خافوا الله وما خافوا غيره، ولو كان الحجاج
قال طاووس : بينا أنا بمكة ، بعث إليَّ الحجاج فأجلسني إلى جنبه ، وأتكأني على وسادة ، إذ سمع مُلَبِّياً يلبي حول البيت رافعاً صوته بالتلبية ، فقال : عليَّ بالرجل.
فأُتي به ، فقال : ممن الرجل؟.
قال : من المسلمين.
قال الحجاج: ليس عن الإسلام سألتُ.
قال : فعمَّ سألت؟.
قال : سألتك عن البلد.
قال : من أهل اليمن.
قال الحجاج: كيف تركت محمد بن يوسف؟ يريد أخاه .
قال : تركته عظيماً ، جسيماً ، لبَّاساً ، رَكَّاباً ، خَرَّاجاً ، ولَّاجاً.
قال الحجاج: ليس عن هذا سألتك.
قال : فَعَمَّ سألتَ؟.
قال : سألتك عن سيرته.
قال الرجل: تركته ظلوماً ، غشوماً ، مطيعاً للمخلوق ، عاصياً للخالق.
فقال له الحجاج : ما حملك على أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني؟.
قال الرجل : أتراه بمكانه منك أعز مني بمكاني من الله؛وأنا وافد بيته ، ومصدق نبيه ، وقاضي دينه؟.
قال : فسكت الحجاج فما أجاب إليه جواباً.
فما شهِدْتُ مشهداً كان أقرّ لعيني منه ،وقام الرجل من غير أن يؤذن له فانصرف ، وسلم منه فما صنع به شيئاً.
قال طاووس : فقمت في أثره وقلت : الرجل حكيم.
فأتى البيت فتعلق بأستاره فقال : اللهم بك أعوذ، وبك ألوذ، اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك، والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين، وغنى عما في أيدي المستأثرين، اللهم فرجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة، ثم ذهب في الناس.
ثم رأيته عشية عرفة وهو يقول : اللهم إن كنت لم تقبل حجتي، وتعبي، ونصبي، فلا تحرمني الأجر على مصيبتي بتركك القبول مني، ثم ذهب في الناس.
ثم رأيته غداة جمع يقول : واسوأتاه منك ، واللهِ وإن غفرت، ويردد ذلك.
أخرجه الإمام أحمد في الزهد (ص 450)، وابن أبي الدنيا في الأولياء (88)، صفة الصفوة (2/298)،تاريخ دمشق (56/312-313)، المنتظم (7/116)، حياة الحيوان الكبرى للدميري(1/456)،الجليس الناصح (ص 136)،ربيع الأبرار(1/238)، محاضرات الأدباء (ص 110)، التذكرة الحمدونية (1/47)،البيان والتبيين (1/464).