الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
يعتقد البعض – وفقهم الله لكل خير – بأن أغلب السحر أو كله لا يكون بسبب تسلط الجن والشياطين ، ومن أجل الوقوف على حقيقة الأمر ودراسة المسألة دراسة شرعية علمية تأصيلية ، فأحببت البحث والتنقيب للوصول إلى الحق المنشود ، فأقول وبالله سبحانه وتعالى أستعين :
أولاً : المسألة ليس لها أصل شرعي ، بمعنى أنه لا يوجد دليل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا الأمر ، إلا أن مسألة الاقتران الشيطاني مسألة ثابتة بنصوص القرآن والسنة وأثبات علماء الأمة قديماً وحديثاً 0
ثانياً : عند حديث العلماء عن أنواع السحر ذكروا ثمانية أنواع ، ومنها الاستعانة بالجن :
قال ابن كثير - رحمه الله - : ( قد ذكر أبو عبدالله الرازي أن أنواع السحر ثمانية : ثم ذكرها ، وذكر منها : " سحر الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن " ) ( تفسير القرآن العظيم – باختصار - 1 / 139 ) 0
ثالثاً : لو عدنا لمسألة الاقتران الشيطاني ، لوجدنا من خلال نقولات العلماء والباحثين والمتخصصين أن من الأسباب الرئيسة لتسلط الجن والشياطين هو ( السحر ) ، وقد أكدوا أن تلك الوسيلة هي من أقوى الوسائل التي يقوم بها السحرة بالتعاون مع الجن والشياطين في إيذاء بني آدم ، بل قد نقل عن السحرة أنفسهم إثبات هذا الأمر ، حيث يقول أحد السحرة عندما سئل عمن يقوم بالسحر فعلاً الإنسان ، الساحر أم من ؟؟؟
فأجاب بقوله : ( الواقع شياطين الجن هم الذين يقومون بعملية السحر ، ولكل ساحر عقدة مع إبليس ، كما أن ملوك وملكات الجن يعترفون لأوليائهم من السحرة بهذه العقدة التي تربطهم ) ( السحر والسحرة – باختصار – ص 52 – 56 ) 0
وعودة إلى آية كريمة في كتاب الله عز وجل ، قال تعالى في محكم كتابه : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) 0
فالآية تتحدث عن مسألة التفريق بين الزوج والزوجة بالعموم ، وأحد الوسائل التي يستطيع السحرة بمعاونة الجن والشياطين التفريق بين الزوجين هو تسليط أحدهم على الزوج أو الزوجة لحصول الخلاف ثم الطلاق 0
ولذلك تجد أن بعض أهل العلم اقتصروا في مسألة السحر على التفريق بين الزوج والزوجة فقط بناء على الآية الكريمة المذكورة آنفاً ، ولكن رد بعض جهابذة أهل العلم على ذلك بأوجه :
قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قال المازري : وقيل لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله ( يفرقون به بين المرء وزوجه ) لكون المقام مقام تهويل ، فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره 0 وقال : والصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك ، قال : والآية ليست نصا في منع الزيادة ، ولو قلنا ظاهره في ذلك ) ( فتح الباري – 10 / 223 ) 0
وقال النووي في شرح صحيح مسلم : ( قال المازري : واختلف الناس في القدر الذي يقع به السحر ، ولهم فيه اضطراب ، فقال بعضهم : لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه ؛ لأن الله تعالى إنما ذكر ذلك تعظيما لما يكون عنده ، وتهويلا به في حقنا ، فلو وقع به أعظم منه لذكره ، لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور 0 قال : ومذهب الأشعرية أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك 0 قال : وهذا هو الصحيح ، وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة ، وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 346 ) 0
قال الشوكاني : ( والحق أنه لا تنافي بين قوله : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) وبين قوله : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ( فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيراً في نفسه ، ولكنه لا يؤثر ضرراً إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه 0 وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيراً في نفسه وحقيقة ثابتة ، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة ) ( فتح القدير – 1 / 121 ) 0
تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة : ( أولاً : إن ذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة ، لأن ذلك خرج مخرج الغالب 0
وثانياً : إن الله تعالى ذكر هذه الصورة تنبيها على سائر الصور ، فإن استكانة المرء إلى زوجته وركونه إليها معروف زائد على كل مودة ، فنبه الله تعالى بذكر هذه الصورة لأن السحر إذا أمكن به هذا الأمر على شدته فغيره به أولى 0
فقد أطلق الضرر ولم يقصره على التفريق بين المرء وزوجه ، فدل ذلك على أنه تعالى إنما ذكره لأنه من أعلى مراتبه لا أنهم لا يتعلمون إلا هذا القدر 0
وترجح الدكتورة الفاضلة الرأي القائل بأن السحر لا يقتصر على التفرقة بين الزوجين فتقول : ( إن السحر منه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يفرق بين المرء وأقاربه 0
وإذا جاز خرق العادة على يد الساحر بما ليس في مقدور البشر ، جاز ما هو فوق التفريق بين الزوجين 000 هذا والله أعلم ) ( السحر - أحكامه - الوقاية منه - علاجه - في ضوء الفقه الإسلامي - باختصار - 77 - 78 ) 0
وقد يستأنس من السنة المطهرة بحديث عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه - فيما يتعلق بالسحر على النحو التالي :
عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئا ، ويجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله ، فيدنيه منه ، ويقول : نعم أنت ) ( صحيح الجامع 1526 ) 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( السعي في التفريق بين الزوجين من أعظم المحرمات ، بل هو فعل هاروت وماروت ، وفعل الشيطان الحظي عند إبليس ، كما جاء به الحديث الصحيح ) ( بيان الدليل على بطلان التحليل – ص 609 ، 610 ) 0
قلت : إن النصوص القرآنية والحديثية آنفة الذكر تدل على أن غاية الشيطان ومقصده التفريق بين الزوج وزوجه ، بسبب أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع المسلم ، وبهذا الفعل الدنيء يتحقق مراد الشيطان في تدمير المجتمعات الإسلامية وتقويضها ، ومن هنا كانت الغاية الأساسية للشيطان وأتباعه التفريق بين الزوجين ، وهو أقدر على التفريق بين المتحابين إذا توفرت له الأرضية التي يستطيع من خلالها الوصول لأهدافه وغاياته وقد اتضح هذا المفهوم من خلال أقوال أهل العلم كما مر معنا سابقا ، ومع أن الحديث الذي رواه جابر - رضي الله عنه - لا ينص أصلا على الأسلوب الذي يتبعه الشيطان في وصوله لهذه الغاية ألا وهي التفريق بين الزوج وزوجه ، إلا أن السحر من الأساليب التي يستأنس لها الشيطان لتحقيق تلك الأهداف ، لما فيها من كفر صريح بالله عز وجل وهدم للأسر وتقويض للمجتمعات وقد أكد هذا المفهوم العلامة ثلة من جهابذة أهل العلم كما سوف يمر معنا لاحقاً 0
قال المناوي : ( إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم وتوقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة ) ( فيض القدير - 2 / 408 )
رابعاً : بالعودة إلى أقوال علماء الأمة قديماً يتبين إثبات هذا الأمر ، وأذكر نقولاتهم :
* قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( والمقصود أن أهل الضلال والبدع الذين فيهم زهد وعبادة على غير الوجه الشرعي ، ولهم أحيانا مكاشفات ولهم تأثيرات ، يأوون كثيرا إلى مواضع الشياطين التي نهي عن الصلاة فيها ، لأن الشياطين تستنزل عليهم بها ، وتخاطبهم الشياطين ببعض الأمور ، كما تخاطب الكهان ، وكما كانت تدخل في الأصنام وتكلم عابدي الأصنام ، وتعينهم في بعض المطالب كما تعين السحرة ، وكما تعين عباد الأصنام ، وعباد الشمس ، والقمر ، والكواكب ، إذا عبدوها بالعبادات التي يظنون أنها تناسبها ، من تسبيح لها ولباس ، وبخور وغير ذلك ، فإنه قد تنزل عليهم شياطين يسمونها ******ة الكوكب ، وقد تقضي بعض حوائجهم إما قتل بعض أعدائهم أو إمراضه ، وإما جلب بعض من يهوونه ، وأما إحضار بعض المال ، ولكن الضرر الذي يحصل لهم بذلك أعظم من النفع ، بل يكون أضعاف أضعاف النفع ) ( البيان المبين في إخبار الجن والشياطين – ص 67 ) 0
* يقول ابن القيم : ( والنفث : فعل الساحر ، فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور ، ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة ، نفخ في تلك العقد نفخا معه ريق ، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى ، مقترن بالريق الممازج لذلك 0
وقد تساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور ، فيقع فيه السحر بإذن الله الكوني القدري ، لا الأمري الشرعي ) ( بدائع التفسير - 5 / 404 ) 0
* نقل التهانوي عن الفتاوى الحمادية : ( السحر نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم ، فيتخذ من ذلك هيكلا على صورة الشخص المسحور ، ويترصد له وقت مخصوص في المطالع ، وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ، ويتوصل بها إلى الاستعانة بالشياطين ، ويحصل من مجموع ذلك أحوال غريبة في الشخص المسحور ) ( الموسوعة الفقهية -24/260 - نقلا عن كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي – 3 / 648 ) 0
* قال الشبلي : ( وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم فإذا ركض ذلك العرق وهو جار سال منه الدم وللشيطان في هذا العرق الخاص تصرف وله به اختصاص زائد على عروق البدن جميعها ولهذا تتصرف السحرة فيه باستنجاد الشيطان في نزيف المرأة وسيلان الدم من فرجها حتى يكاد يهلكها ويسمون ذلك بالنزيف وإنما يستعينون فيه بركض الشيطان هنالك وإسالة الدم ) ( آكام المرجان في أحكام الجان – ص 45 ، 46 ) 0
خامساً : بالعودة إلى أقوال علماء الأمة وطلبة العلم حديثاً يتبين إثبات هذا الأمر ، وأذكر نقولاتهم :
* يقول فضية العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين - حفظه الله - : ( وكذا قد يعمل الساحر فيسلط شيطانه على إنسان فيصاب بمثل هذه الأمراض ، أو على امرأة فيسقط حملها ، وعلاج ذلك كغيره من علاج المعين والمريض بالسحر والحسد ونحوه كما هو معلوم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
* و يقول – حفظه الله - : ( وأما سحر المرض فقد قيل إن أغلب الأمراض المستعصية هي بسبب الجن الذين يسخرهم الساحر فيلابسون الإنسان ، ويحدث ذلك تعطيل بعض الأعضاء عن منافعها فينهك البدن ، ويعظم الضرر ، ولا يوجد في الطب له علاج سوى الأدوية المهدية ، والأولى استعمال الرقى النافعة المؤثرة ، فلها تأثير كبير في تخفيف ذلك المرض كالسرطان والجلطة والشلل ونحوها ) ( المصدر السابق ) 0
* وقال - حفظه الله - : ( وأما سحر النزيف وهو ما يحدث في بعض النساء من جريان الدم الكثير ، كدم حيض في غير وقته ، فقـد ورد في الحديث أنه ركضة شيطان ، كما رواه الإمام أحمد عن حمنة بيت جحش بلفظ : " إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان " وكذا رواه أبو داوود والترمذي ، وروى مالك عن ابن عمر نحوه من قوله ، والمراد أن الشيطان هو الذي يفجر هذا الدم حتى يسيل في غير وقته ، وقد يكون بتسليط من السحرة ونحوه ، وقد أفتاها ابن عمر بأن تطوف ولا تلتفت إليه ، وعلاجه بالرقية والأدوية النافعة ) ( المصدر السابق ) 0
* وقال – حفظه الله - : ( وأما سحر الجنون فهو تسليط الجان على الإنسان ، وذلك أن أكابر السحرة يخدمون الشياطين حتى تسخر لهم بعضاً من الجن ذكوراً أو إناثاً ، ثم إن الشيطان يسمي له أشخاصاً فيسلط عليهم فرداً من أولئك الذين أصبحوا تحت سيطرته ، وذلك المسلط لا يقدر على الامتناع ، فهو عند الرقية يتكلم ويخبر بالساحر الذي سخره وسلطه ، وربما بكى وانتحب على عجزه عن التخلي عن المصروع ، وكثيراً ما يعالج الجني حتى يموت ويخلفه آخر ممن سخرهم ذلك الساحر ، فلا يتخلصون من تسخيره إلا بموته وقتله ، فيجب قتل هذا حتى يستراح منه ) ( المصدر السابق ) 0
وقال - حفظه الله - : ( وقد يكون العقم بسبب عمل شيطاني من بعض السحرة والحسدة ، فيعمل أحدهم للرجل أو المرأة عملاً يبطل به أسباب الإنجاب ، وذلك بحيل خفية تساعده عليها الشياطين ، أو أن نفس الشيطان الملابس له يعمل في إبطال تأثير الوطء في الحبل ، سواء من الرجل أو المرأة ، فالشياطين الملابسة للإنس لهم من التمكن في جسم الإنسان ما أقدرهم الله عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) ( متفق عليه ) فعلى هذا يعرف أنه عمل سحرة بتجربة الإنجاب في شخص آخر ، فإذا كان الرجل له أولاد من امرأة أخرى ، والمرأة لها أولاد من رجل آخر ، عرف أن توقف الولادة بسبب هذا العمل فيسعى في علاجه بالرقى والتعوذات والأدعية النافعة ، وكثرة ذكر الله تعالى ، وتلاوة القرآن ، والتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة ، والتنزه عن المحرمات والمعاصي ، وتنزيه المنزل عن آلات اللهو والباطل ونحو ذلك مما تتسلط به الشياطين ، وتتمكن من التأثير في الإنسان ، ويسبب بعد الملائكة عن المنازل التي تظهر فيها المعاصي ، وبهذه الإرشادات يخف تأثير السحرة بإذن الله تعالى ) ( المصدر السابق ) 0
وقال - حفظه الله - : ( إن السحر عمل بمساعدة الشياطين بما يؤثر في المسحور بقلب الصورة أو بالصرف أو العطف أو بإلحاق ضرر به بتسليط الجن عليه ، فيعرف ذلك بسوء تصرفه وتغير حالته وصدوده عن مألوفاته ، ويعرف من رآه أنه مختل العقل أو مخبل 0 وحكم الفاعل أنه كافر مشرك في عبادته وتقرباته ) ( المصدر السابق ) 0
* يقول الدكتور محمد محمود عبدالله مدرس علوم القرآن بالأزهر : ( سحر النزيف : هو أن ينزل على المرأة دم في غير أيام الحيض ؛ بتأثير فعل الخادم الجني ، إذ يأمره الساحر ويكلف بالدخول في جسد المرأة ، ويجري في عروقها ، ومعه يجري دمها ومن الثابت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فيصل الجني بتسليط الساحر إلى عروق رحم المرأة ؛ فيركضه ركضة فيسيل دمها ، ويختلف في كيفيته ومقداره فقد يكون غزيرا أو قطرات ، بحسب التسليط المطلوب ) ( إعجاز القرآن في علاج السحر والحسد ومسّ الشيطان – باختصار - ص 94 ) 0
ويقول – حفظه الله - : ( سحر الجنون : ينشأ بسبب الحقد ، فيقوم الساحر بتكليف خادم من الجن بتغييب عقل المسحور – بما يشبه الزوال – ممثلاً في ضعف التركيز ، التردد ، تغيير الاتجاه ، عدم القدرة على اتخاذ القرار وحسم الأمور ، الشك في كل الأشياء ، الخوف ممن حوله : يتصور الأحباب أعداء 0 وقد يكون بصور غير هذه : كالجري وتمزيق الملابس والتردي ، وغيره من الأمور المنافية للعقل ) ( المصدر السابق – ص 87 ) 0
* يقول الدكتور عمر الأشقر : ( والذي نعلمه من دراستنا للكتاب والسنة ومطالعتنا لما دون في موضوع السحر أن الساحر لا بد أن يكون خاضعا للشيطان ، بل عابدا له حتى يعينه الشيطان ويخدمه ) ( عالم السحر والشعوذة – ص 167 ) 0
* يقول الدكتور أحمد بن ناصر الحمد بعد أن جمع جملة من التعريفات : ( وأقدم هذا التعريف أستخلصه من جملتها فأقول : السحر : هو المخادعة أو التأثير في عالم العناصر ، بمقتضى القدرة المحدودة بعين من الجن ، أو بأدوية إثر استعدادات لدى الساحر 0
ثم قال : وأرى في هذا شمولاً ، لما كان من السحر عن طريق التخييل ، والمخادعة ، وما كان منه حقيقة يؤثر بالهمة ، أو بمعين من الشياطين ، أو بدعوى موافقة مزاج الأفلاك والعناصر ، أو نحو ذلك ، والله أعلم ) ( كتاب السحر بين الحقيقة والخيال – ص 17 ) 0
سادساً : بالعودة إلى أقوال الباحثين والمتخصيبن يتبين إثبات هذا الأمر ، وأذكر نقولاتهم :
قال الأستاذ عبد المنعم الهاشمي : ( ينقسم السحر إلى ثلاثة أقسام أساسية هي :
1- سحر يصدر من الشيطان نفسه أو أحد أعوانه الممتازين ، فيصيب ضحيته فجاءة في مالها أو صحتها أو نفسها ؛ وهو أقوى أنواع السحر ، فهو يؤثر من تلقاء نفسه دون الاستعانة بوسيط أو أي مادة أو حرف أو علم أو جرم سماوي 0
2- سحر يكون العامل المساعد فيه الأرواح الشريرة ؛ فيقوم به الساحر بمساعدة هذه الأرواح مع استخدام جزء أو أجزاء من إنسان أو حيوان ( حي أو ميت ) أو نبات أو جماد 0 وهو أضعف تأثيراً من الأول لأنه يدل على ضعف القوة المسببة له وعجز الساحر عن إتيانه من نفسه دون الاستعانة بروح خبيثة ؛ ومفعولة لا يدوم كثيراً 0 ثم ذكر القسم الثالث ) ( السحر في القرآن الكريم – ص 27 ) 0
* يقول الأستاذان أبو محمد الجبالي وسعد الدين علامة : ( فالسحر من الشيطان ، ولا يقع أو يقوم به إلا من كان به هوى في نفسه ، وأفول في طبعه ، وميول إلى الشيطان ، والسحر يؤثر على المسحور ، فيحدث به ضرراً صحياً ونفسياً ، والمس الأرضي والضرر لا يزول إلا بفك السحر مع استخدام الرقية وطرد الشيطان عن المسحور ، وقبل هذا تقوى الله والاستقامة ، فهذا معنى قول الحق تبارك وتعالى : (000 وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ 000 ) " سورة البقرة – الآية 102 " ) ( أفعال شيطانية – ص 7 ) 0
* وقالا أيضاً : ( أما الجن الموكل بتنفيذ السحر " التأثير على المسحور " يدعى " خادم السحر " وقد يوضع في السحر شيء من شعر المسحور 00 أو قصاصات من ملابسه أو أي شيء مما كان يستعمله ولو بقدر بسيط ) 0 ( المصدر السابق – ص 38 ) 0
* قال الأستاذ مصطفى عاشور : ( يقوم الإنسان الخبيث النفس بكتابة كلام الله تعالى بالنجاسة ، وقد يقوم بقلب حروف ( قل هو الله أحد ) ، أو قراءة ( سورة يسن ) بالمقلوب ، أو غير ذلك مما يرضاه الشيطان 0 فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم ، مثل : تغوير ماء من المياه ، وإما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة ، وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس ، وإما بإيذاء أحد يعاديه ) 0
* يقول الشيخ عبدالله السدحان : ( مرض الشلل ، فالجن يمسك الأعضاء المصابة بالشلل عند بعض المرضى فيوقف حركتها ويصاحب ذلك أعراض منها : اكتئاب نفسي مع ضيق وصداع مستمر ، فإذا قرأ عليه شعر بتنمل في الجزء المصاب بالشلل ، وإذا لم يشعر بتنمل فيعود إلى مغادرة الجن هذا الجسم بعد أن أتلف الأعصاب وبنى الجسم على ذلك فنشأ بعد فترة طويلة على هذه الحالة ) ( كيف تعالج نفسك بالرقية الشرعية – ص 31 ) 0
* يقول الأستاذ فتحي يكن : ( لما كان السحر يقوم في معظمه على استخدامات الشياطين ، فإن شيوعه بالتالي يؤدي إلى مزيد من تسلط الشياطين على عالم الإنس عموماً ، هذا فضلاً عن كون بعض الاستخدامات إنما تكون في الأساس بقصد الإضرار والإفساد 0
والبيئة غير المحصّنة إيمانياً يكون تأثرها بالقاءات الشياطين ، ووقوعها في شراكهم وأحابيلهم أكبر من تلك المحصّنة ، مع العلم أن الكائن البشري عموماً يبقى عرضة لنزعات الشيطان بالغ ما بلغ من التحصن ) ( حكم الإسلام في السحر ومشتقاته – ص 95 ) 0
* يقول الأستاذ الصادق بن الحاج التوم : ( وحقيقة الأمر أن الساحر يأخذ أو يؤتى إليه بشيء من الشخص المراد سحره ؛ كقطعة من ثيابه ، أو شعرة من رأسه ، أو جزء من أظافره ، فإن لم يوجد شيء سأل الساحر عن اسم أمه حتى يجد علامة يربط بها السحر بالمسحور ، ثم بعد ذلك يعقد عقداً يكون فيها هذا الأثر ، ثم يقرأ تعاويذه وطلاسمه الشيطانية ، وهي محاولة لطلب المساعدة من الأرواح الخبيثة لإنفاذ السحر ، فتعاونه مردة الشياطين الذين يعبدهم ويطيعهم من دون الله ، فيسخرون له أرواحاً خبيثة يربطوهم بجسم الشخص المراد سحره ، فلا يستطيع أن ينفك عنهم ، وهذا الشيطان المربوط بالمسحور يسمى بـ ( خادم السحر ) فيلازمه ويتابعه حتى يجد فرصة سانحة فيدخل في جسده ، فلا ينفك عنه إلا إذا أبطل السحر وانفكت العقد ، ثم توضع العقد المربوطة مع أوراق فيها طلاسم وتعاويذ شيطانية في مكان قريب أو بعيد من المسحور حتى يلازمه السحر ، فتدفن في الأرض أحياناً أو توضع في أماكن خفية حتى لا يعرف مكانها فتبطل ، وقد يضاف إلى ذلك بعض المواد الخبيثة والتركيبات النتنة مثل : العذرة ، أو المني ، أو دم الحيض ، فتخلط وتجفف وتسحق حتى تكون ( بودرة ) وتقرأ فيها التعاويذ ، ويكون منها مادة سحرية توضع للشخص المراد سحره في طعامه أو شرابه حتى تستقر في بطنه فتقوم بجذب الروح الخبيثة ( خادم السحر ) إلى الجسد لتستقر بها ، فإذا استقرت الأرواح الخبيثة في الجسد قامت بأداء المهمة التي من أجلها عمل السحر ، فإن كانت للتفريق بين المرء وزوجه قاموا بعمل أشياء تكرّه الرجل في زوجته أو المرأة في زوجها ، كأن يجعلون في فم المرأة – إن كانوا فيها – رائحة نتنة لا تنفك عنها 0
أو يسببون للرجل أو للمرأة ضيقا شديداً وقلقاً وخوفاً طالما هو في بيته مع زوجته ، أو يهيجون أعصابه فلا يتحمل كلمة واحدة من زوجته 000 إلى غير ذلك من العوامل التي تدمر الأسر 0
وأما إذا كان المراد من السحر تسبب الأذى للمسحور فقد يسببون له آلاما حادة في الرأس ( صداع ) ، وآلاماً حادة في الظهر والمفاصل ، وضيقاً في الصدر ، وأوجاعاً في البطن 0 وإذا كان المراد من السحر صرف المسحور عن دراسته أو تجارته أو مستقبله فيقومون بتشتيت فكره والتسبب في أرقه ، وعدم راحته ، وجلب الكوابيس والأهوال له عند النوم 000 إلى غير ذلك مما يقوم به السحرة ) ( الإيضاح المبين لكشف حيل السحرة والمشعوذين – ص 15 ، 18 ) 0
سادساً : بين بعض أهل الاختصاص أن الإيذاء الحاصل من قبل السحر وعلاقته بتسلط الجن والشياطين له علاقة مطردة علميه :
يقول الشيخ عبدالله السدحان : ( ثبت علمياً أن الريق والعرق والشعر والظفر والدم ، ترسل ذبذبة خاصة من جسم صاحبها حتى ولو انفصلت عنه ، ولهذا يستخدم الساحر الظفر والشعر في عملية السحر لاستخدام هذه الذبذبة عن طريق الجن في الإضرار بالمسحور ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية – ص 53 ) 0
يقول الدكتور خليل مسيحة : ( وهو ما يعرف بعلم " راديونيك " ويتفرع منه الموجه الذاتية ، وهو علم يستخدم في التشخيص والعلاج الطبي وتوجد له مدارس متعددة في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا 0 وثبت أن لكل إنسان موجة " ذبذبة " خاصة لا تشبه أي إنسان آخر ! كالبصمة تماماً في تميزها ، وكل ما ينفصل عن الإنسان من شعر أو ظفر أو ريق أو عرق أو دم يحمل معه هذه الموجة الخاصة !! ولا يبطل هذه الموجة إلا إتلاف هذه الأشياء المنفصلة أو دفنها " وهذا ما يفعله عامة الناس وهو حسن وإن لم يرد به نص لأنه من إكرام الإنسان وأيضا يقطع تلك الذبذبة حتى لا يستفيد منها السحرة ) ( كتاب الموجة الذاتية ) 0
قلت – أنا الفقير إلى عفو ربه القدير - عن سحر تسليط الأرواح الخبيثة في كتابي الموسوم ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة : ( وهذا النوع يتم بواسطته تسليط الجن والشياطين على المسحور لغرض معين يحدد من قبل الساحر بناء على توصية من قام بعمل السحر للمسحور ، ويتم ذلك بطرق شتى يستخدم فيها الساحر العزائم والطلاسم الكفرية أو الشركية لاستحضار الأرواح واسترضائها بذلك لكي تسلط على من وكلت به ) 0
والأدلة النقلية الصريحة الصحيحة تؤكد على أن للشيطان قدرة على إيذاء بني آدم في جسده بالآلام والأسقام ، وبما أن الجن والشياطين يسلطون على الإنسان عن طريق السحر ، فقد يكون لذلك تأثير بإذن الله القدري الكوني لا الشرعي على إحداث تلك المؤثرات الخاصة بالجسم البشري وإمراضه ، وربما يصل الأمر في بعض الأحيان إلى العجز أو القتل ، علما بأن النوع الآخر من أنواع السحر وهو ( سحر المؤثرات ) قد يؤدي لنفس الأعراض من حيث المرض والقتل ونحوه ، بطريقة لا يعلمها إلا الله ، ولكنها لا تنفذ ولا تؤثر إلا بإذنه سبحانه وتعالى ، وهذا معلوم عند المتمرسين الحاذقين ومكتوب في كتب السحر أعاذنا الله وإياكم منها ومن شرورها ، والله تعالى أعلم 0
ولكَ أخي الحبيب ( أبو مالك ) أن تتوقف في أصل المسألة إلى أن يثبت لكَ عكس ذلك ، أو أن تستمر على رأيك ، ولكن لا يجوز التعميم في المسألة ، فما لم يثيت لكَ قد ثبت لغيرك كما هو حال كثير من المعالجين والمتخصصين في الرقية الشرعية ودروبها ومسالكها ، أسأل الله بفضله ومنه وكرمه أن يوفقنا جميعاً للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، مع تمنياتي لكَ بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0