الدرس الأول:
مقدمة بين يدي الدرس…
لمّا كان سلفنا الصالح و رعيلنا الأوائل يعتنون بالمتون و حفظها بلغوا عنان السماء و قيل عنهم (جبل في الحفظ) (بحر) (حبر)
….
و جمعوا بين العلوم و الفنون عندما أحسنوا فنّ التعلم و قعّدوا و الّفوا و زيّلوا و خرّجوا…
و خلف من بعدهم خلفٌ ورثوا الكتاب و تركوا الحفظ فآتاه نذير الشيب و لم يحسن مسألة!!!
و لذا كان على طالب للعلم أن يعتكف عند باب المتون فيحفظها و النّظم فيتقنها و الاّ فلا خير في علمٍ ما لم يصان بالحفظ….
و قال شيخ الاسلام: (من حفظ المتون حازالفنون)
و قال ابن الجوزي في الحث على حفظ العلم:
" وحكى لنا الحسن – يعني ابن أبي بكر النيسابوري- أن فقيها أعاد الدرس في بيته مراراً كثيرة ، فقالت له عجوز في بيته: قد والله حفظته أنا ، فقال : أعيديه فأعادته، فلما كان بعد أيام ، قال : يا عجوز أعيدي ذلك الدرس ، فقالت: ما احفظه ، قال : أنا اكرر لئلا يصيبني ما أصابك "
هذه سننهم فلنحذوا حذوهم ففي هداهم العلم الوفير…
رحمهم الله لم يتركوا علماً الاّ نظّموه على بحرٍ من البحور و من هذه العلوم علم النحو و الصرف
…
فكان السبق لابن معطي رحمه الله تعالى فنظّم للحنو و الصرف بحراً فسار على آثاره ابن مالك رحمه الله تعالى في ثلاثة آلالف بيتٍ سمّاها (الكافية الشافية) ثمّ اختصرها في الف بيتٍ تحت مسمّى (الخلاصة) و عليها سنبني معا شرحاً كافياً شافياً باذن الله الكافي الشافي
…
قال النّاظم يرحمه الله
…
قَالَ مُحَمَدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ
أحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيرَ مَالِكِ
هو جمال الدين, أبو عبد الله,محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي….
يُدعى محمداً فانتسب الى جدّه (ابن مالك)…
و يجوز الانتساب لغير أصل الانسان أي لغير والده شرط أن يكون المنتَسب اليه مشهوراً كانتساب عبد الحليم لابن تيمية و هذا كثير في علمائنا رحمهم الله
…
و الشرط الثاني أن يبيّن المنتسِب أصله و الاّ أصابه قوله صلى الله عليه و سلم كما في الصحيح (لعن الله من انتسب الى غير أبيه)
ثم كانت بداية المنظومة تترنّم بحمد الخالق و المالك إذ كلّ الأمور يتوقف نجاحها على توفيق رافع السماء بغرعمد..
ثمّ قال يرحمه الله:
مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ المُصطَفَى
وَآلِهِ المُسْتَكْمِلِينَ الشَّرَفَا
و عقّب النّاظم بعد الحمد بالصلاة و السلام على أقرب الخلق و أعظمهم عند الله تعالى..
فهذا النبيّ الذي اختاره الله تعالى و اصطفاه هو ذات اله الذي كرّمه و أصحابه و كمّل منهم الكثير…
ثمّ قال يرحمه الله:
وَأَسْتَعِينُ اللهَ في أَلْفِيِّه
مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّه
أي أطلب العون و المعونة من الله تعالى في تأليف ألف بيت من الشعر تجمع مقاصد و قواعد النحو
…
ثمّ قال يرحمه الله:
تُقَرِّبُ الأقْصَى بِلَفْظٍ مُوجَزِ
وَتَبْسُطُ البَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
أي هذه الألفية فيها خصال أربع:
أولاها أنها تقّرب المعنى البعيد بلفظ قصير
و ثانيها تبسط أي توسع الشرح و تتوسّع بالعطاء و هذا و ذاك وعد سأنجزه أي سألتزم به…
ثمّ قال يرحمه الله:
وَتَقْتَضِي رِضاً بِغَيْرِ سُخْطِ
فَائِقَةً أَلْفِيَّةَ ابْنَ مُعْطِي
و ثالثها أي هذه الألفية و بأسلوبها ستجعل من قارئها يرضى و لن يسخط عليها
…
و رابعها أنها أفضل من ألفية ابن معطي..
فهذه الخصال الأربع ستجعل منها ألفية ذو رتبة عالية…
ثمّ قال يرحمه الله:
وَهُوَ بِسَبْقِ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ
مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الجَمِيلاَ
أي ابن معطي هو أفضل للسبق إذ هو من سنّ في النّظم و تأليف ألفية في النحو
…فهو منْ فتح الباب و نحن عيال عليه في هذا السبق…
فهو سبق الناظم بالتّأليف كما أنه سبقه بالمولد و الوفاة
…
و هذا السبق يلزمني شكره و الثناء عليه الثناء الجميل..
وَاللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرة
لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَة
و لم ينس رحمه الله تعالى أن يخصّ ابن معطي بدعاء ينفعه بعدما أصبح تحت الثرى..و الهبة هي العطية
…
تمّ الدرس الأول حيث كان شرح المقدمة
…
و سنكمل ان شاء الله عندما يتمّ حفظها و تدوينها في الردّ من قِبَل أعضاؤنا الكرام…