يا أسير دنياه،
يا أسير دنياه، يا عبد هواه
يا موطن الخطايا، ويا مستودع الرزايا
اذكر ما قدّمت يداك، وكن خائفا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك
فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه
فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران
وكلما رمت التخلص من غيّك وعناك، صاح بك لسان الحال وناداك:
إليك عنا فما تحظى بنجوانا... يا غادرا قد لها عنا و قد خانا
أعرضت عنا ولم تعمل بطاعتنا ...و جئت تبغي الرضا و الوصل قد بانا
بأي وجه نراك اليوم تقصدنا... و طال ما كنت في الأيام تنسانا
يا ناقض العهد ما في وصلنا طمع... الا لمجتهد بالجدّ قد دانا
يا من باع الباقي بالفاني،
اما ظهر لك الخسران
ما أطيب أيام الوصال
وما أمرّ أيام الهجران
ما طاب عيش القوم حتى هجروا الأوطان، وسهروا الليالي بتلاوة القرآن فيبيتون لربهم سجدا وقياما.
عن عبد العزيز بن سلمان العابد، قال: حدثني مطهر، وقد كان بكى شوقا إلى الله تعالى ستين عاما، قال: رأيت كأني على ضفة نهر يجري بالمسك الاذفر، وحافاته شجر اللؤلؤ، وطينه العنبر، وفيه قضبان الذهب، وإذا بجوار مترنمات يقلن بصوت واحد:
سبحانه وتعالى سبحان، سبحان المسبّح بكل لسان
نحن الخالدات فلا نموت أبدا. نحن الراضيات، فلا نغضب أبدا. نحن الناعمات، فلا نتغيّر أبدا.
قال: فقلت لهن: من أنتن؟!
فقلن: خلق من خلق الله تعالى.
قلت: ما تصنعن هاهنا؟
فقلن بصوت واحد حسن مليح:
ذرانا اله الناس رب محمد... لقوم على الأطراف بالليل قوم
يناجون رب العالمين إلههم ...و تسرى هموم القوم والناس نوم
فقلت: بخ بخ! من هؤلاء الذين أقر الله أعينهم؟
قلن: أما تعرفهم؟!
قلت: لا و الله ما أعرفهم.
فقلن: هم المجتهدون بالليل، أصحاب السهر بالقرآن.
و فب بعض الإسرائيليات:
أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود، بشر المذنبين، وأنذر الصديقين
فتعجب داود عليه السلام، فقال: يا رب، فكيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين؟!
قال الله تعالى: يا داود، بشر المذنبين ألا يتعاظمني ذنب أغفره، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فأني لا أضع حسابي على أحد الا هلك.
يا داود، إن كنت تزعم أنك تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك، فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد.
يا داود، من احبني، يتهجد بين يدي إذا نام البطالون، ويذكرني في خلوته إذا لها عن ذكري الغافلون، ويشكر نعمتي عليه إذا غفل عني الساهون".
وأنشدوا:
طوبى لمن سهرت بالليل عيناه... وبات في قلق من حب مولاه
وقام يرعى نجوم الليل منفردا... شوقا اليه وعين الله ترعاه
يا هذا، أتدري ما صنعت؟
بعت القرب بالبعد، والعقل بالهوى والدين بالدنيا.
وأنشدوا:
قم فارث نفسك وابكها.... ما دمت, وابك على مهل
فإذا اتقى الله الفتى ....فيما يريد فقد كمل
أبناء الأربعين، زرع دنا حصاده
أبناء الخمسين، هلموا إلى الحساب
أبناء الستين، ماذا قدّمتم وماذا أخرتم
أبناء السبعين، ماذا تنتظرون.
ألا ليت الخلق لم يخلقوا، فإذا خلقوا ليتهم علموا لما خلقوا له، فعملوا لذلك. ألا قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم".
نزه مشيبك عن شيء يدنّسه... إن البياض قليل الحمل للدنس
بحر الدموع / ابن الجوزي/بتصرف