أبو يحيى رجل في العقد الخامس من عمره ... من شرق آسيا ...
فتحت عيني فكان في كفالة أبي .... ينادي والدي بأباه ( يبه ) وينادي والدتي بأمه ( يمه ) .... أما عمتي فهي عمته وخالتي هي خالته وجدي هو جده ... ما هذا ؟
لم أكن استوعب هذا الأمر في سني الصغير !!!
واذكر يوماً بأن والدي نهر أخي عندما قال له : هذا عمي مو عمك ؟
وهنا بدأنا نعرف قصته ....
أبويحيى خرج من بلده بعمر 12 سنة بحثاً عن لقمة العيش ... وساقهُ القدر إلى أبي ...
سبحان الله ... لا أدري كيف قطع المسافات وماذا واجه في هذهِ السن الصغيرة حتى يصل إلى دولة تبعد الكثير عنهم ولا ينطق بلغتهم ...
وصل ... فتفاجأ أبي بسنه الصغير جداً ، فنصحه البعض بإعادته إلى بلده لأنهُ لن يستفيد منه شيء ...
فآثر والدي أن يبقيه حتى إن لم يفلح لما أحضرهُ له ... وبالفعل لم يفلح في الخياطه فأسند له محل بقاله يعمل وينام ويأكل وهو بجانب منزلنا ...
وطبيعي واجه الكثير من الصعوبات في اللغة وفي فهم طريقة العمل حتى بدأ يتمرس يوماً بعد يوم في اللغة والاتقان حتى من يراه يعلم بأنهُ يعمل عند والدي ... نفس طريقة الكلام والأداء والعصبية إن إحتاج لذلك أيضاً
مرت السنوات ... والسنوات
زاد تعلق والدي فيه ... وزاد هو تعلقاً بأبي ... هو الأبن الثالث كما يسميه القرابه ، لا يأكل أبي حتى يتأكد بأننا أرسلنا له حصته من نفس الطعام ...
كبرنا ونحن نراه أمامنا ... ونراهُ مرافق تام لوالدي وخصوصاً بعد كبر سنه وتعلمه قيادة السيارة ... فلا يسير خطوه إلا بمرافقته
وصل لسن الزواج ... فذهب لبلده للزواج ... فرزقه الله عزوجل بالبنين والبنات
في السنوات الأخيره ... بدأ يشتكي من أمور غريبه ... أوجاع لم نجد لها حل طبي ... ذهب به الوالد والأخوة للمستشفيات الحكومية والخاصة ولا يوجد تشخيص ... بدأ بتناول أدوية ولم تأت بفائدة ...
أراد السفر للعلاج ... فكان لهُ ذلك
قضى عاماً في البحث عن علاج ...
تحسن قليلاً فقرر العودة وخصوصاً بأن والدي قد عانى من فقده ... ولسان حاله " لن أجد مثل أبويحيى في أمانته وصدقه وعمله "
بعد عودته إلينا بأشهر بدأت معاناته من جديد ... لا ينام لأيام متواصلة تقدر بالأسبوع ... يأخذ منوم لينام ... بلا فائدة ... وإذا نام بعد أسبوع من التعب يعمم والدي الفرح في البيت ... صار شغله الشاغل ... وبناءً على رأي طبيب لبس النظارة ... وتحسن لشهر
وفي الشهر الذي يليه بدأنا نسمع من والدي بأن لا نرسلهُ في أي عمل ، منعهُ من قيادة السيارة لأنهُ لا ينام .... ثم المفاجأة بأنهُ لا يرى
فعلاً بدأ يشتكي من عدم وضوح الرؤية ... ولكنهُ ولله الحمد مازال مبصراً
في الأسبوع الماضي وعند عودتي من عملي صادفتهُ عند باب المنزل يغسل السيارات ... فسلمت عليه وسألتهُ عن حاله فبكى بكاءً مراً لأول مرة أراهُ بهذا الحال ... ذكرتهُ بالله وإن الله يحبه وهذا إبتلاء فعليه بالصبر والأخذ بالأسباب .. ومن خلال كلامه ووصفه لا استبعد أن يكون مصاباً بسحر أو عين وخصوصاً بأنهُ طبياً لا يعاني إلا من أمور بسيطة جداً ...
تفاجأت بأن عرافاً قال له بأنه مصاب بسحر وأنه متجدد على الدوام ... فقلت له بحرمة ذلك ، فقال بأنهُ لم يذهب له بل صادفه بالطريق فكلمهُ من تلقاء نفسه ... فنصحته بأن لا يصدقه حتى لا يؤذي نفساً من الناحيتين الصحية والنفسية ..
اتجهت نحو باب المنزل فاستوقفني قائلاً : سأسافر ، لم يعد تواجدي مهماً ، أنا لا فائدة مني .... وبكى وقال : يعني معقوله الوالد يقود السيارة وأنا بجانبه !!!
فذكرته بالله وأن الجميع بلا استثناء يقدر جهوده وأفضاله طوال هذهِ السنوات ... واليوم تفاجأت بسفره لإحساسه بعجزه عن العمل بالرغم من تعاطف الجميع معه ... عزة نفسه وكرامته حملته على السفر ...
شفاك الله من كل سوء أبا يحيى ...
كنت وما زلت أبا يحيى مثالاً للعامل الصالح الأمين المحترم العفيف ...
كنت وما زلت مثالاً للتضحية والعزة والكرامة ...
لن ننسى صبرك في كل ما أسند إليك ... لن ننسى الكثير والكثير ...
ربماً فعلاً لن يجد والدي مثلك ...
أريد أن أخبرك بأننا ننتظر عودتك من جديد بالرغم من وداعك لوالدي وقولك بأنك قد لا تلتقيه من جديد ...
حفظك الله أبا يحيى وحفظ أبناءك وأدامك قرة عين لهم ... اللهم آمين
** لا تحزن أبا يحيى ...
