الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
لا زلنا في الحديث عن المآسي التي تجرعها المسلمون نتيجة تأثرهم بالحضارة الغربية المادية ، فأقبل الغرب يورث هذه الأمة عبئا ثقيلا بإعلانه تحرير المرأة من كل القيود ومساواتها بالرجل في كافة المحافل والمنابر ، بل تعدى الأمر إلى إطلاق الحريات بكافة الوسائل والسبل وحماية ذلك من الناحية القانونية الوضعية ، فكانت المرأة من أسلحة الشيطان ومطيته للتأثير السلبي في المجتمعات الإسلامية ، ومما يعجب له المرء أن كثيرا من الناعقين والناعقات تلقفوا ذلك ، فألقوا حجاب المرأة ، واعتبروه رجعية وتخلفا وانتقاصا من قيمتهـا ، ودافعوا عن ذلك بكافة الأشكال وعلى جميع المستويات ، اعتقادا منهم أن رقي المرأة وحضارتها وتقدمها لا يكون إلا بإطلاق العنان لها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات ، وتبوئها المكان الذي لا بد أن تتصدره في كافة القطاعات والمحافل الخاصة والعامة - بزعمهم - وبذلك تتحقق سعادتها وتصبو لما يحقق لها المكانة والرفعة والتقدم 0
قال الأستاذ مجدي محمد الشهاوي : ( وما أحوجنا في هذه الأيام خاصة بعد الفجور والسفور المسمى بتحرير المرأة ، الذي تعرت به الصدور ، وانكشفت الشعور والنحور ، وكشفت السيقان وضاقت الخصور ، وسهام إبليس ترشق السافرات من كل حدب وصوب ، ومن ذا الذي يغض بصره إلا الخائف من الله ، والمرأة ألعوبة بيد الشيطان يصطاد بها الضعفاء ، وما ضرب الحجاب إلا لصون الكرامة ، وحفظ الجمال ، من نظرات رماة سهام إبليس ، والسافرة معرضة لتلك السهام في كل وقت وحين ، لأنها بخروجها متبرجة فقد عصت أمر الكتاب في سورتي النور والأحزاب ، فأصبحت عرضة لنظرات الذئاب ألا هل بلغت اللهم فاشهد ) ( حقيقة الحسد وعلاج المحسود – ص 77 ) 0
والمسلم الحق ينقاد ويحتكم لأحكام الشريعة وقوانينها، وينضبط في حياته ومنهجه ومسلكه بتلك الأحكام لأنها أحكام ربانية منزهة عن كل عيب ، أو نقص أو خلل ، ولا يعول بأي حال من الأحوال على تلك القوانين الوضعية التي هي من صنع البشر ويكتنفها ما يكتنفها من أخطاء وشذوذات تخالف الفطرة السوية ، ومن هنا فالمسلم الحق ينقاد بتعليمات الكتاب والسنة وليس لقانون وضعي طريق لمعتقداته وأفكاره ، وكافة الأدلة النقلية دلت على هذه الدلالة ، وما نراه اليوم من واقع يعيشه المسلمون من تبرج وسفور ؛ يدمي القلب ، ويعتصر له الفؤاد – وهذا نتيجة حتمية للتخبط والضياع والبعد عن الجوهر والأساس ، فالمرأة ثارت على كبرياء حجابها وألقت به وراء ظهرها ، وتنكرت لمبادئها وقيمها الإسلامية ، وما علمت أن الله حباها بهذا الحجاب وسترها بهذا الستر 0 ولقد اعتقدت أن خلعها لهذا الحجاب هو بمثابة الحضارة والرقي ، وظنت أن الحجاب لا يصلح لهذا الزمان !
إن قلوب الغيارى في العالم الإسلامي تحمل الكثير من الحسرة والألم لما آل إليه حال المرأة من ضياع وتشتت وبعد عن الدين ، ولا زالت هذه القلوب تراقب بأمل ، وترقب عودتها لرشدها وصوابها وكبريائها الذي حباها به خالقها سبحانه ، ولتعلم أن الذي خلق البشرية وعلم ما يصلح أحوالها وما يناسبها هو الذي شرع الحجاب ، لحفظها من الابتذال وصيانتها من العبث بكرامتها وأنوثتها ، وكرمها عن أن تكون نهبة للأعين فشرع لها ذلك ، والحق تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه : ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) ( سورة الأحزاب – الآية 59 ) ، وقد ثبت من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) ( صحيح الجامع 3799 ) 0
قال ابن منظور في " أسنمة البخت " : ( هن اللواتي يتعممن بالمقانع على رؤوسهن يكبرنها بها ، وهو من شعار المغنيات ) ( لسان العرب - 12/306 ) 0
قال النووي : ( هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان ، وفيه ذم هذين الصنفين 0 قيل : معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها ، وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا بحالها ونحوه 0 وقيل : معناه لتلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها 0 وأما " مائلات " فقيل : معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه " مميلات " : أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم وقيل " مائلات " يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن0 وقيل " مائلات " يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا " مميلات " يمشطن تلك المشطة 0 ومعنى " رؤوسهن كأسنمة البخت " : أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 291 ) 0
وقد ذكر العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم ( كاسيات عاريات ) ثلاثة أقوال :
1- الثياب التي تشف عما ورائها فتظهر مفاتنها 0
2- الثياب الضيقة التي تجسم جسد المرأة وتكشف عورتها ومعلوم شرعا بأن عورة المرأة المسلمة على المرأة المسلمة من السرة إلى الركبة 0
3- أنهن يبدين من عوراتهن التي أمر الله بسترها ، كما يلاحظ ويرى اليوم 0
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن معنى ( كاسيات عاريات ) ، فأجاب - حفظه الله - : ( قال العلماء : مثل أن تكون الكسوة هذه خفيفة يرى من ورائها الجلد ، فهذه كاسية ولكنها عارية ، ومثل أن تكون الثياب التي عليها ثياب ثخينة لكنها قصيرة ، فهذه أيضا كاسية عارية ، مثل أن تكون الثياب ضيقة بحيث تلصق على الجلد وتبدو المرأة وكأنه لا ثياب عليها فهذه أيضا كاسية عارية ، وهذا بناء على أن المراد بالكسوة والعري المعنى الحسي 0 أما إذا أريد به المعنى المعنوي ، فإن المراد بالكاسيات اللاتي يظهرن العنان والحياء ، والعاريات اللاتي يخفين الفجور ولا يبين أمرهن للناس ، فهن كاسيات من وجه وعاريات من وجه ) ( فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين - 2 / 855 ) 0
والتبرج ابتذال للمرأة وامتهان لها ، يجعلها فريسة في أعين كثير من الرجال ، والناظر إليها بهذه النظرة لا يضع اعتبارا لأنوثتها وخلقها ودينها وعفتها وكرامتها وعزتها ، وينظر إليها كنظره إلى المعادن اللامعة والحلي البراقة دون أهداف سامية أو أبعاد نبيلة ، ويحاول استلاب لذته منها ثم يلفظها ويلتفت عنها لأخرى 00 وهكذا ، والشيطان يزين ذلك ويدفع إليه الرجل ويصور للأنثى أنها جميلة فاتنة ملفتة للأنظار مثيرة للنفوس فينتشر الفساد وتكثر الفتن مما يجعلها فريسة في أعين كثير من الرجال ، وقد وردت الأحاديث الدالة على ذلك ومنها :
* عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) ( صحيح الجامع 6690 ) 0
قال المناوي : ( " المرأة عورة " أي هي موصوفة بهذه الصفة ، ومن هذه صفته فحقه أن يستر 0 والمعنى أنه يستقبح تبرزها وظهورها للرجل ، والعورة سوأة الإنسان وكل ما يستحى منه ، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها 0 قال ابن الكمال : فلا حاجة إلى أن يقال هو خبر بمعنى الأمر 0 قال في الصحاح : والعورة كل خلل يتخوف منه 0 وقال القاضي : العورة كل ما يستحى من إظهاره وأصلها من العار وهو المذمة 0 " فإذا خرجت " من خدرها " استشرفها الشيطان " يعني رفع البصر إليها ليغويها أو يغوي بها فيوقع أحدهما أو كلاهما في الفتنة 0 أو المراد شيطان الإنس سماه به على التشبيه بمعنى أن أهل الفسق إذا رأوها بارزة طمحوا بأبصارهم نحوها والاستشراف فعلهم ، لكن أسند إلى الشيطان لما أشرب في قلوبهم من الفجور ففعلوا ما فعلوا بإغوائه وتسويله وكونه الباعث عليه 0 ذكره القاضي وقال الطيبي : هذا كله خارج عن المقصود والمعنى المتبادر : أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس ، فإذا خرجت طمع وأطمع لأنها حبائله وأعظم فخوخه ، وأصل الاستشراف وضع الكف فوق الحاجب ورفع الرأس للنظر ) ( فيض القدير - 6 / 266 ) 0
قال ابن منظور : ( وفي الحديث المرأة عورة : جعلها نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت ) ( لسان العرب – 4 / 617 ) 0
* عن أسامة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) ( متفق عليه ) 0
قال المناوي : ( لأن المرأة لا تأمر زوجها إلا بشر ولا تحثه إلا على شر ، وأقل فسادها أن ترغبه في الدنيا ليتهالك فيها ، وأي فساد أضر من هذا ؟! مع ما هنالك من مظنة الميل بالعشق وغير ذلك من فتن وبلايا ومحن يضيق عنها نطاق الحصر ، قال الحبر – رضي الله عنه - لم يكفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء وكفر من بقي من قبل النساء ، وأرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز فقبلوها وردها الفضيل ، فقالت له امرأته : ترد عشرة آلاف وما عندنا قوت يومنا ؟! فقال مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها فلما هرمت ذبحوها ، وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني ، موتوا جوعا قبل أن تذبحوا فضيلا ، وكان سعيد بن المسيب يقول وقد أتت عليه ثمانون سنة منها خمسون يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء وهو قائم على قدميه يصلي : ما شيء أخوف عندي علي من النساء 0 وقيل إن إبليس لما خلقت المرأة قال : أنت نصف جندي وأنت موضع سري وأنت سهمي الذي أرمي بك فلا أخطئ أبدا ) ( فيض القدير – 5 / 436 ) 0
إن المتأملة في أحوال الغرب وما وصلت إليه المرأة من ضياع وابتذال ومهانة – تدرك قيمة الحجاب ، وتعلم أن الله اختصها بهذا الشرف حفاظا على كيانها وأنوثتها وعفتها ، فتكون جوهرة لا يتأملها إلا من أخذها بحقها 0
والبعض لم يكتفين بالتبرج فحسب ، بل خرجن بالعطور والبخور ، متبخترات مميلات مائلات ، تميل معهن القلوب الضعيفة ، وتهوي إليهن الأفئدة الخاوية من ذكر الله ، فابتعدن بذلك عن المنهج الرباني الذي أراده الله لهن طريقا ومسلكا ، فاستوجبن سخط الله وغضبه وعقوبته ، وقد دلت النصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمة ذلك :
* عن أبي موسى- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا استعطرت المرأة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ) ( صحيح الجامع 323 ) 0
قال المناوي : ( استعملت العطر أي الطيب الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها فمرت على الرجال لأجل أن يشموا ريح عطرها " فهي زانية " أي هي بسبب ذلك متعرضة للزنا ساعية في أسبابه داعية إلى طلابه ، فسميت لذلك زانية مجازا ، ومجامع الرجال قلما تخلو ممن في قلبه شدة شبق لهن سيما مع التعطر فربما غلبت الشهوة وصمم العزم فوقع الزنا الحقيقي ، ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها ) ( فيض القدير – 1 / 276 ) 0
* عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خرجت المرأة إلى المسجد ، فلتغتسل من الطيب ، كما تغتسل من الجنابة ) ( صحيح الجامع 503 ) 0
قال المناوي : ( أي أرادت الخروج إلى المسجد أو غيره بالأولى فلتغتسل ندبا من الطيب إن كانت متطيبة " كما تغتسل من الجنابة " إن عم الطيب بدنها وإلا فمحله فقط لحصول المقصود وزوال المحذور بالاقتصار عليه 0 ذكره المظهر وهذا بحسب الجليل من النظر 0 وأدق منه قول الطيبي : سببه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوة الرجال وفتح باب عيونهم التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا ، وحكم عليها بما يحكم على الزاني من الاغتسال من الجنابة مبالغة وتشديدا عليها ، ويعضد هذا التأويل خبر يأتي 0 وإذا كان هذا حكم تطيبها للذهاب إلى المسجد فما بالك بتطيبها لغيره ؟! وفيه جواز خروج المرأة إلى المسجد لكن بشروط ) ( فيض القدير - 1 / 334 ) 0
* عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل عين زانية ، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي زانية ) ( صحيح الجامع 4540 ) 0
قال المناوي : ( " كل عين زانية " يعني كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية ، أي أكثر العيون لا تنفك من نظر مستحسن وغير محرم وذلك زناها ، أي فليحذر من النظر ولا يدع أحد العصمة من هذا الخطر " والمرأة " - في نسخة - فالمرأة بالفاء " إذا استعطرت فمرت بالمجلس " فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها فكل من ينظر إليها فقد زنى بعينه ، ويحصل لها إثم لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه ، فإذن هي سبب زناه بالعين " فهي " أيضا " زانية " وفي رواية كذا وكذا يعني زانية ) ( فيض القدير - 5 / 27 ) 0
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شر أنفسنا وشر الشيطان وشركه ، وأن يقينا صغائر الأمور وكبائرها ، وأن يعفو عنا وأن يغفر لنا ويرحمنا ، وينصرنا على القوم الكافرين ، مع تمنياتي للجميع بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبيو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0