موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > منبر السيرة النبوية والأسوة المحمدية

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 24-04-2023, 10:01 PM   #1
معلومات العضو
الماحى3

افتراضي سيرة الصحابي حذيفة بن اليمان لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي

الدرس 13\ 50 سيرة الصحابي حذيفة بن اليمان لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي.
تفريغ : م . م حسان عودة
التدقيق اللغوي : الأستاذ غازي القدسي
التنقيح النهائي : المهندس غسان السراقبي .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الأكارم :
مع الدرس الثالث عشر من دروس سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم أجمعين وصحابي اليوم سيدنا : حذيفة بن اليمان .
الشيء الذي يلفت النظر أن كل صحابي نسيج وحده كما يقولون ، يتمتع بشخصية لها سماتها وخصائصها ، وهذه الشخصية كأنها جاءت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لتكون قدوة لمثيلاتها في العصور القادمة ، فكل صحابي يمثل شخصية نجدها في كل عصر ، لكن هذا الصحابي بهذه الشخصية التي يتميز بها وقف الموقف المثالي فكان بطلاً بحقٍ إذ قيل إن عصر النبي عليه الصلاة والسلام هو عصر البطولات .
الحقيقة أن المجتمعات تجد فيها في كل عصر شخصاً يلتمع ويعلو ذكره ، يتفوق أما أن تجد في عصر واحد عدداً لا ينتهي من الأبطال ، وكل واحد نسيج وحده ، فهذا لم يتوافر إلا في عصر الرسالة الإسلامية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
سيدنا حذيفة بن اليمان عاش والده في المدينة مكي الأصل مدني النشأة ، فلما بعث النبي عليه الصلاة والسلام كان حذيفة على شوق كبير ليلقى النبي عليه الصلاة والسلام ، ويملأ جوانحه من حبه ، فما إن التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام ، حتى سأله النبي الكريم :
أمهاجر أنت أم أنصاري ؟.
أولاً : النبي عليه الصلاة والسلام ، كان فطناً ، والفطنة كما تعلمون من صفات الأنبياء ، فحينما التقى النبي هذا الصحابي أول سؤال طرحه عليه أمهاجر أنت أم أنصاري ؟ .
ماذا نفهم ، يعني أنت أيها المؤمن إذا التقيت بإنسان ينبغي أن تحدثه عن شيء يعيشه ، عن قضية يعانيها ، يجب أن تهتم به ، يجب أن تهتم بمشكلته لأنه لا سبيل إلى قلبه إلا بهذه الطريقة . يعني إذا التقى مؤمن بشخص فليسأله عن أحواله ، عن وضعه عن عمله ، عن بعض المشكلات التي يعاني منها ، حينما تسأل الإنسان عن قضية يعانيها يتجاوب معك .
النبي عليه الصلاة والسلام ، حينما التقاه أول مرة ، قال يا حذيفة أمهاجر أنت أم أنصاري؟.لأنه هو مكي الأصل مدني النشأة ، فقال رضي الله عنه : إن شئت كنت من المهاجرين ، وإن شئت كنت من الأنصار .
أنت بحكم وضعك النادر ممكن أن تكون مع إخوانك المهاجرين أو مع إخوانك الأنصار ، فاختر لنفسك ما تحب .
فقال حذيفة رضي الله عنه : بل أنا أنصاري يا رسول الله آثر أن يكون مع الأنصار .
لا يعنينا من هذه النقطة في حياة هذا الصحابي إلا أن النبي كان فطناً وكان إذا جلس مع إنسان، يضع يده على جرحه ، يضع يده على مشكلته ، يحدثه عما في نفسه ، فأما أن تحدث الناس في موضوع بينما هم يعانون مشكلة معينة ، فليس هذا من الحكمة .
يقال إن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا جلس مع التجار حدثهم بالتجارة إذا جلس مع أي إنسان حدثه باختصاصه تأليفاً لقلبه وتقرباً إليه ، يعني ليس القصد أن تملي على الإنسان المعلومات بل القصد أن تفتح قلبه إليك القصد أن يميل إليك ، القصد أن يشعر أن هناك لغة مشتركة بينك وبينه ، أن هناك اهتمامات واحدة ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم . أنا العبد الفقير من عادتي إذا جلست مع أخ أسأله عن أولاده لأنه ما من إنسان على وجه الأرض إلا ويحب أولاده ، إذا سألته عنهم عن أوضاعهم
الدراسية ، وأوضاعهم المعاشية ، والمهنية ، انطلق الأب يحدثني عن أولاده ، أنا أريد أن ينطلق ، فإذا أنطلق عندئذ يمكن أن تحدثه أنت عن الله عز وجل .
فالقضية ليست أن تملي على الناس معلومات ، القضية أن تفتح قلوبهم قبل أن تفتح آذنهم ، القضية أن تستميلهم ، القضية أن يشعروا أنك قريب منهم من الممكن أن أقول لكم كلمة : لا أعتقد أن واحداً منكم لا يتمنى أن يكون داعية إلى الله عز وجل ، لأنك إذا أردت أن تزن الأعمال بالميزان الصحيح ، ما من عمل أرقى في الأرض من أن يستخدمك الله بالدعوة إليه ، ما من عمل أشرف من أن تكون ناطقاً بلسان الحق .
أحياناً يقال : فلان الناطق باسم المبعدين ، دكتور يتقن اللغة الأجنبية من حين لآخر يصرح تصريحاً معيناً ، شيء جميل ، فاختاروا أعلاهم علماً وثقافة ، وطلاقة ، ولغة . لكن حينما تكون أنت ناطقاً باسم الحق ، هذه أعلى مرتبة ، لن تستطيع أن تدعو الناس إلى الله إلا إذا شعر الناس جميعاً أن مشكلاتهم هي مشكلتك ، يعني إن لم تشعر بما يشعرون ، إن لم تحس بما يحسون ، إن لم تتعاطف مع من يتعاطفون ، لن يصغوا إليك .
لذلك فالنبي الكريم قال : بعثت لمداراة الناس .
المدارة بذل الدنيا من أجل الدين ، اجلس معه استمع إليه أصغ إليه وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ، ولعله أدرى به فمداراة الناس تفتح قلوبهم ، فإذا فتحت قلوبهم ، فتحت آذانهم.
يا حذيفة أ أنصاري أنت أم مهاجر ؟ .
وضع يده على مشكلته ، هو في حيرة ، مكي الأصل ، مدني النشأة ، يعني أحياناً الإنسان ، يستنبط معاني جليلة من أشياء صغيرة من كلمة ، من نظرة يستنبط معنى جليلاً .
إذاً ، إن شعر الناس أن مشكلتهم هي مشكلتك فهذه علامة طيبة على أنه قد نما لك قلب ، وعاطفة ، وشفافية شعرت بها من اطلاعك على مشكلات الناس ومشاركتهم .
سيدنا حذيفة بن اليمان ، في معركة أحد قُتل أبوه خطأً ، قُتل أبوه بسيوف المسلمين ، وأبوه مسلم ، هذا الشيء يقع في كل الحروب فأحياناً تقصف قطعة عسكرية من قبل طيران الصديق، لا طيران العدو . فهذا يحدث ولأنه يحدث له تشريع في القرآن الكريم ، سماه القرآن القتل الخطأ :

( سورة النساء : 92 ) .
إذا حدث عند قتل والده خطأ ، فخر صريعاً بأسياف أصحابه فصار حذيفة ينادي أبي ، أبي ، لكنه في ضجيج المعركة ، وصليل السيوف مات أبوه بأسياف المسلمين خطأ ، قال فما زاد على أن قال لهم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، أما عند النبي عليه الصلاة والسلام فالحق أحق أن يتبع ، فأمر أن يعطى حذيفة دية أبيه ، وهي دية من قُتل خطأً فقال حذيفة :
يا رسول الله : أبي كان بطلب الشهادة وقد نالها ، اللهم اشهد أني تصدقت بديته على المسلمين .
طلب الشهادة ونالها ، والقتل خطأ ، لذلك إذ وقع خطأ في حادث فهناك عدل وهناك إحسان ، العدل أن يدفع المتسبب الدية ، أما الإحسان أن تعفو عنه إذا كنت أنت ولي الأمر .
فقال يا رسول الله إن أبي قد طلب الشهادة ونالها ، اللهم اشهد أني تصدقت بديته على المسلمين . فازداد بذلك منزلة عند النبي عليه الصلاة والسلام ، مرتبة العفو مرتبة عالية جداً، والإنسان إن يعفُ يزده الله بكل عفوٍ عزاً ، أنت جرب ، المنتقم يصغر ، والعفُوُّ يكبر ، ما من إنسان يعفو عن خصمه إلا رفعه الله وزاده عزاً بعفوه .
الحقيقة أننا يجب أن نتعلم من النبي الشيء الكثير ، النبي كان قائداً والقيادة لها خصائص ، من خصائص قيادة النبي عليه الصلاة والسلام ، أنه يعرف إمكانات أصحابه ، كل صحابي له إمكانات ، له خصائص ، له ملامح له قدرات له شخصية خاصة ، القيادة الناجحة أولاً تتعرف على إمكاناتِ مَن دونها ، ثم تكلف هؤلاء الذين تقودهم كلٌ بحسب اختصاصه ، وكلُ بحسب إمكاناته ، القيادة غير الناجحة تضع الرجل المناسب في المكان غير مناسب ، رجل غير مناسب في مكان غير مناسب ، أما القيادة الناجحة ، تضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
ذات مرة كان النبي عليه الصلاة والسلام يبحث عن رجل ليقوم بمهمة فقيل له يا رسول الله فلان ، فقال عليه الصلاة والسلام : ليس هناك يعني لا يملك الأهلية لهذه المهمة ، يبحث عن إنسان يتمتع بهذه الأهلية فالنبي عليه الصلاة والسلام أدرك أن هذا الصحابي حذيفة بن اليمان فيه خلال ثلاث : أولاً : يتمتع بذكاء فذ ، يسعفه في حل المعضلات .
ثانياً : يتمتع ببديهة مطاوعة تلبّيه كلما دعاها .
ثالثاً : يتمتع بكتمان للسر فلا ينفذ إلى غوره أحد ، عنده صدر واسع .
يقولون : فلان ببطنه رجل دجاجة ، أي فكرة ، يعني ما أن يسمعها حتى يشيعها بين الناس.
كان هذا الصحابي الجليل كتوماً للسر ، وكان صاحب بديهة وكان فوق ذلك يتمتع بذكاء فذ .
وهنا يُطالعنا سؤال : هذا الذي يتمتع بذكاء فذ ، لو أنه لم يؤمن ؟! ماذا يفعل بذكائه ، هل
في القرآن آية تشير إلى هذا المعنى الدقيق ؟ شخص عبقري لكن ما فيه دين ، شهواني ، يؤثر الدنيا على الآخرة ، فهذا الذكاء الذي منحه الله إياه ما مصيره ؟ وقد آثر الدنيا على الآخرة ، وقد آثر الشهوة على المبدأ ، ربنا عز وجل قال :

( سورة الكهف : 54 ) .
يعني أرجو الله أن أوفق بمثل يوضح فكرتي ، يعني أنت أُعطيت مركبة ، تصعد مكاناً زاويته مثلاً خمس وثلاثون درجة ، نادراً أن يكون طلعة بهذا الشكل ، لكن المركبة قوية جداً ، فإن لم تستخدم هذه المركبة لبلوغ قمة هذا الجبل فقد تهوي بك إلى الحضيض .
يعني الله عز وجل آتى الإنسان عقلاً ، وهذا العقل فيه من القدرات المذهلة الكثير و لو أنهم استطاعوا أن يصنعوا عقلاً آلياً يقوم مقام العقل البشري لاحتاجوا إلى أكبر شارع في نيويورك أكبر شارع ، وهذا الشارع أبنيته من على اليمين ، ومن على الشمال كلها صمامات صغيرة حتى يكون هذا الشارع بكل أبنيته عقلاً ميكانيكياً من صنع الإنسان ، العقل فيه أشياء غريب جداً . و منذ يومين دخلت على طبيب مصور ، عرفته حينما كنت صغيراً ، في سن لا تزيد على عشر سنوات ، كان لهذا الطبيب عيادة في أحد شوارع دمشق وكان له لوحة مصنوعة من الشينكو ، فتذكرت من كلمة واحدة تذكرت شيئاً قبل أربعين عاماً تقريباً ، معنى ذلك أن الإنسان يتمتع بذاكرة ، مداها عجيب جداً .
فالإنسان أعطاه الله قدرةَ تذكُّرٍ ، قدرة محاكمة ، قدرة استنباط قدرة استقراء ، قدرة حكم ، قدرة موازنة ، قدرة تخيّل ، قدرة تصور هذا العقل البشري ، زود الله به الإنسان ليرقى به إلى الله ، لو آثر الدنيا ماذا يفعل بهذا العقل ؟ يستخدمه لفلسفة الباطل ، ولتغطية انحرافاته ، ولفلسفة شهواته ، ولتحبيب الدنيا إلى الناس .
فلذلك أصحاب الأهواء أذكياء ، أصحاب المبادئ الهدامة أذكياء يفلسفون مبادئهم الهدامة ويعطونها طابعاً منطقياً ، يعطونها تماسكاً إيديولوجيا كما يقولون الله عز وجل قال :

( سورة الكهف : 54 ) .
فعقلك إن لم تستخدمه في معرفة الله ، صار سلاحاً خطيراً تستخدمه إذاً في تزيين الباطل ، في ترويج الباطل ، ما من انحراف أخلاقي ، ولا من عقيدة فاسدة ، إلا ولها فلسفة براقة ، وقد عبر الله عن هذا بقوله جل جلاله :

( سورة الأنعام : 112 ) .
يعني إذا قرأت مقالة ، أو قرأت كتاباً فلسفياً ، كتاباً فيه مبادئ إنسانية وجدته يؤيد الباطل ، يؤيد المعاصي ، لكن بفلسفة . يعني مثلاً :
يقولون لك إذا حضرت مسرحية ، النفوس تشفى عند حضور هذه المسرحية لماذا ؟ قال لأن الشر الذي يمثل أمامك ، هذا يخرج من نفسك ، يفلسفون هذه الفنون ، الاختلاط يهذب المشاعر ، إذا كان بالمجلس امرأة تجد الكل يتملمقون ويتكلمون بكلامٍ لطيف ، يجاملون بكلماتهم وبحركاتهم ، هذا الاختلاط مفلسف بأنه يهذب المشاعر والمسرح يشفي النفوس ، وبعض الألعاب التي يقبل الناس عليها إقبالا منقطع النظير ، يدّعون بأنها تزيل الخصومات ، الخصومات يرونها أمامهم وتشفى نفوسهم بمشاهدتها . العقل البشري يمكن أن يزين الباطل ، ويمكن أن يفلسف الانحراف ويغطي المعاصي كلها ، فأنت لا تعبأ بهذا الكلام إن كان مخالفاً للمقياس أنت الذي عندك مقياس ، فلو وقفنا أمام بائع وشعرنا أن هذا الميزان غير صحيح ،
فلا نرتاح له ، ما الحل هذا بائع القماش يقيس القماش بالمتر ، كأنه أقصر من المتر الطبيعي، ما الحل ؟ هناك متر نظامي ، وهناك ميزان دقيق ، نحن عندنا ميزان العقل ، وعنا ميزان الفطرة ، و عندنا ميزان يضبط هذين الميزانين ، هو الشرع وعلى هذا أضرب مثل :
أعطيناك مسألة حللتها بعقلك ، نحن نعطيك سلفاً الحل الشرعي فإذا وصلت بعقلك إلى الحل الشرعي فأنعم بهذا العقل ، وإن لم تصل بعقلك إلى الحل الشرعي فبئس هذا العقل .
كلما هداك عقلك إلى نتيجة تنطبق على حقائق الدين ، أنعم بهذا العقل وكلما هداك عقلك إلى نتيجة لا تنطبق على حقائق الدين فبئس هذا العقل ، هذه هي القاعدة .
فكان هذا الصحابي ، صاحب بديهة ، مطاوعة ، وله ذكاء حاد وكان كتوماً للسر . النبي الكريم حينما انتقل إلى المدينة ظهرت فئة اسمها المنافقون ،المنافق مثل النفق ، له مظهر ضخم لكن من الداخل فارغ ، المنافق إنسان يظهر ما لا يبطن ، المنافق إنسان يتزين بما ليس فيه ، فالمنافق خطر ، الكافر سهل أن تعرفه فمثلاً بحياتنا إنسان يدخن في رمضان فسهل أن تتقيه وهذا إنسان فاجر لكن أنت ممن تخاف ؟ تخاف ممن له مظهر ديني ، ممن له اتجاه دين فيما يبدو ، وله أفعال خبيثة ، هذا يغش الناس ، هذا يوقع بالناس حالة اسمها الإحباط .
لذلك فلأن يطلب الإنسان الدنيا من مظانها أيسر أن يطلبها عن طريق الدين . إنه إن طلبها عن طريق الدين فقد أربك الناس ، وأوقعهم في حيرة ، وجعلهم في شك من أمر هذا الدين ، يعني أتمنى أن أقول لكم أعظم أحوالك أن يكون عملك مصدّقاً لقولك ، من تصديق عملك لقولك ، ينشأ ما يسمى المصداقية ، يعني أنت عندما تخيب ظن إنسان ، هو يظن أنك صالح، وأنك مؤمن ، وأنك تقي ، وأنك تخاف الله وأنك ورع ، فإذا به يفاجأ بأنك على خلاف ذلك فليته يسيء الظن بك و القضية إذاً سهلة جداً ، يا ليت يسقطك من حسابه ، القضية أسهل المشكلة الأخطر أنك إذا خيبت ظن إنسان بأن لك مظهراً دينياً ،و لك انتماءً دينياً ، وأن لك خلفيةً دينية ، ولك اتجاهاً دينياً ، وأن لك عاطفة دينية ، لك منبتاً دينياً ، وأنت مظنة صلاح ، مظنة تُقى ، إذا كنت كذلك وخيبت ظن الناس بك فيا ليت الأمر ينتهي عند سقوطك من أعينهم يا ليت ، يا ليت الأمر ينتهي عند شطبك من حساباتهم ، يا ليت الأمر ينتهي حينما تتهم بأبشع التهم ، يا ليت ، ولكن أخطر ما في الأمر ، أن أصابع الاتهام تتجه إلى الإسلام ، أهذا هو الدين ؟ انظروا دققوا انظروا إلى أهل الدين ! أول كلمة يتفوه بها أعداء الدين إن خيب ظنهم أهل الدين ، أنهم يطعنون بأصل الدين ، يطعنون بأحقية هذا الدين .
لذلك هناك ما يسمى بداعية ، وهناك ما يسمى بمنفر ، الداعية يقرب والمنفر يبعد ، الداعية يحبب ، والمنفر يبغض ، الداعية يرسخ والمنفر يزلزل الداعية مثل أعلى ، والمنفر مثل سيئ.
فلذلك سيدنا النبي الكريم كان يتقي المنافقين لأنهم فئة خطيرة جداً ، والمنافق إنسان يعيش مع المؤمنين ، ويصلي معهم ، ويسلك في ظاهر الأمر مسالكهم :

( سورة النساء : 142 ) .

( سورة البقرة : 14 ـ 15 ) .
والنبي الكريم رأى حذيفة ذكياً ، ورآه صاحب بديهية ، ورآه كتوماً للسر ، كلفه ، وأفضى إليه بأسماء المنافقين الذين أطلعه الله عليهم ، فكان حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله .
بصراحة أقول لكم ، أنت لا تتمكن من أن تتقرب من إنسان عظيم إلا إذا كنت كتوماً للسر ، يعني إذا أنت سمعت فكرة ، أو خبراً ، أو قصةً من شخص مهم ، وأنت حسبته خبراً مسلياً فنشرته بسرعة ، فهذا يحط من سمعتك إذاً لن تستطيع أن تتقرب من إنسان تراه عظيماً إلا بكتمان السر ، و اسمك عندئذٍ أمين سر ، يعني أمين على سرك .
النبي الكريم علمنا إذا كنت مع شخص ويحدثك حديثاً ، فلما سمعتما معاً وطء أقدامٍ فالتفت ، فالتفات المتحدث يعد أن هذا الحديث بالأمانة ، يجب أن يبقى سراً بينك وبينه . فهذا الصحابي لشدة كتمانه ، وذكائه ، وبديهته ، صار صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هل تصدقون ؟ أن سيدنا عمر بن الخطاب الصحابي الجليل عملاق الإسلام ، ثاني الخلفاء الراشدين ، الذي ملأ الأرض بعدله والذي ملأ العين والسمع ، بأخلاقه ، واندفاعه ، وجرأته، كان قلقاً على نفسه ، ومن علامة المؤمن يا أخوان ، أنه يقلق على نفسه ، ويخشى عليها .
قال تابعي جليل : التقيت بأربعين من أصحاب رسول الله ، ما منهم واحد إلا ويظن نفسه أنه منافق ، فلديهم قلق وخشية . إلى أن التقاه عمر يوماً وقال يا حذيفة أنشدك الله هل وجدت اسمي بين المنافقين ؟ فخجل هذا الصحابي أشد الخجل ، من أمير المؤمنين قال لا والله أنت أكرمنا ، ولكن لا أزكي بعدك أحداً ، يعني أعذرني لا تحرجني بأسماء أخرى ، قال: لا أنت أكرمنا ، و لا أُزكي بعدك أحداً كان صاحب سر رسول الله ، لأن الله عز وجل قال في القرآن :

( سورة التوبة : 84 ) .
ومن حرص النبي على تنفيذ أمر الله ، أنه أعطى أسماء المنافقين لهذا الصحابي عند وفاته ، حتى إذا مات أحدهم فلا يصلى عليه ، لأنه إنسان خطر ، المنافق خطر جداً يعطيك من طرف اللسان حلاوة ، ويروغ منك كما يروغ الثعلب ، نعوذ بالله من النفاق ، وأنا لا أخاف على الدين من أعدائه ، إطلاقاً ، فأعداؤه مكشوفون ، ويحذرهم جميع المسلمين ، ولكن الخوف على الدين من أدعيائه من المنافقين .
الحقيقة أتمنى على الله عز وجل وأرجو أن تعلموا علم اليقين أن واحداً منا لن يستطيع أن يصل إلى جنة عرضها السماوات والأرض إلا إذا مر بامتحانات شديدة ، هذا كلام قد يرضيكم وقد لا يرضيكم لكنه حقيقة ، يعني لظن بعضهم أنه بالرخاء ، والبحبوحة ، واليسر، والصحة، وسمو المكانة يظن أمه يخرج من الدنيا للجنة رأساً ، لا . فهناك أدلة كثيرة تشير إلى الابتلاء:

( سورة آل عمران : 142 ) .

( سورة العنكبوت 2 ) .

( سورة آل عمران : 92 ) .
فالصحابة الكرام في قمة إخلاصهم ، وحبهم ، وإقبالهم وورعهم ، وطاعتهم في القمة جاءتهم معركة الخندق ( غزوة الخندق ) فزلزلوا بها ، وقد قال أحد الذين عاشوا مع النبي حينما رأى قريشاً وكل القبائل قد جمعت كل إمكاناتها وطاقاتها وجاءت بجيش لم يجّيش مثله في تاريخ الجزيرة ، عشرة آلاف مقاتل جاءوا ليستأصلوا الإسلام ، ليبيدوه عن آخره ، واليهود مِن ظهر النبي نقضوا عهدهم كعادتهم ، واتفقوا مع الأحزاب ليطعنوا النبي من الظهر والمدينة مكشوفة ، والجيش عرمرم كما يقولون ، وغدا مستقبل الإسلام قضية ساعات .
لو فرضنا أنك إنسان خبير بالمعارك ، ولو فرضنا أن لواءً محاصراً بين عشر فرق ، والمنافذ كلها مغلقة ، قطعوا التموين ، قطعوا الماء ، قطعوا الإمداد ، قطعوا المعلومات ، قطعوا الاتصالات مدرعات مجهزه ، ثم تقدمت هذه الفرق لتستأصل هذا اللواء عن آخره ، هكذا كان شأن المسلمين في غزوة الخندق.
الأمر أبلغ من ذلك ، يعني المسلمون بقي لهم ساعات ، حسب رأي المنافقين والكفار ، وقد كان النبي وعدهم أن يفتح عليهم بلاد قيصر وكسرى ، ما هذا الكلام ؟ أين بلاد قيصر ؟ وأين بلاد كسرى ؟ فالأمر لما ضاق به المسلمون ، حمل أحد المنافقين على أن يقول ، أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى ، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، غير قادر على أن يفرغ مثانته ، طبعاً هذا الذي قال هذا الكلام شعر أن هذا النبي ليس نبياً ، والدليل ، أنه انتهى مع المنافقين ، لكن ربنا عز وجل وصف الحال بقوله :

( سورة الأحزاب : 11 ـ 12 ) .
لكن :

( سورة الأحزاب : 23 ) .
ـ الإسلام قد يمر بنكبات ، قد يمر بهجمات شرسة ، وقد يمر بمؤامرات على مستوى العالم كله ، لكن المؤمن لا يتزحزح ، ولا يسيء الظن بربه ، أبداً ، وهو صابر ، وهو صامد بالتعبير الحديث . فالنبي عليه الصلاة والسلام احتاج في هذه المعركة الحرجة إلى هذا الصحابي الجليل ، سرعة بديهة ، وذكاء حاد ، وكتمان للسر ، أراد النبي أن يبعث إلى جيش العدو رجلاً يندس فيهم ليأخذ أخبارهم ، القرار الصحيح يحتاج إلى معلومات صحيحة ، تقصي الحقائق ، وأنت إذا كان لك عمل قيادي ، فأكبر غلط ترتكبه حينما تتخذ قراراً من دون دراسة فالقرار الصحيح يحتاج إلى معلومات صحيحة .
فسيدنا النبي قائد محنك ، قائد فذ ، يجب أن يتخذ قراراً ، الأمر خطير جداً لا بد من صحابي على مستوى عالٍ من الذكاء ، وسرعة البديهة ، والفطنة وكتمان السر ، عليه أن ينطلق إلى جيش العدو في جنح الظلام ، وهناك يتقصى الأخبار ويعود إلى النبي ، لأن النبي الكريم جاءته معلومات مضطربة ، يريد أن يعرف الحقيقة ، فاسمعوا سيدنا حذيفة وهو يروي لكم قصته :
قال : كنا في تلك الليلة صافين قعوداً ، وأبو سفيان ومن معه من مشركي مكة فوقنا ، وبنو قريظة من اليهود أسفل منا ، نخافهم على نسائنا وذرارينا ، قال وما أتت ليلة قط أشد ظلمة ولا أقوى رياحاً منها ، فأصوات رياحها مثل الصواعق ، وشدة ظلامها تجعل أحدنا لا يرى إصبعه ، فأخذ المنافقون يستأذنون الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول أحدهم : عندنا مشكلة بالبيت ، والآخر زوجته سوف تولد ، والثالث جدار بيته تهدم ، كلها أعذار واهية ، والله سبحانه وصف أحوال المنافقين فقال على ألسنتهم :

( سورة الأحزاب : 13 ) .
المنافق عند الحزة واللزة يختفي وإذا قامت أزمة لا تجد أحداً ، هذا حال المنافقين ، فكلهم تسللوا ، وما بقي مع رسول الله إلا ثلاثمائة . عند ذلك قام النبي عليه الصلاة والسلام وجعل يمر بنا واحداً واحداً ، حتى أتى إليّ وما علي شيء يقيني من البرد ، إلا مرط لامرأتي ، المرط يعني ثوب مثل عباءة غير مخيط مجرد قطعة قماش ، إلا مرط لامرأتي لا يجاوز ركبتي ، فاقترب مني وأنا جاثٍ على الأرض وقال من هذا ؟ والظلام شديد ، قلت حذيفة ، يعني هو خائف ، واقعي ، بشر ، برد ، وجوع ، وخوف ، قال من هذا ؟ قال حذيفة قلت حذيفة !! فتقاصرت ، وتقاصرت إلى الأرض كراهية أن أقوم من شدة الجوع والبرد ، فالمقاتل قد تتلف أعصابه ، وقلت نعم يا رسول الله ، فقال إنه كائن في القوم خبرٌ ـ أجل ، بالقوم خبر ، أريد حقيقته فتسللْ إلى عسكرهم وائتني بخبرهم ، والنبي قد ربى رجالاً .
قال : فخرجت ـ وهو صادق فيما يقول : فخرجت وأنا من أشد الناس جزعاً ، وأكثرهم فزعاً، وأكثرهم برداً ، خائف ، وكذلك جوعان و بردان ، والنبي عليه الصلاة والسلام رحيم حقاً لكن لا بد من هذا الموقف . فقال عليه الصلاة والسلام : اللهم أحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته .
فدعاء النبي لا يرد ، شعر أنه خائف ، وبردان وجوعان ، ظرف عصيب ، الوصف غير الحقيقة ، يعني الإسلام في نظر أعدائه والمنافقين انتهى الموضوع رهن ساعتين أو ثلاثاً ، وتتلاشى الرسالة والوحي في خطر ، والنبي الكريم عليه إذا أراد أن يأخذ موقفاً ، و يعطي قراراً، والمعلومات مشوشة ويحتاج إلى رجل يذهب إلى جيش العدو ، يتقصى أخبارهم ويعود إلى النبي ، رضي الله عنك يا سيدنا يا حذيفة يا ابن اليمان .
قال : فو الله ما تمت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام ، حتى أنتزع الله من جوفي كل ما أودعه فيه من خوفٍ ، وأزال عن جسدي كل ما أصابه من برد .
أنت ؛ اطلب من الله وانتظر ، فالله بيده كل شيء ، قلبك بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، إذا أردت رضاء الله عز وجل والموقف عصيب فلا تخشَ ، الله يمدك بمدد شديد ، بمدد استثنائي بقوي قلبك ، يذهب عنك الجوع ، يذهب عنك الخوف ، يذهب عنك البرد .
قال : فو الله ما تمت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام حتى أنتزع الله من جوفي كل ما أودع فيه من خوف ، وأزال عن جسدي كل ما أصابه من برد ، فلما وليت ناداني عليه الصلاة والسلام ، قال الله عز وجل :

( سورة التوبة : 128 ) .
العلماء يقولون : إن أرحم الخلق بالخلق هو رسول الله ، إنه أرحم الخلق بالخلق .
قال يا حذيفة : لا تُحدثَن بالقوم شيئاً ـ ولا حركة ، ولا كلمة حتى تأتيني ، أنت ما لك مكلف، فالقيادة قيادة حازمة ، وقائد فذ ، يتصرف فاحذر ؛ لا تتكلم أية كلمة ، بل اندس بينهم واستقص أخبارهم وائتني ـ ولا تحدثن بالقوم شيئاً حتى تأتيني .
فقلت : نعم ، ومضيت أتسلل في جنح الظلام حتى دخلت في جند المشركين ، وصرت كأني واحد منهم ، وما هو إلا قليل حتى قام أبو سفيان فيهم خطيباً ، وقال :
يا معشر قريش إني قائل لكم قولاً ، أخشى أن يبلغ محمداً فلينظر كل رجل منكم إلى جليسه .
قال فما كان مني إلا أخذت بيد الرجل الذي كان بجانبي وقلت له من أنت ـ فلو تأخر حذيفة لأنكشف ، قال أنا فلان، وكفى حاد الذكاء اللهم اَرض عنه ، ذكي جداً ، وهنا قال أبو سفيان :
يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار قرار ، فالله عز وجل تولى نصر المسلمين ، لأن الأمر كان في منتهى الضعف والله عز وجل قال :

( سورة الأحزاب : 25 ) .

( سورة الأحزاب : 10 ) .
هناك من يقول في أيامنا هذه الله تخلى عن المسلمين في عصرنا هذا الله لا يتخلى عنهم أبداً، إذا كانوا معه لا يتخلى عنهم هذا الذي يصيبهم الآن صعقة ، لعل هذا القلب الميت يتحرك إنها صعقة ، لكنها صعقة مؤلمة .
قال يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار قراراً ، لقد هلكت رواحلنا ، وتخلت عنا بنو قريظة .
و قصة سيدنا نعيم بن مسعود تأخذ بالألباب ، الله عز وجل قدر النصر على يد شخص واحد، أسلم وقت المعركة ، فجاء النبي فقال له اُمرني قال له : أنت واحد فخذل عنا ، فذهب إلى قريش وقال لهم كلاماً خلاصته أن هؤلاء اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ، واصطلحوا مع النبي على أن يأخذوا منكم عشرين أو أربعين شخصاً رهينة ، ليضرب محمد أعناقهم ، وذهب إلى قريش بعد أن ذهب إلى اليهود ، وقال هؤلاء قريش اتفقوا مع النبي على أن يأخذوا منكم رهائن ، يعني قصة طويلة خلاصتها أنه أوقع بين قريش وقريظة ، فنعيم بن مسعود وحده تمكن أن يشق صفوف الكفار ، فلما ذهب وفد من بني قريظة إلى قريش ، وجدوا أن كلام نعيم صحيح ، وتأكدوا أن خبره صحيح فانشق صفهم ، وانتهت وحدتهم والغي تآمرهم .
وقال أبو سفيان : وتخلت عنا بنو قريظة ، ولقينا من شدة الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله ففك عقاله ، وجلس عليه ، ثم ضربه فوثب قائماً ، ولولا أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرني ألا أحدث فيهم شيئاً حتى آتيه لقتلته بسهمٍ ، ولكنه ما أحدث شيء، عند ذلك رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدته قائماً يصلي ، في مرط لبعض نسائه، فلما رآني ، أدناني إلى رجليه وطرح علي طرف المرط ، تعال ادفأ ، فأخبرته الخبر، فسر به سروراً شديداً ، وحمد الله وأثنى عليه .
وهنا نحن في زمن رخاء والحمد لله ، تحكي كلمة مع أخوك ، تجي على الدرس ، تغض بصرك عن محارم الله ، وأمورنا وأحوالنا سهلة رخيّة لكن الصحابة مروا بظروف صعبة جداً ، كل واحد منهم وضع روحه على كفه .
لقد استدعاه سيدنا عمر مرة ، قال له يا حذيفة أبَيْنَ عمالي أحد من المنافقين ؟ أنت أمين سر رسول الله ، وكلمة عمال تعني الولاة ، ولاة المحافظات ، بالتعريف الحديث ، محافظين ، قال له أبين عمالي أحد من المنافقين ؟ قال نعم فيهم واحد ، قال دلني عليه ، قال لا أفعل ، معه سر لكنه مؤتمن عليه ، فلعله تاب ، فقال حذيفة : لكن عمر ما لبث أن عزله قال كأنما هدي إليه ، عرفه سيدنا عمر ، و قال عليه الصلاة والسلام : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله . سيدنا حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه مرة قال : كان الناس يسألون النبي عليه الصلاة والسلام عن الخير وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني .
قلت يا رسول الله ، إنا كنا ـ الحديث دقيق جداً ـ يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ . فقال عليه الصلاة والسلام : نعم ، بعد هذا الخير هناك شر . قلت : فهل بعد هذا الشر من خير ؟ .
قال : نعم وفيه دخن .
قلت وما دخنه ؟ .
قال : قومٍ يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر .
يصلون ، والله شيء جميل ، يصومون أجمل ، يحجون يعتمرون ، لكن في علاقاتهم الاجتماعية اختلاط ، وهذا خلاف السنة يتساهلون بالنظر للنساء مثلاً ، يتساهلون بطريقة بيعهم وشرائهم . يعني أنا أضرب أمثلة يصلون كما تصلون ، يصومون كما تصومون تعرف منهم وتنكر .
قال له : وهل بعد هذا الخير من شر ؟ .
قال : نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها .
أبعد الخير شر ؟ نعم هناك شر ، وهل بعد الشر خير ؟ نعم و دخن ما دخنه ؟ قوم مسلمون تعرف منهم وتنكر ، أبعد هذا الخير شر ؟ نعم هناك شر قال من هم ؟ قال دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها .
قلت : يا رسول الله ، فما تأمرني إن أدركني ذلك يعني يومها الفكر ملحد والشهوات مستعرة والكاذب مصدق ، والصادق مكذب ، والأمين مخون والخائن مؤتمن والأمة تلد ربتها ، تلد المرأة بنتاً تتعلم ، تتفرنج ، تتفلسف ، وتقول أمي دقة قديمة ، أمي لا تفهم شيئاً ، هي ربتها ، وهذا كله من علامات قيام الساعة .
وُسدّ الأمر إلى غير أهله ، فانتظر الساعة ، إذا ضيعت الأمانة فأنتظر الساعة ، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير ، ما بيده شيء ، يأتي على الناس زمان يكون فيه المؤمن أذل من شاته ، ما بيدنا شيء إطلاقاً .
قلت : يا رسول الله ، فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ . فاسمعوا الجواب ! ! .
هل بعد هذا الخير من شر ؟ نعم ، هناك شر ، بعد الشر هناك خير فيه دخن ، أبعد الخير شر، نعم وهذا الشر مخيف ، قال دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت يا رسول الله فما تأمرني إن أدركني ذلك .
قال : تلزم جماعة المسلمين ، لا تبقَ وحدك ، لا تكن سائباً شارداً ليكن لك مرجع من دين ، لك إخوان ، لك مسجد ، لك جماعة تطمئن لها ، تثق بعلمها ، تثق بورعها ، تعينك إذا عجزت، تذكرك إذا نسيت ، ترشدك إذا ضللت قال له تلزم جماعة المسلمين .
قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ؟. قال : تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .
يعني إما أن تعيش وحدك ، وإما أن تعيش مع الجماعة الإسلامية ، أما أن تعيش مع هؤلاء الفسقة ، الفجار ، المنحرفين ، فهؤلاء ينتهون بك إلى النار .
وله قول آخر ، يقول هذا الصحابي الجليل :
إن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ، فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان ، فاستجاب له من استجاب ، محيى بالحق من كان ميتاً ، ومات بالباطل من كان حياً ثم ذهبت النبوة ، وجاءت الخلافة ، على منهاجها ، ثم يكون ملكاً عضوضاً ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك الذين استجابوا للحق ، منهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافاً يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، منهم من ينكر بقلبه ، كافاً يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لا ينكر لا بقلبه ، ولا بيده ، ولا بلسانه فهذا ميت الأحياء ، حيٌ ميت ، حي نبضه جيد ، ضغطه جيد لكنه ميت فلا أنكر بقلبه ، ولا بلسانه ، ولا بيده .
مرة هذا الصحابي جاء النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال : يا رسول الله إن لي لساناً ذرباً على أهلي ، وأخشى أن يدخلني النار ، إنه ذكي جداً ولسانه طليق .
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : فأين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة .
فالإنسان كلما وقع في غلط عليه بالاستغفار ، ولهذا الصحابي الجليل مواقف بطولية ، فمن يصدق أن بلاد نهاوند بأكملها فتحت على يده . وهاأنذا أقول كلمة كنت قد ذكرتها في خطة الجمعة ، أولاً : عمرك الذي تمضيه بين الولادة والوفاة لا قيمة له إطلاقاً ، هذا أتفه أعمالك ، لكن عمرك الحقيقي هو حجم عملك الصالح ، الخالص ، هذا العمل كلما اتسعت رقعته ، وكلما عم خيره ، وكلما أمتد أمده ، وكلما اشتد أثره كان أعظم عند الله عز وجل ، وهذا العمل الصالح كلما كثرت المعوّقات أمامه ، وكلما كثرت الصوارف عنه ، وكلما قل المعين عليه والمعوقات كثيرة ، فهناك صوارف كثيرة ، والأعوان قلائل ، وكلما كان هذا العمل في زمن الفساد ، إذا تجبّر الأقوياء ، وجار الأمراء ، وأُترف الأغنياء وداهن العلماء ، وظهرت الفاحشة ، كلما كان العمل أعظم عند الله عز وجل .
أحفظ هذه الكلمة ، حجمك عند الله ، بحجم عملك الصالح .
يا بِشر : لا صدقة ولا جهاد فبم تلقى الله إذاً ؟ هذا السؤال الكبير ، الإنسان حينما ينتهي أجله، بم يلقى الله ؟ قل لنفسك ما العمل الذي فعلته حتى أستطيع أن ألقى الله به ، كلام سيدنا حذيفة الأخير .
ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه .
حينما جاءه ملك الموت دخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم أجئتم ومعكم أكفان ؟.
قالوا : نعم . قال : أروني إياها .
فلما رآها ، وجدها جديدة فارهة . فارتسمت على شفتيه آخر بسماته الساخرة ، وقال لهم : ما هذا لي بكفن ، إنما يكفنني يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فإني لن أترك في القبر إلا قليلاً ، حتى أبدل خيراً منهما أو شراً منهما .
وتمتم بكلمات ، ألقى الجالسون أسماعهم إليها فسمعوها .ماذا قال ؟ وقد جاءه ملك الموت .
قال : مرحباً بالموت ، حبيبٌ جاء على شوق ، لا أفلح من ندم . وصعدت روحه إلى السماء.
وهذه كلمة أخيرة فعندما يولد الطفل فكل من حوله يضحك وهو يبكي وعندما يموت فكل من حوله يبكي ، فإذا كنت بطلاً عليك أن تضحك في هذه الساعة ، فاعمل طيلة حياتك بحيث إذا جاءك ملك الموت أن تكون ضاحكاً ، فأنت البطل ، ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل .
والحمد لله رب العالمين


الكتاب: سيرة خمسين صحابي
المؤلف: الدكتور محمد راتب النابسلي
المصدر: الشاملة الذهبية

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 04:34 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com