كان هناك شيخ عجوز ..... أوتي من الحكمة مبتغاها ...... ومن عذب الكلمات عبيرها .... ومن الدنيا دار من طين .... وقليل من عجين .... ولحاف إن غطى قدماه تعرى رأسه ..... وإن غطى راسه بانت قدماه .....
::
كان الجميع ينظر إلى هذا الشيخ بالدونية والاحتقار .... ولم يكن احد يؤتيه أي اهتمام ....
وفي احد الايام كان هناك حفل زفاف لأحد أبناء أغنياء البلدة ..... حضر هذا الحفل جميع أهل البلدة ... من شيوخ... وشباب.... واطفال .... لبسوا أجمل الحلل وأفخر الثياب وكانهم في يوم عيد .... ما عدا شيخنا فقد لبس حلته المعتادة كل يوم .... رغم انه كان يملك جبة خضراء مزينة بفصوص من الكريستال بجانب العنق وفي اطراف الاكمام ..... وعمامة كبيرة لونها بنفس لون الجبه ..... هن كل ماله فلا يملك من المال غيرهما .......
دخل الشيخ المجلس فوجده مكتضا ولم يجد مكانا فيه ..... وبعد السلام الذي لم يعيره أحد أي اهتمام إلا من كان بجانب الباب ..... حشر نفسه بجانب شخصين كانا بجانب الباب ..... تمتم كل واحد منهما بكلمات غير مسموعه تدل على تضياقهما من الشيخ المتطفل بينهما .....
دخل بعده شيخ ... بجبة خضراء زاهية تعطي صاحبها اجلال ووقار .... رد عليهم السلام .... نظر إليه الجميع وأجابو بصوت واحد وعليك السلام والرحمة ... نظر الشيخ ذو الحلة الخضراء إلى الجميع .... متسائلا بنظراته أين سيجلس .... فانبرا له أحدهم موسعا :. هنا ياشيخ هنا.
تنفس شيخنا القاعد بجانب الباب قهرا وقال في نفسه : مالي وللمظاهر فلم آتِ إلا لسد جوعي.
بعد فترة وجيزه كان يصعد بين لحظة واخرى شيخ ليلقي موعظة.... او يقول أبيات شعر.... او نثر .... او حكمة سمعها من جده عن ابيه ......
وكلما نزل شيخ صفقو له بحراره واكرموه غاية في الاكرام .... وقدمو له الطعام .... وفواكه نادرة تلك الايام ..... وإستقبلت النساء كلامه باعجاب و تناقلن كلامه .... قال فلان صاحب الجبة الخضراء .... وقال فلان صاحب الجبة الصفراء .... وقال فلان صاحب الجبة الحمراء ..... حتى وإن كان كلامهم مجرد خربشة كلمات وارقام .....
::
فكر شيخنا وقال محدثا نفسه لمَ لا اصعد مثلهم ..... وعندي من الحكمة ضعفهم ..... فاحصل على ما حصلو عليه ..... بل وربما ازيد عليه ......
فصعد واتى بابيات شعر من لؤلؤ .....وحكم من زمرد ....ونثر من الفيروز....
وانتظر التصفيق والاكرام .... ولم يجد شيء مما تخيل او حلم .... إلا من تصفيق بعض الحضور ممن كان يعرفه .....
نزل منتكس الرأس خاوي البطن ..... ولم يعد إلى مكانه ..... وإنما عاد إلى البيت وفي نيته ان يعود إليهم بشكل آخر ......
دخل عليهم دون ان يرد السلام ..... نظرو إليه كلهم فقد كانت دخلته ملفته للنظر بجبته الخضراء وعمامته الكبيره ..... قام له احد اهل البيت وقال هنا ياشيخ هنا .....
واعتلى صدر المجلس ..... فنظر إليه الجميع منتظرين صعوده إلى منصة الخطباء ....... بعد تأن منه كي يدل على هيبته .... صعد واتى بكلمات مبعثرة .... لم تكن شعرا او نثر او حتى حكم .... بل مجرد كلمات تراصت لا اول لها ولا آخر ......
نزل فقوبل بتصفيق حار ..... وبدا الخدم يكرموه ___ بامر من سيدهم ___ بصحن من لحم وفواكه من شتى الانواع .....
فتح جبته واخذ قطعة من اللحم وادخلها فيها وهو يقول بصوت مرتفع : كلي كلي
واخذ من الفواكه وادخلها جبته وهو يقول : كلي كلي.
استنكر الجميع هذا التصرف من الشيخ الجليل وقال له صاحب البيت : ماذا تفعل ياشيخ هل جننت.....
فقال : لا ... وإنما أتيت بدون جبتي هذه ولم تنظروا إلي .... والآن أتيت بها فأكرمتموني .... فهي أحق بالطعام مني لانها هي من أكرم ولست انا .........