فائدة :من أرجى آيات القرآن العظيم .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان 6/183:
من أرجى آيات القرآن العظيم قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ** (32) سورة فاطر.
فقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إيراث هذه الأمة لهذا الكتاب، دليل على أن الله اصطفاها في قوله: ** ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ** وبين أنهم ثلاثة أقسام:
الأول: الظالم لنفسه، وهو الذي يطيع الله، ولكنه يعصيه أيضاً فهو الذي قال الله فيه ** خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ** (102) سورة التوبة .
والثاني: المقتصد، وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات.
والثالث: السابق بالخيرات، وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه، والمقتصد والسابق، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد في قوله:
{جَنَّـاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا** إلى قوله: {وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ** والواو في يدخلونها شاملة للظالم، والمقتصد والسابق على التحقيق.
ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أخد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين ولذا قال بعدها متصلاً بها .** وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍ** إلى قوله: {فَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ**.
واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق ، فقال بعضهم : قدم الظالم لئلا يقنط ، وأخر السابق بالخيرات لئلا يعجب بعمله فيحبط .
وقال بعضهم : قدم الظالم لنفسه؛ لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم . كما قال تعالى : ** إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ **. [ ص : 24 ] .
وذكره معناه في العذب النمير في مجالس الشنقيطي في التفسير 1/64 و 4/1635 ط: الأولى .
__________________
في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية10/480 :
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : لا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْحَقَّ إذَا وَافَقَ هَوَاهُ وَيُخَالِفُهُ إذَا خَالَفَ هَوَاهُ =فَإِذَا أَنْتَ لا تُثَابُ عَلَى مَا اتَّبَعْته مِنْ الْحَقِّ، وَتُعَاقَبُ عَلَى مَا خَالَفْته.
وَهُوَ كَمَا قَال-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا قَصَدَ اتِّبَاعَ هَوَاهُ لَمْ يَعْمَلْ لِلَّهِ.
وقال العلامة الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه مجموع الفوائد و اقتناص الأوابد ص 11 :
الدين و الإيمان يشمل القيام بأصول الإيمان الستة , و شرائع الإسلام الخمس , و حقائق الإحسان التي هي أعمال القلوب التي أصلها الإحسان : (( أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) كما هو مذكور في حديث جبريل.
و يترتب على هذا أن المؤمنين ثلاثة أقسام :
سابقون بالخيرات : وهم الذين حققوا هذه الأمور ظاهرا و باطنا , وقاموا بواجبها و مستحبها .
و مقتصدون : وهم الذين اقتصروا على فعل الواجبات و ترك المحرمات .
و ظالمون لأنفسهم : وهم الذين خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا .
و يترتب على هذا أن الإيمان يزيد بزيادة هذه الأمور كثرة وجودة , و ينقص بنقص شيء منها , و يترتب على هذا أيضا أن العبد يكون فيه خير و شر و أسباب ثواب و أسباب عقاب و خصال كفر و نفاق و خصال إيمان.
و يتفرع على هذا أنه يستحق من المدح و الذم و من الثواب و العقاب بمقدار ما قام به من هذه الأمور المقتضية لآثارها من ثواب و عقاب و مدح و قدح , و هذا مقتضى حكمة الله و عدله و فضله . انتهى