تحكي القصّة عن فيل تمّ أسره، وربط قدمه بكرة ثقيلة من الحديد، ثار الفيل على هذا الوضع المؤلم الذي جعله حبيساً في مكانه، ولم يفتأ يكرّر المحاولة للتخلّص من الكرة دون جدوى.
وبينما هو نائم، قام المالك بتغيير الكرة الحديديّة إلى كرة خشبيّة صغيرة، لكنّ ما حصل فاق كل التوقّعات، حيث إنّ الفيل استسلم لوضعه السابق، ولم يقم بأيّ محاولة للنهوض والانطلاق، والتخلّص من الشعور والألم والإحباط...ونسيان الماضي بكلّ تجلياته.
إنّ هذه الكرة الخشبيّة موجودة في حياة كل منا، وإن اختلفت في مظاهرها وأسبابها؛ كلّ منّا يحمل في داخله شيئا مجهولاً لايريد له أن يطفوَ إلى السطح، يحب أن ينفرد بآلامه وأحزانه، لكنّه عندما يتعثّر لن يكون بجانبه أحد ليسدّد خطاه.
ننغمس في هذا العالم بتهوّر... نظن أنّنا مكتفون بذواتنا.. نحاول التكيّف مع أشياء نظنّ أنّنا نعرفها.. لكنّنا نعجز عن تقبّلها،
وفوق كلّ هذا نظنّ أنّ لدينا القدرة على فهم الآخرين، ومعرفة ما يجول في أعماقهم.. ولكنّ الحقيقة التي يجب أن يدركها كلّ منّا،أنّ أقدامنا مقيّدة بكرة خشبيّة تستنزف طاقاتنا، وقد نسير في طريقنا سيراً ملموساً مع الشعور بكلّ العواطف الجارفة؛ كالحماسة، والحبّ، والحزن، والاكتئاب... ويكمن السبب في أنّ كلاً منّا مرّ بمراحل فاترة في حياته كان وقتها حبيساً للكرة الحديديّة، خاضعا لسطوتها،واقعاً تحت سيطرتها، حبيساً لآلامها، وحيداً مع جبروتها، والقليل منّا من تجاوز هذه المرحلة دون ندوب، وجعلها مع الزمن تذوب.
وتختلف الظروف من شخص لآخر، ومن الأمثلة من التاريخ الأسلامىّ : إنّ عليّا بن العباس وكانت كنيته أبا الحسن
فقال له الخليفة الأمويّ: عبد الملك بن مروان :" لا احتمل لك الاسم والكنية جميعاً، فغيّره بأبي محمد " لما كان بينه وبين الخليفة عليّ بن أبي طالب من خصومات.[1]
أمّا الأمثلة على صعيد الحياة اليوميّة
...من كانت تحت سيطرة زوج متعجرف..أنانيّ ..مستبد
...ومن كانت في بيت أسرة هامشيّة لاترى للحوار سبيلاً، ولا لكينونتها أثرا ودليلاً .. ومن كانت تحت زوج كفء ففقدته بالموت! فاستسلمت لأحزانها ..وأبت الخروج من أكوانها .
..ومن كان ناجحاً في عمله فانتهى كلّ ذلك، وتخلى عنه الأحباب، فابتعد عن بذل الأسباب .
..ومن كان ذا تجربة زوجيّة فاشلة فخشي المحاولة والبدء بالمداولة ..
ويكمن الحلّ
* في أن نتصالح مع أنفسنا، ونقرّ بأنّ هذه الكرات موجودة في حياتنا.
* أن نلزم أنفسنا بالسيطرة عليها، لنخرج من عذاباتها بطولها وعرضها.
* أن لا نيأس من التحرّر منها:
لاتيأس، وإن طالت مُطالبةٌ إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا!
إنّ الأمور إذا انسدّت مسالكها فالصبر يفتح منها كلٌّ ما أرتتجا .
*النظرة للأمور نظرة ايجابية، أيّاً كان وجهها قاتم؛ فعروة بن الزبير عندما قطعت رجله، دخل عليه عيسى بن طلحة، فقال لبعض ابنه: "اكشف لعمّك رجليّ"، ففعل.
فقال عيسى :" إنّا والله يا أبا عبد الله، ما أعددناك للصراع، ولا للسباق، ولقد أبقى الله منك لنا ماكنا نحتاج إليه"رأيك وعلمك""
فقال : "ما عزاني احد مثلك."
فوزية منيع الخليوي
عضو الجمعية العلميّة السعوديّة للسنة