بَشَّرُونِي ((بِجَارِية)) فَسَمّيْتُهَا ((مَارِية))
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين والمبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد :
فمن حقوق الاباء على الابناء اصلاحهم و القيام برعايتهم و من حقوق الاباء على الاجنّة ان يتحدث الاول و يصغي الاخر....
مارية...كم هو مؤلم من ينادي من لا يسمعه!!!
مارية...كم هو موجع من يخاطب من لا يجيبه!!!
انه الزواج...فهو اصل في بقاء هيكل الانسان و لولاه لانقطع النسل و ظهر الفساد....
لا رهابنية في الاسلام....لا قيام من دون رقاد...لا صيام من صام الدهر...لا اسلام من اعتزل النساء....
فعائشة احبّ النسوة الى قلبه صلى الله عليه و سلم بعد من دثّره و زمّله....و ابوها من الرجال....
فتزوّج و انجب فكانت ذراريه ذكورا و اناثا.....فقُضي على الاول لان (ما كان محمد ابا احد من رجالكم....)
دمعت عيناه على ابراهيم الرضيع...و قبله على عمّه متكافئو الصنيع....و زوجه خديجة حصنه الحصين....
فكان صلى الله عليه و سلم قدوة في جميع حركات الدهر...و لا تسبوا الدهر فان الدهر هو الله...
و لا تسبّوا الرياح فانها مأمورة....فقد آتينا طائعين....
فمن وُلد يتيم الاب فليَذكر مصابه بمحمد صلى الله عليه و سلم...
فمن وُلد مفطوم و فطامه في عامين فليذكر مصابه بمحمد صلى الله عليه و سلم...
فمن و من و مهما كَثُرت العظائم و توالت المصائب فشرارتها الاولى مرّت على النبي صلى الله عليه و سلم بحلوها و مرّها و ذاق الامرّين معا و لم ينته الاّ بقوله (لا كرب على ابيك بعد اليوم)!!
فمصابك اخي...اختي....جزء من مصابه صلى الله عليه و سلم فاجتمعت به و عليه ليلقى ربّه في اعلى العليّين....
وُلدتُ في اسرة جَهلت احكام ربّها...و لولا المسمّيات لانقطع الحبل الوحيد الذي به صلتنا باسلاممنا....
ليس من الدين في شيئ بينا الاّ مسمّى عليٌ!!!فكنتُ عليّا بهذا الدين و لله الحمد وحده....
و نشأتُ و ترعرتُ بين اكناف عبّاد الصليب و اهل الشرك....
ووضعتُ قدمي في اول طريق القساوسة....فاللانجيل تاليا و للكنائس ساعيا و بتُ النصراني الصغير!!!!
و زَرع مولاي حيث نبض الفؤاد ان لا اترك علما الاّ الخوض بين لجاج موجه منذ نعمومة اظفاري و لم تنعم بيد الاسلام غربا و كنتُ شرقا!!!!!
و لذا بدأت قدمي اليمنى تُسابق الاخرى و يميني تخفي سرا....ساكونُ مكانك يوما يا قسّاً!!!!
حفظتُ الترانيم و رددت الاقاويل و ذُقتُ طعم خبز المسيح المزعوم!!!
و باركوا عملي و برّكوني و باركتُ غيري و هذا يعلم معناه كل نصرانيٌ....
و بتّ على انغام انجيل لوقا و مرقس و يوحنا و بطرس...فركعت منحنيا لمن لبس الطيلسان!!!
فان رأيتُ بام عيني فلم تر غيرهم و ان زوارت شخصا فلم ازور غير بيتهم و انا بين هم و هم جاء مناد من السماء ستكون شيخا لا قسّسيسا!!!نداء لم اسمعه و لكن ادركته عندما تعلمت تعاليم الاسلام....
و بدأت اصلي صلاة رباعية و ثنائية بركوع و سجود...بدأ ذلك يظهر نوره على اطراف البنان و يخفض لذكره موضع الحنان....
فكان النور لغيري ظلمة فمن رآني ادرك شيئا ما...و لذا بدأت معيار السنّور تتبدل الى اسد مفترس او نسر ذو مخلب جارح....
نعم انه سنّور قساوسهم...انه اسد حقيقتهم....انه نسر بطبائعهم....
ومن اصدق من الله قولا و حديثا فقال( و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم...)
و لا اريد ان اطيل حتى لا استوحش الحديث مع مارية....
فتدرجت وو عظت و خطبت و دوّنت و لوّنتُ و بتُ اُعرفُ بالشيخ....و انقلب الخيال الى حقيقة ,بفضل الواحد الاحد الديّان....
و مرت الايام و السنون و لم اذق طعم الفرح بذروته الاّ في عدة مواطن و هذه احدها....
و الاخرى عندما رأيت والدي_حفظه الله_ مصليا داعيا عندما احكم اليأس امامي و من خلفي......
و اصبح من كان يصدّ عن السبيل يمهده و يعبّده...يا للنعمة و اين شكرها؟؟؟؟غفرانك ربي غفرانك...
و الاخرى عندما انتهيت من الخدمة العسكريّة...حيث المعناة هناك مدونة معلومة لديكم....
و قبلها عندما اتتمت حفظ كتاب الله في الثامنة العشر ربيعا و خريفا....ربيعا باسلامي و خريفا بملازمتي قساوسة اهل الكتاب....
و بين هذه الافراح و تلك كانت الصغرى تلو الصغرى...ففرحت حين اممّت الناس في الصلاة...حين خطبتُ بهم خطبة الجمعة و انا ابن السابعة عشر....
و فرحت حيت عقدتُ عقد القران و تزوجتُ بميراي زوجي الوقور....
و كم كنتُ اجهلُ انهّ سيأتينني امتحان قاسٍ...تمنّيت بعدها ان اكون نسيا منسيّا....
اقتدوا بتلك الخصال الحسنة و دعو الخصال السئية فانا بشر اخطئ و مغمور بالذنوب....
فلا تُلقوا اللوم عند حديث اليكم بما هو اُخالفه و لا ارضاه....و لكنه الامتحان و الفوز او الخسران....
تزوجت لابْني و ارفع القواعد لعبد الرحمن....انتظرته سنة و اخرى و ثنتان بعدها....
انقلبت حياتي الى جحيمٍ....انتبهوا فقد اعلمتكم ان هذه صفات لا ارضاها و لكن ادوّنها للتاريخ و للعظة....
و اثّر هذا كله على طبيعتي ادركها من كان قريبا مني....و بتّ المجنون المعافى...و الاصمّ السميع...و البكم الطليق!!!!
و جاءت البشرى...و نزل المطر من السماء...فكان كالصاعقة حيث فيه البرد و الامن و الامان....
عدتُ مساءً الى منزلي...و اذا بزوجي يغمرها الفرح فلا تكاد ترى جارحة منها الاّ ينقصها الحديث و بدوّ مقدمة الاسنان...ماذا دهاك يا امة الله؟؟؟
فكنتُ ادرك طبيعة فرحها بالتخيلات لا القرائن...و لكنني تعودت ان اضع الامل جانبا خوفا من المفاجأة....
انني حامل....انني حامل....كلامات لم اتعوّد على سمعها....بل صليتّ عليها صلاة الجنازة و دفنتها في البقيع حيث الصحابة....
فكان اللقاء حارا و الخبر سارا....و بصيص النور و مكان النظر اراد ان يعبّر عن فرحتي...و لكنني لا احبّ ان يرى احدا دمعة عيني....
فخرجت مسرعا الى الشرفة....ابتعدت قليلا عن مكان بهجتي...اريد ان اختلي بنفسي...اريد ان اعاتبها و اؤنبها....اريد ان اشكر الباري اريد ان اضع الجبهة على الارض موضع القدم.....
لذا خرجت مسرعا....فمن فطنة زوجي تركتني قليلا....ما اقصرك يا ساعة...كنتِ تمرّين عليّ احسبك دهرا...فما بالك اليوم اسرع من رياح سليمان!!!!
مرّت هذه الساعة على خلوتي كانها عابر سبيل...
غسّلت وجنتاي و لحيتي بدموع الفرح!!!و اول المرة امارس دموع الفرح.....قرأتُ الكثير ان للفرح دموع و لكنني جهلتُ ماهيتة و لّذّته!!!!
فبعدما غسّلت الوجه و استنشقت و تمضممتُ من هذه الدموع فكانت بمثابة وضوء المسلم...
و الاسلام عوّدنا ان نأتي بالفاظ عقب العبادات فكان اول كلامي نطق به اللسان:
(((لا استحقُّ هذا يا رب..ما اكرمك خالقي و ما احلمك...لا استحق غير النار...)
و عدّت الى داخل المنزل و ظننتُ انّ بريق الموقف و جفاء الدمع ذهبَ باثاره...فنظرتُ الى المرآة لارى وجها لم اعتاد على مثله.....فتنكرتْ لي العيون و انكرتها فلم اعد اعرفها و لا الوجه....
ما زالت آثار دمع الفرح متناثرة و متلاشية!!!!!
فاذّن المؤذن لصلاة العشاء الاخرة...فانتهزتها فرصة للخلوة مرة اخرى....
فتغيّر كل شيئ من امام و عند حركاتي و سكناتي....فوالله شعرت انني في مكان لا اعرفه و حتى الاشخاص من حولي جهلتهم....فلا سلام و لا كلام....صليّت و عدتُ الى البيت.....
و انتظرتُ صباح يوم الغد...ليكون اليوم الاول اعيشه مع عبد الرحمن حيث هو نطفة!!!
و لم اتوقع ان زوجي و باشارة الطبيب يلزمها الرقود شهرا تاما....انه الحمل غير مستقر....
و لم يمرّ الاّ ايام قلائل الا و الصاعقة كاصاعقة عاد و ثمود تطرق اذني....ذهبت الاماني و الامنيات....ذهب عبد الرحمن....
و تعانق دمعي بدمعي زوجي...و صبّرتها في موطن احوج فيه الى من يصبّرني...و اختليت بنفسي مرة اخرى....
و شتّان ما بين الخلوتين....الدمع هو الدمع و الخلوة هي الخلوة و لكن الهدف مغاير....
و مرت السنوات و اصبحت بمجموعهنّ سبع شداد كسنين يوسف...
و كرهت حتى نفسي....و تمكّن الشطان من شخصي...و توالت عليّ المحن لم اهنأ بعيش فانا بين المرض الجسدي و الاخر الروحي....
فكانت سبعا لم اذكر بها يوما انني كنت معافا!!! بل الامراض تأتي مزدوجا.....و تعودت بل كرهت بطبيعتي الذهاب الى الاطباء....
و حتى عدم اظهار اي مرض امام الناس و من رآني اعتقد انني في صحة جيدة....
و اكرر لا تلومني فانني ملام!!!! كرهت كلَّ الرُّضع....و اي امرأة تحمل بين عضديها طفلا فلن تجد المبيت و لا دخول داري....
و ممّا زاد الطين بلّة ان جميع شقائق زوجي انجبن...و انين فلذات اكبادهم لا تفتر عن مناداتهم يا ماما....و يا بابا....
اصعب كلام نطق به الاطفال...و من ذاق طعم الحرمان ادرك مراراته!!!
و تناثرت عُقَد حبّات الؤلؤ و اكتمل تناثرها عندما تفوّهت بكلام اللا ارادي : انتِ طالق....
و مرة اخرى لا تلومنني فانني ملام!!!!
و لم يرد الله الا عودة الامور الى مجاريها الصافية....و عدنا بفضل الله تعالى...كاحسن زوج...كافضل راع.....
و تناسينا الماضي و هفواته و كبواته....و جددنا العهد مع الله تعالى و قطعنا شوطا كبيرا...و تولىّ الشيطان بحزبه خاسرا ذليلا....
و صرتُ اداعب الاطفال و استأنس بقربهم و طارت تلك القيود....و ابدلنا البشاشة مكان العبوس و المزاح مكان الجلوس....
و مرت ايامنا و كانت حبلى بما هو سرّ ابيه و الولد سرّ ابيه....
عاود الحمل مجددا....و ذهب على غرة من الامل..... و بكينا فرحا و لم نبك حزنا....
و هذا هو الرضى و بكاء النبي صلى الله عليه و سلم على ابراهيم هو اكمل و الافضل....
و لكن من بكى كبكائي بكاء الجزع فلا خير فيه....
و لم يمض شهرا و نيفا على التسليم بالرضى جاءت البشرى مجددا....
و قبلها كنتُ الاعبُ عبد الرحمن...و اناديه...و اناظره يتعثّر امامي...فابتسم تارة و احزن اخرى....
قبّلته كثيرا بين عينيه...و حملته اكثر على ظهري...فكيف به عندما يُصبح الخيال واقعا!!!!
و مرت الشهور الاولى و بقيّ الحمل مستقرا....علمتُ عندها ان الله اراد ان يكافئني...فيا لله ما اروعك من رب حليم عظيم كريم....
و بدأ الملك بنفخ الروح فدعوت كثيرا و سألته صالحا....
و بدأ قلبه ينبض و اناملي تلامس هذا...انه ابني....انه املي....انه حياتي...
و غمرتني السعادة....و التحفتُ بها....
كنتُ انتظره بفارغ الصبر....و بدأتُ اخطط له اولية طلب العلم....القرآن اولا...ثم احاديث المصطفى صلى الله عليه و سلم ثانيا....و المتون العلمية و المنثور منها و المنظوم ليكون عالما تقيّا بارعا.....
تجرعتُ العلم متأخرا, و ضاعت عليّ الاوهام,فلا اريد ان يتكرر تاريخي العقيم لعبد الرحمن....
و جاء الخبر المُحزن من حيث الغاية لا الاصل....و لطالما قرأتُ متدبرا و معلّما (...و اذا بشّر احدهم بالانثى ظلّ وجهه مسودا و هو كظيم)
انها عائشة....ابنتي...لا عبد الرحمن....فلا تلومنني فانني ملائم!!!!
اعرف فضل الاناث و رعايتهم و القيام بشؤونهم....و هو اي الفرح بالذكورية كفرح ذكريا بقوله (خفت الموالي من ورائي....فهب لي من لدنك وليا)(يرثني و يرث من ال يعقوب و اجعله رب رضيا)
فاردفت ذلك قائلا لزوجي: (لا ضير...ساجعل منها_باذن الله_ رجلا)
و اصبحت ابنتي مارية هو الاسم المتفق عليه, و اخذتُ اتحسسُ مكان تواجدها و الاحقه من مكان الى مكان...و لم تفتر_حماها الله_ من ركلة و ضربة....مُوجعة زوجي مُدخلة على قلبي الفرح السرور,,,,
هيّأتُ لها مكانها الخاص....غرفتها...سريرها....مهدها....لُعَبِها....ك ُتُبها....
لم يبق الا اياما دون الشهر....حتى تأتينا بكدّها و سعدها....
اسألونني عن وزنها؟؟؟اسألونني عن طولها...عن طبيعة نومها....وقت اسيقاظها؟؟؟؟فقد عرفته و هي في بطن امّها....
ساترك الاجابة عن هذا و ذاك لها لتخبركم باذن الله....و اُترجم انينها لكم....
اسال الله ان يجعلها راعية واعية سالمة....و ان يرزق كل محروم...اللهم آمين