان.
مس دائم : يستمر الجن في جسده مدة طويلة.
مس طائف : وهو لا يستغرق أكثر من دقائق كالكوابيس
وانواع المس تفصيلا :
1- المس الطائف .
2- المس العارض .
3- المس الخارجي.
4- المس المتعدي .
5- المس الوهمي .
6- المس الكاذب .
والحديث عن هذا يطول وهذه نبذه فقط .
أسباب وقوع السحر وكثرته
قد ذكر الشيخ سليمان بن حمد العودة طرفا منها فقال :
1_ضعف الايمان قال تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه
فحين يضعف الرجاء بالله، ويقل الخوف منه ويهتز جانب التوكل على الله، والرضاء لما قدر، واليقين بما قسم يتسامح بعض الناس بالذهاب للسحرة والمشعوذين فيزيدهم ذلك وهنا على وهنهم، وتستلب أموالهم وعقولهم
2_ الجهل بأحكام الشريعة، وما جاء فيها من زواجر عن الذهاب إلى هؤلاء السحرة والعرافين، وما ورد فى ذلك من ضرر على المعتقد والدين. وينسون قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة
3- سذاجة بعض المسلمين وجهلهم بحال أولئك السحرة والمشعوذين فتراهم يذهبون يستطبون عندهم، وأولئك لا يملكون من أنواع العلاج إلا ما يضر ولا ينفع، تخرصات وأوهام وفصد للعروق تسيل منه الدماء وتمتمات وطلاسهم وكتابات وربط تباع بغالي الأثمان، وهي لا تساوي فلسا عند أولي الألباب .
4- طغيان الحياة المادية المعاصرة قست له القلوب وجفت ينابيع الخير في أرواح كثير من الناس ونتج عن ذلك العقد النفسية والمشكلات الوهمية وارتفاع مؤشر القلق، وزاد الطين بلة ظن أولئك المرضى أن شفاءهم يتم على أيدي السحرة والمشعوذين، فراحوا يطرقون أبوابهم ويدفعون أموالهم وينتظرون الشفاء على أيديهم، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار
5- وباتت بعض بيوت المسلمين مرتعاً للشياطين يقل فيها ذكر الله، وقلَّ أن يقرأ فيها كتاب الله أو تردد فيها التعاويذ والأوراد الشرعية التي لا يستقر معها الشياطين، وفي مقابل ذلك تجد هذه البيوت ملأى بأنواع المنكرات المرئي منها والمسموع وألوان الكتب والمجلات السيئة، وقد لا تخلو من مأكول أو مشروب محرم، فلا يجدون في ظنهم سبيلا للخلاص إلا عن طريق السحر والشعوذة والكهانة، وهكذا يسري الداء، وكلما ابتعد الناس عن الله ومنهجه عظمت حيرتهم وكثر بلاؤهم، ووجد شياطين الجن والإنس لدجلهم رواجا .
6- ضعف دور العلماء والمفكرين وأهل التربية في التحذير من السحرة وبيان الأضرار الناجمة عن الذهاب للمشعوذين والعرافين، وتلك وربي تستحق أن تعقد لها الندوات وأن تسلط عليها الأضواء في وسائل الإعلام المختلفة حتى يتم الوعي ولا يؤخذ الناس بالدجل .
7- انتشار العمالة الوافدة بشكل عام ومن غير المسلمين بشكل أخص والحذر من السائقين والخدم. ففيهم من يتعاطى السحر أو يتعاون مع أهله.
وفيهم من يظلمه أهل البيت أو بعضهم فيلجأ إلى سحره أو سحرهم
ولهم على البيوت في ذلك أثار سيئة وينبغي التفطن لها.
ومن أعظم وسائلهم جمع الشَعر وإرساله وعقد السحر فيه،
8- استمرار المرض وضيق الصدر. وقلة الصبر وضعف الاحتساب للأجر عند الله. وكل ذلك قد يدفع البعض للذهاب لهؤلاء. وإن لم يكن مقتنعا فى البداية.
وربما أقنع نفسه أو أقنعه غيره أن ذلك من فعل الأسباب.
و الإنسان لاشك مأمور بفعل الأسباب. ولكنها الأسباب المشروعة دون المحرمة.
9- والدعاية الكاذبة سبب للرواج وذهاب لهؤلاء الدجالين، فقد يكتب الله شفاء لمريض على أيدي هؤلاء لتكون له فتنة.
فيطير بالخبر و ينشر في الآفاق الدعوة للذهاب لهؤلاء ليفتن غيره كما فتن، وبعض الناس لديه القابلية للتصديق لأي خبر دون تمحيص أونظر في العواقب .
طرق الوقاية من العين
العين مرض من الأمراض وداء من الأدواء، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علم ذلك من علم و جهله من جهله﴾
وبما أن العين تعتبر مرض فإن العلاج منها مطلـوب قبـل وقوعهـا وبعـده.
وقد ذكر الشيخ سليمان بن حمد العودة طرفا منها فقال
1 - الأذكار والأوراد الشرعية أعظم ما يحفظ الله بها الإنسان،
فاسم الله الأعلى لا يضر معه شىء، و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ما تعوذ متعوذ بمثلهما، وقراءة آية الكرسى والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة يحفظ الله بهما عباده المؤمنين، إلى غير ذلك من أوراد الصباح والمساء التى بسطها العلماء فى كتب الأذكار.
2 - قال ابن القيم: ومما يدفع به إصابة العين قول: ماشاء الله لا قوة إلا بالله، روى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال: ماشاء الله ولا قوة إلا بالله.
3 - ومنها رقية جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم التى رواها مسلم فى صحيحه ((بسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك
ولقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالرقية، وقال لأسماء بنت عميس، رضى الله عنها: ((مالى أرى أجسام بنى أخى ضارعة - أى نحيفة ؟ يصيبهم الحاجة؟ قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، فقال: ارقيهم، فعرضت عليه فقال: ارقيهم
4 - التبريك، وهو قولك: (اللهم بارك عليه) للشىء تراه أو يذكر لك فيعجبك، إذ قد تقع منك العين وإن لم تردها، فعن أبى إمامة بن سهل بن حنيف قال: ((اغتسل أبي، سهل بن حنيف، بالخرار فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر إليه، وكان سهل شديد البياض، حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة عذراء، فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكه فقيل له: ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحدا؟ قالوا: عامر بن ربيعة، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه فقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت، اغتسل له فغسل عامر وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه، ودخلة إزاره فى قدح، ثم صب عليه من ورائه، فبرأ سهل من ساعته ))
5 - اغتسال العائن ووضوءه بماء يصب على المعين شفاء له بإذن الله كما سمعتم بقصة سهل بن حنيف وعامر بن ربيعة، رضى الله عنهما، وهو مفسر لقوله صلى الله عليه وسلم،((وإذا استغسلتم فاغتسلوا))
ولذا، فينبغي للمسلم ألا يمتنع عن الاغتسال إذا اتهمه أهل المعين، أو أحس هو من نفسه أنه عان أحدا من المسلمين.
6 - ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه، فقد ذكر البغوي فى شرح السنة أن عثمان رضى الله عنه، رأى صبيا مليحا، فقال: (دسموا نونته كيلا تصيبه العين).
ثم شرحه بقوله: ومعنى دسموا: أى سودوا، والنونة: الثقبة أو النقرة التى تكون فى ذقن الصبي الصغير
ومن ذلك ما ذكره سماحـة الشيـخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بقوله "ويجب على المسلم أن يحصن نفسـه مـن الشياطين ومن مردة الجن ومن شياطين الأنس بقوة الأيمـان بالله، والاعتمـاد عليه، والتوكل عليه، ولجوءه وضراعته إليه،وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي". والإكثار من التعوذات النبوية التـي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما رواه البخاري والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسـن والحسين ﴿أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كـل عيـن لامة ويقول أن أباكما إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق﴾. وروى الترمذي في حديث حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة هذه الكلمات: ﴿أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون﴾ وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يعلمهن من عقل من بنيه. وغيرها من الأذكار كقوله صلى الله عليـه وسلـم ﴿أعـوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق﴾. قال بن القيم الجوزية "ومـن التعـوذات النبوية رقية جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم ورواهـا مسلـم في صحيحه﴿ بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسـد، الله يشفيك﴾"
العلاج من العين بعد وقوعها:
* الالتزام بالأذكار النبوية الصباحية والمسائية، وهو كل ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم من قيامه إلى منامه
وأن يلتزم الأذكار التي سبق ذكرها مع قراءة الفاتحة والمعوذتين، والإخلاص، وآية الكرسي، والآيتيـن الأخيرتيـن من سورة البقرة.
وهنا يحسن التنبية على أمرين حين الحديث عن العين.
الأول منهما: ألا تكثر من التطير والتشاؤم وأن وتحسن الظن بالله، وتقوى جانب التوكل عليه، وأن يلازمنا الفأل الحسن، فقد كان عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل، ونهى عن الطيرة فقال: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن يذهبه الله بالتوكل وفى قوله: وما منا إلا ولكن: أى وما منا إلا ويعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة له. ولكن الله يذهبه بالتوكل، ولا يؤاخذه الله بما عرض له، ولم يعبأ له وسلم أمره لله
ثانيا: ألا ننسى حظوظ النفس وآثار المعاصى فى وقوع المصائب والكوارث لبنى الإنسان، فكثير من الناس إذا وقع لهم مرض أو أتته مصيبة عزاه للعين مباشرة دون أن يتهم نفسه، أو يفتش فى أحواله وعلاقته بربه.
صحيح أن العين حق وقد سبق البيان، ولا يمارى فى ذلك مسلم يؤمن بنصوص الكتاب والسنة، ولا عاقل يرى أثر العين رأى العين... ولكن الذى ينبغى ألا ينسى أن للذنوب أثرا فى وقوع المصائب، كيف لا؟ والحق تبارك وتعالى يقول:
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير .
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية قال النبى صلى الله عليه وسلم: ((وما من اختلاج عرق، ولا خدش عود، ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفو الله عنه أكثر
ينكبها، أو الشوكة يشوكها))
طرق الوقاية من السحر قبل وقوعه :
وقد ذكر الشيخ سليمان بن حمد العودة طرفا منها فقال :
أولا: تجديد الإيمان في النفوس كلما أنس المرء من نفسه ضعفا، والاتجاء إلى الله كلما خاف المرء على نفسه عدوا، ومن يركن إلى الله فإنما يأوي إلى ركن شديد، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
فتجريد التوحيد لله والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب وأن كل ما حوله بيد الله وأن لن يضره شيء ولا ينفه إلا بإذن الله قال تعالى وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ )
والتوكل على الله والاعتماد عليه وهو من أقوى الأسباب في دفع كل الشرور عن العبد فمن يتوكل على الله فهو حسبه وكافيه قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )
يقول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى تجديد إيماننا ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))
وتقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) وقال تعالى: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
ومن لوازم الإيمان الاستمساك بشرع الله أمرا ونهيا علانية وسرا،
وهل علمتم أن من أسباب انتشار السحر قديما وفساد بني اسرائيل خصوصا بُعدهم عن الشريعة التي أنزلت عليهم ونبذهم تعاليمها واتباعهم للشياطين الذين استدرجوهم إلى السحر وزينوه لهم، وسولت لهم أن تسخير الجن والإنس والطير والريح لسليمان عليه السلام من اتباع الشياطين :
واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر.
ثانيا: نشر العلم بقضايا العقيدة والحرص على سلامتها، وبيان مايخدشها وتعميم الوعي بمخاطر السحر والشعوذة، وتحذير الناس منها بمختلف وسائل الاعلام وتوسيع دائرة الوعي بمدارس البنين والبنات، وبالطرق المناسبة واستخدام المحاضرة والندوة والمطوية أسلوبا من اساليب التوعية عن هذه الأدواء.
ثالثا: تشجيع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة على الرقابة الدقيقة لكل ما يرد أو يصدر لهذا البلد الآمن، والأخذ بحزم على كل من تسول لهم أنفسهم الإضرار بالآخرين، ولا بد من تعاون الناس مع هذه الجهات المسئولة وسرعة البلاغ عما يثبت من محاولات الإفساد والكشف عن أماكن التجمعات المشبوهة ورصد التحركات المريبة والله يقول: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان .
رابعا: إصلاح البيوت وعمارتها بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن، وفي الحديث ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام موجها ومبينا أثر صلاة النافلة في البيت ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا
قال النووي معلقا: (حث على النافلة في البيت لكونه أخفي وأبعد عن الرياء وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك وتتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان
ودونكم أثر السلام، وهو نوع من الذكر ندبنا الله إلى البدء به حين الدخول إلى البيوت فقال جل ذكره فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة
وأرشدنا إليه المصطفي صلى الله عليه وسلم واعتبره ضمانا على الله للحفظ والأمان فقال: ((ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل، وذكر منهم رجلا دخل بيته بسلام، فهو ضامن على الله سبحانه وتعالى
ولا تسأل عن أثر قراءة آخر ايتين من سورة البقرة، آمن الرسول .. ، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. . فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه
ومعنى (كفتاه) أي من الشيطان،
فهل نحصن بيوتنا ونحفظ أنفسنا وأولادنا وأهلينا بذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن.. مع استبعاد كل ما يجمع الشياطين من الصور والكلاب والغناء ونحوها من المنكرات الأخرى. .. ذلكم لمن رام النجاة في الدنيا والاخرة.
خامسا: ومما يدفع الله به الإصابة من السحر، التصبح بسبع تمرات من تمر العجوة، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام(من تصبح بسبع تمرات من تمر العجوة لم يصبه سم ولا سحر
وقد اشترط كثير من أهل العلم في التمر أن يكون من العجوة _ كما في الحديث _ وذهب آخرون إلى أن لفظ العجوة خرج مخرج الغالب، فلو تصبح بغيرها نفع، وهو قول قوي وإن كان تمر العجوة أكثر نفعا وتأثيرا. كذا قال أهل العلم والله أعلم
سادسا: التنبه لمخاطر العمالة الوافدة، والاستغناء عن السائقين والخدم ما أمكن، وإذا لزم الأمر فلا بد من المراقبة الدقيقة لتصرفاتهم حتى لا يكونوا سببا في نشر السحر والشعوذة، والناس غافلون.
سابعا: ونظرا لسهولة انتشار السحر والشعوذة عند النساء أكثر منه في الرجال، فينبغي على المرأة أن تحفظ نفسها في بيتها، ولا تكثر من الخروج للأسواق، وألا ترتاد الأماكن المشبوهة، وعلى الأزواج أن يحافظوا على أهليهم في بيوتهم ويوفروا لهم حوائجهم.
ثامنا: أما الحصن الحصين والسبب الوافي المنيع _ بإذن الله _ من كل سوء ومكروه، فهو المحافظة على الأوراد الشرعية في الصباح والمساء، وهي صالحة للاستشفاء قبل وقوع السحر أو بعد وقوعه، وكيف لا؟ وهي الأدوية الإلهية كما يسميها ابن القيم رحمه الله، ومع مسيس حاجة الانسان لهذه الأذكار فما أكثر ما يقع التفريط فيها! وإليكم منها مع بيان أثرها:
( أ) (( فمن قرأ آية الكرسي حين يأوي إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتي يصبح)) كذلك صح الخبر
(ب) ومن قرأ بالأيتين الاخرتين من سورة البقرة كفتاه، وقد سبق البيان.
(ج) وقراءة قل هو الله أحد و وقل أعوذ برب الفلق و وقل أعوذ برب الناس حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات، يكفيك من كل شئ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(د) وكان عليه الصلاة والسلام يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكم كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق ((أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة
والهامة ذات السموم، وقيل كل ماله سم يقتل، واللآمة كل داء وآفة تلمّ بالانسان من جنون وخبل
فالاستعاذة بالله من الشيطان حرز من همزاته قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ*وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ)
(ه) وصح في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتي يرتحل من منزله ذلك))
فهل يصعب عليك ذلك يا أخا الإسلام، وانت محتاج لحفظ الله لكثرة حلولك وارتحالك؟ وهل تعجز أن تقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم)) ثلاث مرات؟ وهي كفيلة بإذن الله أن لا يضرك شيء كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم
وكتب الأذكار مليئة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يدفع الله بها ويمنع من كل مكروه. . وحري بالمسلم أن يطالعها ويعمل بها ويحافظ على ورده منها صباحا ومساء، وأن يعلمها أهله وذويه، ومع المحافظة على الأذكار لابد من الصدق والإيمان والثقة بالله والاعتماد عليه وانشراح الصدر لما دلت عليه، فبذلك ينفع الله بهذه الأوراد ويدفع كما قرر أهل العلم.
هذه مقدمة بين يدي لقاءنا مع الشيخ عبد الله بن سرهيد والمتخصص في هيئة الأمر بالسحر والسحرة وكشفهم