لاحياة لمن لاصلاة له
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... قيوم السموات والأرضين ، إله الأولين والآخرين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين ، وعلى آله وأصحابه الذين اتبعوه واقتدوا به قولاً وفعلاً وعدلاً وإحسانا ...
أما بعد فهذه رسالة من القلب ... أبعثها لمن ضاقت به الدنيا ، واختلطت عليه المفاهيم ، ولم يجد طعماً للحياة ، لأنه تولى وصرف همته عن معرفة الحكمة التي خلقه الله لأجلها ... متناسياً عظم الأمانة التي حملها وأشفقت السموات والأرض عن حملها ...
رسالة قلب مشفق مبعوثة إلى قلب لم يذق طعم النعيم ، وفقد التلذذ بالطاعة فلم تطب له الحياة التي يعيشها ... ولم يعط نوراً يفرق به بين الحق والباطل فوقع فريسة للشقاء والضلال ، وجانب التقوى واستغنى عن الهدى ولم يستمع لمولاه وهو يطلب منه طاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم لينال رحمة الله يقول عز من قائل :
( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) آلا عمران 132 ويقول سبحانه : ( مايفعل الله بعذابكم إن شكرتكم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً ) النساء 147
إليك أخي الفاضل ، وأختي الفاضلة :
من وقعت في يده أن يتأملها في لحظة هدوء ، وأن يرعي لها سمعه ، عساها أن تشرق شمسه ، وينشرح لها فؤاده ، فيذوق حلاوة الدمعة ، ويجرب لذة المناجاة ليتصل بربه ، ويتبصر برسالته في هذه الحياة قبل أن تكون النهاية فلا يجد شيئاً ، وسيدرك حينها أن الأمر جد خطير
وصدق القائل :
إذا أوجعتك الذنوب فداوها ** برفع يد بالليل والليل مظلـــم
ولاتقنطن من رحمة الله إنما قنوطك منها من ذنوبك أعظم
* لاحياة لمن لاصلاة له *
حياة الروح ... وروح الحياة ...
ما أجلها وما أجملها ... عظيمة رفيعة ...
تنبض لها القلوب ... وتختلج بها الجوارح ...
تسيطر على الجسد فتجعله يسمو ويعلو ...
تعمر القلب فتجعله ساكناً مطمئناً ...
من ! من يستطيع أن يعيش بدونك ؟ كيف تحلو الحياة إلا بك !
من يتعلق بك تتعلقين به ، ومن يشدك تشديه ، طبعك الوفاء ، وفية أنت لأصحابك ... ليس في الدنيا بأسرها وفياً مثلك ، وليس في الكون أعظم من نفحاتك 0 سرور القلب ونوره الذي لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا
أنت حياة المؤمن الطاهرة ، ودواء السقيم والعليل 0 أنت نور البصائر من عماها ، وشفاء الصدور من أدوائها 0
لولاك ! لما تفرقت الهموم والأحزان ... لولاك لهاجمتنا جيوش الشياطين ، ولتقطعت بنا الأسباب أنت الغاية التي يتسابق إليها المتسابقون ... ويشمر لها العاملون ... أنت القائدة التي تقودين صاحبك إلى جنات النعيم 0 لست أدري ! كيف يقدرون على هجرك !
كيف يعيشون بلا وصلك ! كيف يتمتعون بغيرك !
لست أدري كيف هي مشاعرهم ؟ ماذا تختلج به صدورهم ؟ من ؟ من هجروك !
كيف يستريحون إلى جانب غير جنابك !
أنت القلعة العظيمة التي ندخل منها على رب الأرباب ، وخالق البريات 0
لقد شاءت إرادة الحكيم العليم أن يخلق البشر ، ويمنحهم العقل الذي يرجحون به الهدى من الضلال ثم وضع لهم ميزان الشريعة وثبته كي لا تعصف به الأهواء 0
وهنا أُسائل نفسي :
كيف تكون بنية إسلامية سوية ، لامعطلة ولامشوهة ، بل بكامل قواها وعافيتها وعقلها وتعرض عن الحق ، ولاتستجيب لنداء الإيمان ...
بل تختار لنفسها الصد والبعد والانحياد عن سبيل الرشد 0 إن إنسانية المسلم ترفض الجمود ... فلا تضع على عقلها قيداً من الفتور، ولا تدع قلبها مغلقاً عن تدبر المواعظ والآيات فيكون حالها كحال الذين قال الله فيهم :
( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) هود20 يامسلم ... يامن تشهد أن لاإله إلا الله ... لقد خُلق الإنسان ليسعى لا ليكون نائماً هائماً يقوده هواه كما يٌقاد البعير ... إن الحياة والعافية والنعمة الرغيدة التي تعيشها وتستمتع بها دون أن تلتفت إليها ، وأعني بها نعمة الإسلام التي هي أكبر من كل نعمة ...هي إحسان من الله عليك وتفضلاً منه لك ، فذلك يتطلب منك أن تكون شاكراً للمنعم ولا تستطيع أن تحصي ثناء عليه ...
إن الساهي عن عبادة ربه عاجز لا يصل إلى أغراضه ، ولا يحقق رغائبه ... أما أولئك الواصلون إلى مراميهم بالأماني والأحلام وهم لا يتقربون إلى خالقهم بالصلاة فلابد أن تدمي أقدامهم وعورة الطريق كلما اجتاز عقبة وقع في أخرى هذا في الدنيا ثم في الآخرة سيُكتوون بنار الخذلان عياذاً بالله 0 فلم نر أونسمع عن مسلم قعد عن الصلاة إلا داسته الحياة ونبذته وألقته على هامشها
لماذا تقطع حبل الوصال بينك وبين ربك ؟
إلى متى ستظل تائهاً عن الطريق ؟ الست تبحث عن السكون والراحة ؟ إلى متى ستظل تملك نفساً مختلة تسيطر عليها الوساوس ، وتنهكها العلل ؟
إلى متى ؟ إلى أن تكتشف خسارتك ؟
عندما تجد ما عملته من سوء ماثلاً أمامك ، يقول الله تعالى :
( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ) آل عمران 30
كم أتمنى أن أتجول في داخل مسلم لا يصلي ، كيف يعيش ؟ لابد أنه يعيش بداخل مظلم ؟ معوّج ، مضطرب 0 ما الذي يضئ داخلك ، وخارجك وجوارحك ؟ كيف تعيش بدون وصل الحبيب الذي يستحق الحب والوصل ، لقد أوصاك بوصل قريبك ووالديك وأحبابك ... فكيف بوصله ! قرة عين المحبين ، ونعيمهم ، ولذة حياتهم في مناجاته 0
أنت ترى ظلمك لنفسك في تخليك عن الصلاة ، وتدرك خطرها ، ويسوؤك من يتهاون بها من أقرانك أوممن هم دونك ... فإلى متى ... إلى متى تخبط في الدنيا خبط عشواء ؟ إلى متى تسير كما يحلو لك دون حساب للرقيب ، غافلاً عن معرفة الحق ؟ إن من حق الله عليك أن تتوجه إليه بعبادته ، وأعظمها الصلاة ... إنك تعرف وتدرك !
ومن حقه جل شأنه أن يغضب على من يقطع صلته به ...إذا عرف وانحرف ، وأدرك واقترف
بم شُغلت عن ربك ؟ وبماذا تشتغل الآن ؟
هل الصلاة مشقة وعذاب ؟ هل الصلاة تعب وعناء ؟ إن كثيراً من أعمال الدنيا أشد مشقة وأكثر عناء وجهداً 0 بالله عليك " كم تأخذ الصلاة من وقتنا في اليوم والليلة ، ساعة أو أقل أو أكثر قليلاً ، مقابل ماذا مقابل أن يعطيك الله من الثواب مالا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر 0
انظر إلى سائقي الشاحنات ، وانظر إلى الحداد والغواص ، والبناء الذي يعاني برد الشتاء وحر الصيف ... وغيرهم كثير ممن يبذلون الجهد الجهيد في كسب العيش .
إن كنت ستجيب ... أن الصلاة مشقة ، فقد نوافقك قليلاً ، ولكنها مشقة ممزوجة باللذة ، وإن ثقلت عليك تذكر نعيمها الذي لا يساويه نعيم ، فالدنيا كلها تتهاوى عندما يفقد المسلم صلاته ... ويتحقق له الرقي والفلاح عندما يكون من المصلين 0
سأطرح عليك سؤالاً قد تتعجب منه ! هل تريد الجنة ؟ ستقول نعم ، وبتعجب ! كيف ؟ وأين الثمن ؟
أنظر إلى الرزق ، هل يمطر عليك من السماء ؟ إن لم تسعى له وتتعاهده ، كذلك الجنة ... تحتاج إلى بذل وسعي ، فعندما طلب ربيعة بن كعب رضي الله عنه مرافقته صلى الله عليه في الجنة ، قال له :
أعني على نفسك بكثرة السجود .
والله جل شأنه يقول :
( وتلك الجنة التي أُورثتموها بما كنتم تعملون) الزخرف 72 إن الله يدعوك إلى دار السلام يقول سبحانه : ( والله يدعو إلى دار السلام ) يونس 25 ثم رضوان اللــه عليك أكبر من الجنة ( ورضوان اللــه أكبر ...) التوبة 72
ثم النظر إلى وجهه العظيم نسأله ألا يحرمنا فضله ـ ففي الحديث الصحيح : حديث الرؤية :
( فو الله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجهه ) فا إذا رأوا وجه اللــه نسوا ماهم فيه من النعيم ... ألا تريد رؤية ربك الحبيب ؟
أترجو الرحمة والمغفرة ؟ إن هذا جهل مركب وليس بسيط !
فا الله تعالى يقول : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ...0 ) 156الأعراف ويقول تعالى : ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) 56 الأعراف لماذا لاتريد أن تدخل تحت ظلال رحمته ؟
أتخشى الله وتخافه ؟ كأني بك ستقول نعم !
بمـــاذا ؟ فإن للخوف ثمرات ، تهون بها اللذات ، وتقود القلب إلى رب البريات ، وأنت تعلم أن الله لو أراد أن يهلك العالمين لم يبال ... وما أهون العباد لديه إذا هم عصوه 0 ومن يخاف يحذر ... يحذر من بطشه وعقابه ... يقول عليه الصلاة والسلام : ( أنا أعرفكم باللــه وأشدكم له خشية ) إن الاستخفاف بفريضة الله عليك وتفريطك لها ، وضعف إرادتك ، هو لأنك أسقطت خوفك وتعظيمك له سبحانه ، وبهذا سُلبت محبته ورضاه 0 تعرف إلى الله ، فمتى عرفته عظمته ، ومتى عظمته خشيته ، وإذا خشيته عبدته وأحببته 0
الصلاة راحة أعصاب من أعباء الحياة المرهقة ، وطمأنينة القلوب التي عهدت بأعبائها إلى من هو أقوى وأقدر ... واستشعار صلة بالجناب الذي لا يضام من يلجأ إليه ، ولا يخيب من اعتصم به 0 إنها مهذبة للسلوك الإنساني ، متممة له 0
إنك بحاجة إلى الشكوى ...
تشتكي لمن ؟ للمخلوقين ؟
إنك بحاجة إلى الرحمة ...
تسترحم من ؟ الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً 0
إذا ضاقت بك الدنيا ...
تلجأ إلى من ؟ إلى ضعاف الخلق ...
إذا أثقـلتك الهموم والأحزان ...
تنادي من ؟
إنه الحبيب ... العزيزالحكيم ... التواب الرءوف 0 إنه العظيم ... الذي خضعت لعظمته الجباه ... إنه الملك ... الذي ذلت له الملوك ...
ألديك شك في ذلك ؟ يامن قطعت وصلك به
يامن أخطأت الطريق ، لايكن حظك كحظ الدواب فالله تعالى يقول : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون ) الأنفال 22 وهم الذين لم تُفد فيهم الآيات والنذر، ولا يفرق بين ما يضره وما ينفعه 0
ذكرنا بنداء عظيم لم يجعلنا نعتمد على أنفسنا الأمارة بالسوء ، المصابة بطبع الفتور ، بل من عظيم نعمه أنه ينادينا إليها في اليوم والليلة خمس مرات ، نعم بل من عظيم منته أن ينادينا :
حي على الصلاة ...لنترك كل شيء ... الصلاة خير من النوم ... فهو المحبوب محبة دائمة لا كمحبة النوم والخمود ، إقبال على واسع المغفرة 0
في جنابها ، ومن خلال أدائها نشهد أن الله واحد ، الله أكبر ... أكبر من كل شئ ، الله أكبر بالجنان وباللسان ، فهو خالق كل شيء ، ومبدع كل شيء ، ومصور كل شيء ، وقاهر كل شيء 0 وله الكبرياء في السموات والأرض ... الإله الحق والملك الحق ... سبحانه يحب أن يظهر لعباده حلمه وصبره ، وسعة رحمته وصبره ، فاقتضت حكمته أن يخلق من يعصيه ويسعى في مساخطه ومع ذلك يسوق له الطيبات ويرزقه ويعافيه .
الله أكبر ! يامن لاتصلون ... كيف تعيشون ؟ وكيف تطمئنون ، بل كيف تنامون وتأكلون وتشربون ؟ كيف يرفلون في نعم الله ، وهم لايصلون 0 ولولا رحمة ربي لحطمهم ، ، لولا صبر ربي على الذين لايصلون لساواهم بالتراب ، لكن من صفاته الرحمة والإمهال والصبر ...
إنهم يعاقبون ولا يشعرون ، بل يشعرون ، إنهم معاقبون بالهموم والغموم ، إنهم معاقبون بظلمة الصدور ، ، وقلق النفوس ، إنهم مبتلون بالضيق والملل ، ضيق الأرزاق ، وضيق الأخلاق ... إنهم مصابون بالخوف ، وبغض الخلق ، وأذهانهم طائشة ، وإن لم يشعروهم بذلك 0 كيف يطمئنون وهم منقطعون عن وصل القادر الذي إن شاء خسف بهم الأرض ، ما الذي يجعلهم آمنون وهم منفصلون عن مقام العبودية لخالقهم ورازقهم 0 إن كانوا آمنون 0 إنا نصلي ولله الحمد والفضل سبحانه ، ومع هذا فإنا نخشى ألا تُقبل صلاتنا ، فعندما نسمع عن صلاة رسول الله وصحبه ، وسلفنا الصالح نشفق على أنفسنا وصلاتنا ، ولا نعلم كم قُبل منها فكم يروعنا ذلك الحديث الصحيح :
( ليس للعبد من صلاته إلا ماعقل منها ، وأن المصلي قد يصلي الصلاة ، فلا يكتب له منها إلا سدسها وإلا عشرها ) رواه أحمد ، وأبو داود...
إذا لم تستجب للنداء يا من لا تصلي فإنك إذا حرمت من كنوز الدنيا التي تفوق كنوز قارون ، وكنوز ملوك الدنيا ... لأن كنوزها هي التي تفتح لك كنوز الآخرة ، فالدنيا مزرعة الآخرة ، ولاأظن أن هذا الأمر غريباً عليك ! إذاً اسمع مني عسى الله أن يفتح مسامع قلبك ويقذف فيه من نوره ... ويهديك إلى صراطه المستقيم 0
ضع يدك في يدي وحلق معي أطلعك على بعض كنوزها ، فأنا لا أخفيك سراً أني لا أستطيع أن أحصيها ، فمهما كتب فيها المحبون المصلون المشفقون لن يحصي كنوزها إلا الذي فرضها سبحانه
أول كنوزها بعد الأذان :
الوضوء جوهر الصلاة وروحها ، النور الذي يزيل ظلام الخطايا من الجوارح ، من الوجه إلى اليدين إلى الرجلين ... يغسل الأعضاء لتُزال الخبائث الجسمانية وال******ة ...لتقف أمام خالقك نظيفاً ، صافياً شاكراً له على أن جعلك من خير أمة أخرجت للناس ، شاكراً لنعمته إذ بعث فيك نبياً من نفسك ، أخرجك من الظلمات إلى النور!
ولاأظن عاقلاً لبيباً يُرد على أعقابه بعد أن هداه الله لنور الإسلام ... فلماذا تريد أن تعود إلى غياهب الظلمات ؟ وهنا من بداية الأمر فقد جحدت نعمة ربك ، لأن من شكر النعم القيام بحقها ، فا إذا أنت لم تصل ِ فلن تتوضأ وهنا حرمت من الكنز الأول 0 حرمت من نور الوضوء الذي هو من خصائص الأمة المحمدية فقد جاءت الأحاديث الصحيحة :
( إنهم يُبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء )
فأثر الوضوء في الدنيا نور في الأعضاء ، وفي الوجه لمعة بيضاء مشرقة ... ويوم القيامة يتعرف عليك نبيك الحبيب بلمعة في جبينك ، وبياضاً في أعضاء الوضوء ... ألا تشفق على نفسك إذا حرمت هذا الفضل العظيم ؟
أما الكنز الثاني فمثولك أمام ربك في الصلاة ، وبعد تكبيرة الإحرام دعاء الاستفتاح ، دعاء تستفتح به رحمة الله فإنك لاتعيش إلا برحمته ، وهو قادر على أن يجعل نهايتك بشربة ماء – سبحانه – حرمت من قولك : اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن الغسل بالماء الحار أبلغ في الإزالة ، ولذا جئ هنا بالثلج والبرد ليناسب حرارة الذنوب التي يُراد إزالتها 0