بسم الله الرحمن الرحيم
تأمين الأسرة
من مغبة الوقوع في محاذير العشرة
الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فينبغي للزَّوجة الصَّالحة أن تلتزم الحذر بأَنْ لا تكونَ سببًا في إغضاب ربِّها أو في زلزلة العلاقة الزَّوجيَّة، أو تعكير صفائها، وذلك بوقوعها في المحاذير التَّالية:
المحذور الأوّل: طاعة الزّوج في معصية الله.
والمعلوم أنَّ طاعة الزّوج مشروطةٌ بأن تكون في المعروف، وهو كلّ ما عُرف من طاعة الله والتّقرّب إليه والإحسان إلى النّاس، وفعلِ ما ندب إليه الشّرعُ، وتركِ ما نهى عنه، فإنْ أمرها الزّوج بمعصية الله أو مخالفة شريعته أو تجاوُزِ حدوده فلا سمْعَ عليها ولا طاعةَ؛ لأنّ طاعة ربّها أَوْلى بالتّقديم من طاعته؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»(1)، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»(2)، ومن لوازم ذلك أن تأخذَ نصيبها الواجب من العلم الشّرعيّ لإصلاح دينها وتزكية نفسها، فترتسم لها حدود الله ظاهرةً لئلاّ تتجاوزها بطاعة زوجها.
المحذور الثّاني: إيذاء الزّوج.
والواجب على الزّوجة أن تتحاشى أذيّة زوجها بالقول أو الفعل، سواء في عِرْضه أو ماله أو ولده، فلا تحتقره أو تغتابه أو تعيبه أو تسخر منه أو تنبزه بلقبِ سوءٍ، أو تعامله بما لا يحبّ أن يُعامَل به، ويكفي إنذارًا للزّوجة المؤذية دعاءُ الحورِ العينِ عليها الثّابتُ في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لاَ تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ العِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا»(3)، ومن وجوه الأذيّة أنّ تَمُنَّ عليه إذا أنفقتْ عليه وعلى أولاده من مالها، فإنّ المنّ -بغضِّ النّظر عن إيذاء الزّوج به- يُبطل الأجر والثّواب، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ [البقرة: 264]، ومن وجوه أذيّته -أيضًا- تكليفه فوق طاقته، بل عليها أن ترضى باليسير وتقنعَ به حتّى يفتحَ الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطّلاق: 7].
المحذور الثّالث: إسخاط الزّوج.
وعلى الزّوجة أن تجتنبَ ما يُغضب الزّوج ويكرهه من عموم معاملاتها وتصرّفاتها معه أو مع والديه وأقاربه، مما لا يسرّه ولا يرضاه على أن يكونَ في حيّز المعروف -كما تقدّم-؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ثَلاَثَةٌ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ آذَانَهُمْ: العَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ»(4)، قال أهل العلم: «هذا إذا كان السّخط لسوء خُلُقها، أو سوء أدبها، أو قلّة طاعتها، أمّا إن كان سخطُ زوجِها من غير جُرْمٍ فلا إثْمَ عليها»(5).
المحذور الرّابع: كفر إحسان الزّوج.
وعلى الزّوجة أن تحذرَ الوقوع في جحد نعمة الزّوج وإحسانه إليها، والواجبُ عليها أن تعترفَ بإحسانه وعطائه، وتشكرَه على فضله ونِعَمِه، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَى امْرَأَةٍ لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ»(6)، ذلك لأنّ شُكر نعمة الزّوج هو من باب شُكر نعمة الله تعالى: و«مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُرُ اللهَ»(7) كما ثبت في الحديث، إذ كلّ نعمةٍ قدّمها العشير إلى أهله فهي معدودةٌ من نعمة الله أجراها على يد العشير، وقد جاء التّحذيرُ من كفرانِ الحقوق، وتركِ شكرِ المُنْعِمِ في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «"بِكُفْرِهِنَّ»، قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللهِ؟ قَالَ: «بِكُفْرِ الْعَشِيرِ، وَبِكُفْرِ الإِحْسَانِ: لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ» (8)، قال المُناوي -رحمه الله-: «لأنّ كفران العطاء، وترْك الصّبر عند البلاء، وغلبة الهوى، والميل إلى زخرف الدّنيا، والإعراض عن مفاخر الآخرة فيهنّ أغلب لضعف عقلهنّ وسرعة انخداعهنّ»(9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أخرجه البخاريّ في «الأحكام» باب السّمع والطّاعة للإمام ما لم تكن معصية (7145)، ومسلم في «الإمارة» (2/ 892) رقم (1840)، من حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
2- أخرجه أحمد في «المسند» (5/ 66)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (18/ 170) واللّفظ له، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألبانيّ في «صحيح الجامع» (7520).
3- أخرجه التّرمذيّ في «الرّضاع» (1174)، وأحمد في «مسنده» (5/ 242)، من حديث معاذ رضي الله عنه. وصحّحه الألبانيّ في «السّلسلة الصّحيحة» (1/ 334) رقم (173).
4- أخرجه التّرمذيّ في «الصّلاة» باب فيمن أمّ قومًا وهم له كارهون (360)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. وحسّنه الألبانيّ في «صحيح الجامع» (3057).
5- «تحفة الأحوذيّ» للمباركفوريّ (2/ 344).
6- أخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/ 207)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (7/ 294). وصحّحه الألبانيّ في «السّلسلة الصّحيحة» (1/ 581) رقم (289).
7- أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في شكر المعروف (4811)، والتّرمذيّ في «البرّ والصلّة» باب ما جاء في الشّكر لمن أحسن إليك (1954) واللّفظ له، وأحمد في «مسنده» (2/ 295)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحّحه أحمد شاكر في تحقيقه ل«مسند أحمد» (15/ 83)، والألبانيّ في «صحيح الجامع» (6601)، وهو في «السّلسلة الصّحيحة» (1/ 776) رقم (416) من حديث الأشعث بن قيس رضي الله عنه.
8- متّفق عليه: أخرجه البخاريّ في «النّكاح» باب كفران العشير وهو الزّوج وهو الخليط من المعاشرة (5197)، ومسلم في «الكسوف» (1/ 405) رقم (907) واللّفظ له، من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما.
9- «فيض القدير» للمناوي (1/ 545).