للقلب! قوتان العلم والإرادة
والإنسان بطبعه حارثٌ هَمَّام
لما كان فى القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب؛
كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحه وسعادته.
فكماله باستعمال قوة العلم فى إدراك الحق، ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل،
وباستعمال قوة الإرادة والمحبة فى طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل.
فمن لم يعرف الحق فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه،
ومن عرفه واتبعه فهو مُنْعَمٌ عليه...
وينبغى أن يعرف أن هاتين القوتين لا تتعطلان فى القلب، بل إن استعمل قوته العلمية فى معرفة الحق وإدراكه، وإلا استعملها فى معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل، وإن استعمل قوته الإرادية العملية فى العمل به، وإلا استعملها فى ضده، فالإنسان حارث هَمَّام بالطبع، كما قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أَصْدَقُ الأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ".
فالحارث الكاسب العامل، والهمام المريد، فإن النفس متحركة بالإرادة. وحركتها الإرادية لها من لوازم ذاتها، والإرادة تستلزم مرادا يكون متصوَّرا لها، متميزا عندها، فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتريده تصورت الباطل وطلبته، وأرادته ولا بد.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان الجزء الأول الباب الخامس