ذهب البعض إلي أن الأصل في الإنسان الكفر وأن الإيمان أمر مكتسب طارئ، فعند هؤلاء أن الإنسان يولد علي غير دين ثم يأتي أهله بعد ذلك فيورثونه الدين. وهذا فيه حق وفيه باطل؛
أما الحق الذي فيه فهو أن الإنسان يرث من أهله الدين واللغة والجنسية، أما الباطل فهو القول أن الإنسان أصله الكفر والحقيقة أن الإنسان يولد علي الفطرة السوية الرشيدة والتي من أهمها الإيمان بإله واحد خالق لكل شيء، فالإنسان متدين بطبعه والسر في ذلك هو تلك الشهادة التي أشهدنا عليها ربنا عز وجل علي أنفسنا قبل خروجنا إلي الحياة بتلك الأجساد المحكوم عليه بالفناء وهذا ما سوف نفكر فيه في قوله تعالي: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون** 172-173 الأعراف.
وفي هذه الآية الكريمة أخبرنا ربنا تبارك وتعالي أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلاب آبائهم وأشهدهم علي أنفسهم أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو، وهو ما جاء به الحديث النبوي الذي قال فيه الرسول صلي الله عليه وسلم:
أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان (يعني عرفة) فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُون** 172-173 الأعراف.
(رواه أحمد عن ابن عباس وصححه الألباني)
ومن أجل هذا ذهب البعض إلي أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد كالإمام أبو محمد علي بن حزم، إلا إن هذه الآية وهذا الأثر أو غيره لا يدل علي سبق الأرواح الأجساد، وغايتها أن تدل علي أن بارئها وفاطرها سبحانه وتعالي قد صور النفس وقدر خلقها وأجلها وعملها، واستخرج تلك الصور المخاطبة في الآية والحديث من مادة تلك النفس، ثم أعادها إليها، قدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له، فيجيء الخلق الخارجي مطابقاً للتقدير السابق، كشأنه سبحانه في جميع المخلوقات، فإنه قدر لها أقداراً وآجالاً، ووصفات وهيئات، ثم أبرزها إلي الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق.