قال الله تعالي "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"(199) الأعراف
{خُذِ الْعَفْوَ** أمرٌ له عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق أي خذ بالسهل اليسير في معاملة الناس ومعاشرتهم، قال ابن كثير: وهذا أشهر الأقوال ويشهد له قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمركَ أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك" {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ** أي بالمعروف والجميل المستحسن من الأقوال والأفعال {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ** أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل احلم عليهم، قال القرطبي: وهذا وإن كان خطاباً لنبيه عليه الصلاة والسلام فهو تأديبٌ لجميع خلقه {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ** أي وإمّا يصيبنَّك يا محمد طائف من الشيطان بالوسوسة والتشكيك في الحق {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ** أي فاستجر بالله والجأ إليه في دفعه عنك {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ** أي سميعٌ لما تقول عليمٌ بما تفعل {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا** أي الذين اتصفوا بتقوى الله {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ** أي إذا أصابهم الشيطان بوسوسته وحام حولهم بهواجسه {تَذَكَّرُوا** أي تذكروا عقاب الله وثوابه {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ** أي يبصرون الحق بنور البصيرة ويتخلصون من وساوس الشيطان {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ** أي إخوان الشياطين الذين لم يتقوا الله وهم الكفرة الفجرة فإن الشياطين تغويهم وتزين لهم سبل الضلال {ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ** أي لا يُمْسكون ولا يكفّون عن إغوائهم.
أخواني الكرام أخواتي الكريمات هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس وما ينبغي في معاملتهم ، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس أن يأخذ العفو ، أي : ما سمحت به انفسهم وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق ، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم بل يشكر من كل أحد قابله به من قول أو فعل جميل أو ما هو دون ذلك ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم ولا يتكبر علي الصغير لصغره ، ولا ناقص العقل لنقصه ولا الفقير لفقره ، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم " وأمر بالعرف" أي : بكل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل للقريب والبعيد فاجعل ما يأتي إلي الناس منك إما تعليم أو حثاً علي خثير من صلة رحم أو بر والدين أو إصلاح بين الناس أو نصيحة نافعة أو رأي مصيب أو معاونة علي بر وتقوي أو زجر عن قبيح أو إرشاد إلي تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية ، ولما كان لا بد من أذية الجاهل ، أمر الله تعالي أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك لا تقطعه فصله ، ومن ظلمك فاعدل فيه .
( عبد الرحمن بن ناصر السعدي )