ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُور
كلمات صدق نطق بها قوم صدقوا ماعاهدوا الله عليه
نظر فقراء الصحابة إلى الأغنياء فوجدوا أنَّ لهم فضل مالٍ يتصدقون به ، وقد وجدوا في أنفسهم حرجا ألاَّ يجدوا ماينفقون
تطرقُ آيات الذكر الحكيم مسامعهم
فتنفذ إلى قلوبهم
فتطمع إلى عظيم الأجر والله عنده أجر عظيم
{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ** (1 )
ومازال الشوق إلى فضل الله يملأ قلوبهم
حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليصوروا مشهدا إيمانيا فريدا يحكي قبسا مشرقا لذلك الجيل الطاهر ، الذي لو أنفقنا مثل أحد ذهبا مابلغنا مُدََّّ أحدهم ولانصيفه ( 2 )
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ، كَانَ لَهُ أَجْرٌ ( 3 )
إن أنفسنا لتنكسر خجلا أمام هذه الهمم الشامخة
لم يُرد الواحد منهم أن يسبقه إلى الله أحد
** رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ ** ( 4 )
هؤلاء الصفوة
يتسابقون إلى مغفرة من الله ورضوان
فالفقير تأبى عليه نفسه أن يسبقه الغني بالصدقة
والغني تأبى عليه نفسه أن يسبقه الفقير بالِّذكر
وكأني بهم وقد أقام كل واحد منهم نفسه في مضمار السباق
وقد جدَّ به السير إلى الله
ولو تباطئت الخُطوات لخشي الفوات
{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ** ( 5 )
لقد قادني التفكير في حديث أهل الدثور إلى فتية من قومي
إنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ( 6 )
قوم قد أحبوا الله
فطمعوا في محبة الله لهم
لم تزل آيات وأحاديث الصدقة تُخاطب قلوبهم
حتى وصلت إلى أنفسهم فطهُرت
وتاقت إلى فضل الله
لم يكن الواحد منهم يملك سوى مايقتات منه
لكنهم أقاموا أنفسهم في مضمار السباق
وباتت أنفسهم الزكية تحدثهم بالنفقة في سبيل الله
بدأت رحلتهم بتلمس أحوال الفقراء
وخاصة أولئك القوم الذين وصفهم الله بقوله
** يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ** ( 7 )
وما إن تمَّ لهم المراد حتى توجهوا إلى الأغنياء
وبدأوا يدعونهم إلى الانفاق في سبيل الله
نقلوا لهم صورة ذلك البائس الفقير
وما زالوا بهم حتى رقَّت قلوب الكثير منهم
وجادت أنفسهم في سبيل الله
لم يذهب أهل الدثور بالأجر دون أن ينالهم منه شيء
فهاهم قد شاركوهم بالنية في حب النفقة والحث عليها
حدثني أحدهم قائلا :
كنا نذهب بالصدقات إلى الفقراء ، حتى إذا وصلنا بيت أحدهم ، وكان يأبى قبول الصدقة حياء من أهلها
فلم نجد بدا من وضعها خفية عند باب بيته
ليجدها أمامه حين فتحه للباب
لقد كان هذا العمل يورثنا السعادة
كنا نجد بركته في أنفسنا وأهلينا وأرزاقنا
كنا بالصدقة نستجلب الخير
ونستدفع الشر
قلتُ في نفسي : هؤلاء هم الرجال
بلغت نياتهم مالم تبلغه صدقاتهم
عن أبي أبو كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : [ ثلاث أقسم عليهن ، وأحدثكم حديثا فاحفظوه : فأما الذي أقسم عليهن ؛ فإنه ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها ؛ إلا زاده الله بها عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة ؛ إلا فتح الله عليه باب فقر . وأما الذي أحدثكم فاحفظوه ؛ فقال : إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما ؛ فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعمل لله فيه بحقه ؛ فهذا بأفضل المنازل . وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا ؛ فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان ؛ فهو ونيته ، فأجرهما سواء . وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما ؛ فهو يتخبط في ماله بغير علم ؛ لا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعمل فيه بحق ؛ فهذا بأخبث المنازل . وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما ؛ فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ؛ فهو بنيته ، فوزرهما سواء ] ( 8 )
فهنيئا لقلوب امتلأت بحب الخير حتى ارتوت به
وفاضت عملا صالحا طيبا
وهنيئا لهم ماادخر الله لهم من أجر عظيم
عن صفوان بن سليم رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل ] ( 9)
__________________________________________________ ________
(1 ) البقرة261
( 2 ) المد: ملء كفي الرجل المتوسط اليدين خلقة ، والمعنى : لو أنفقت مثل أحد ذهباً ما بلغت ملء كفي أحد الصحابة ولا نصفه .
( 3 ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، والمراد بقولهم ذهب أهل الدثور يعني : أن أهل الغنى ذهبوا بالأجر عند الله -جل وعلا-؛ لأن لهم أموالا يتصدقون بها.
( 4 ) المائدة119
( 5 ) آل عمران133
( 6 ) أحسبهم كذلك ولاأزكي على الله أحدا .
( 7 ) البقرة273
( 8 ) صححه الألباني - المصدر: مشكاة المصابيح برقم 5217
( 9) صححه الألباني - المصدر: صحيح الترمذي برقم 1969
كتبه الكلم الطيب يوم الأربعاء 5 ذي الحجة 1429هـ الموافق 03 - 12 - 2008 م
ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُور
