الفطنة والتغافل لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله
الإمام محمد بن علي ابن الحسين رحمه الله تعالى قال : جميع التعايش والتناصف والتعاشر في مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل . التعايش والتعاشر مع الناس هذا لا ينفك عنه أحد الإنسان كما يقولون مدني بطبعه يحتاج إلى أنه يعاشر ، يعاشر في بيته والديه ، يعاشر إخوانه ، أهله ، أبنائه يعاشر زملاؤه في العمل ، في منطقته ، في حارته في مسجده الخ
هذا التعاشر لابد لا ينفك عنه أحد ، لذلك الله جلّ وعلا أدب المؤمنين بأداب التعاشرفقال سبحانه : " وقولوا للناس حسنا " والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وخالق الناس بخلق حسن ) .
محمد بن علي بن الحسين ماذا قال : التعايش والتعاشر في مكيال ، هذا المكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل ما معنى ذلك يقول : إنك تحتاج إلى التعاشر مع الناس والتعايش معهم لكي تكون مخالقا للناس بخلق حسن ، تكون معك صفتان حتى تنجح هذه الصفاتان : ثلث : صفة وثلثان صفة ، الفطنة والتغافل .
التغافل ما معناه : التغافل هو عدم إقصاء الأمور بحثا وتنقيبا .
ربما يقول لك واحد كلمة تعرف أنه غير صادق فيها ما الذي تلاحيه حتى تثبث له أنه غير صادق يأتي يقول شيء من هواه ما تأت تثبت أنه خطأ لابد من الفطنة حتى تدرك الأمورفي تعاشرك وتعاملك لكن لابد من التغافل ما يكون المرء مصادما . التعاشر مع الناس يحتاج إلى من هو فطن ومتغافل ، فطن حتى يلعب عليه، حتى لا يضحك عليه ، حتى لا يأتي أشياء ظن ، مع أن المؤمن و الرجل الصالح أوعلى أنه لا يفهم شيئا وفطن ، لكنه لا يقصي الأمور إلى نهايتها يتغافل ولذلك قال أحد علماء الحديث ، وأظنه وكيع أو سفيان قال : الخير تسعة أعشاره في التغافل فنقلت للإمام أحمد رحمه الله : قال الإمام أحمد قصّر يعني لم يأت إلى الصواب بكامله : الخير كله في التغافل لذلك تأتي هنا في التعاشر لابد لك من التغافل وهذه وصية لكي نحصل على أعظم ما يوضع في الميزان يوم القيامة وهو : الخلق الحسن . لكن الخلق الحسن ليس دروشة ، غفلة ، بمعنى عدم إنتباه وعدم فطنة لا: فطن ولكنه مربي ، فطن ، مربي ، يفهم ويتغافل ، وهذه تكون في كثير من الأحيان أعظم تأثيرا في المقابل إذا علم أن الذي يتعامل مع الذي هو فطن ولكنه يتغافل فيكون أكثرو أكثر في ذلك . الإمام أحمد قيل له إن فلان من أئمة الحديث أو من رواة الحديث إنه مريض وله عشرة أيام لم يخرج من بيته . قال نذهب لزيارته فإن من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض ، فذهب هو وأصحابه . وكان هذا الذي يروي الحديث أو من علماء الحديث كان يتأول شيئا : ( لا يشترط في العالم أو في الراوي أن يكون كامل ربما له تأويل في مسائل من مسائل العلم يرى هكذا ولا يوافقه عليه غيره )
فكان له تأويل في بعض المشروبات ممّا لم يجمع العلماء على حرمته ، فدخل الإمام أحمد لزيارته . فلما دخل وجد بعض هذه الأشربة وهو يعرف مذهبه في الشراب ، وجد بعض هذه الأشربة في مكان فجلس وجعلها خلفه ، جلس الإمام أحمد لزيارة المريض وجعل تلك الأشربة خلفه ومعه عدد من طلابه ، وزروه وخرجوا ، لما خرج قال له بعض تلاميذته يا أبا عبد الله ألم تر الشراب ؟ قال لم أرى شيئا ، قال : لقد كان وراء ظهرك ، قال : وهل يرى الإنسان ما وراء ظهره ؟
هذا تغافل ، تغافل فيه حكمة . أتت الجارية لهذا الراوي أتت له وقالت : لقد أتاك أبو عبد الله ولم تنزع الشراب فقال : إذا كنت لا أستحي من الله فكيف أستحي من أبي عبد الله ولكني أتركه من الساعة أريقي تلك القوارير .
الموقف له تأثيره ولكن لكل مقام مقال ـ هنا قال محمد بن علي بن الحسين : فطنة وتغافل
المؤمن فطن ، كيّس فطن يدرك الأمور ويعرفها لكن لا يقصي الأمور إلى نهايتها ، في بيتك ، أنت ترى أشياء ، تصرف ابنك ، يتصرف أخوك ، يتصرف صديقك بأشياء لابد فيها من التغافل ، يقول كلمة لا تعجبك ، تمررها لذلك قال بعض السلف :" الكلمة التي تؤذيك طأطأ لها رأسك فإنها تتخطاك " إذا أتى كلام يؤذيك تقول فلان يقصدني هذا يقصدني ، لا تعتبر أنه يقصدك ولا تكن أنت المراد به لكن إذا واجهت الكلام أصبح عليك وأصبح وأصبح الخ وذاك . ولذلك في كثير من المواجهات تزيد ، أصلا الخلافات تزيد بالمواجهات لأنها بدأت المواجهة لكن لو مرّرها المسلم ولم ، وكان فطن فيها لكن تغافل عنها ، نجح كثيرا في ذلك .
المصدر: تفريغ لقرص بعنوان من معين أقوال السلف لفضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ـ من الدقيقة 16 إلى الدقيقة 20 ـ