والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقد التبس على بعض طلبة العلم; فظنوا أنه كل من يخبر عن الغيب ولو فيما مضى; فهو كاهن، لكن ما مضى مما يقع في الأرض ليس غيبا مطلقا، بل هو غيب نسبي، مثل ما يقع في المسجد يعد غيبا بالنسبة لمن في الشارع، وليس غيبا بالنسبة لمن في المسجد. وقد يتصل الإنسان بجني، فيخبره عما حدث في الأرض ولو كان بعيدا; فيستخدم الجن، لكن ليس على وجه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة الجن آية : 9.
ج / 1 ص -314- فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها،...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
محرم; فلا يسمى كاهنا; لأن الكاهن من يخبر عن المغيبات في المستقبل.
وقيل: الذي يخبر عما في الضمير، وهو نوع من الكهانة في الواقع، إذا لم يستند إلى فراسة ثاقبة، أما إذا كان يخبر عما في الضمير استنادا إلى فراسة; فإنه ليس من الكهانة في شيء; لأن بعض الناس قد يفهم ما في الإنسان اعتمادا على أسارير وجهه ولمحاته، وإن كان لا يعلمه على وجه التفصيل، لكن يعلمه على سبيل الإجمال.
فمن يخبر عما وقع في الأرض ليس من الكهان، ولكن ينظر في حاله، فإذا كان غير موثوق في دينه; فإننا لا نصدقه; لأن الله تعالى يقول: ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ** 1. وإن كان موثوقا في دينه، ونعلم أنه لا يتوصل إلى ذلك بمحرم من شرك أو غيره; فإننا لا ندخله في الكهان الذين يحرم الرجوع إلى قولهم، ومن يخبر بأشياء وقعت في مكان ولم يطلع عليها أحد دون أن يكون موجودا فيه; فلا يسمى كاهنا; لأنه لم يخبر عن مغيب مستقبل يمكن أن يكون عنده جني يخبره، والجني قد يخدم بني آدم بغير المحرم; إما محبة لله عزوجل أو لعلم يحصله منه، أو لغير ذلك من الأغراض المباحة.
والسحرة قد يكون لهم من الجن من يسترق لهم السمع. ولا يصل هؤلاء المسترقون إلا إلى السماء الدنيا; لقوله تعالى: ** وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً ** 2; فلا يمكن نفوذه إلى ما فوق.
قوله: "فربما أدركه الشهاب..." إلخ: الشهاب: جزء منفصل من النجوم، ثاقب، قوي، ينفذ فيما يصطدم به.
قال العلماء في تفسير قوله تعالى: ** وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
القول المفيد على كتاب التوحيد