كثيرٌ من الناسِ يُحِبُّون الطِّيبَ والرياحين، ويستعملون المِسكَ والفُلَّ والياسمين؛
وتلك سُنَّةُ سيِّدِ المرسَلين صلى الله عليه وسلم.
ولكنْ قليلٌ جِدّاً من الناس في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها الذين جَرَّبوا عبيرَ عبدِ اللهِ بنِ المبارك الذي وصفَهُ بقولِه:
ريحُ العبيرِ لكم ونحنُ عبيرُنا........ رَهَجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ!
وأقلُّ مِنْ أولئك مَنْ يشتاقُون إلى استنشاقِ عطرِ الشهادةِ في سبيلِ الله
حينما يفوح من جراحِ المجاهدين أشرفِ مَنْ يمشون على هذه الأرضِ؛
ذلك أنَّ (اللون لونُ الدمِ، والرِّيح ريحُ المسك)!
ولئن قال النابغة الذبياني مجازاً في رائيّتِهِ المشهورة:
والطِّيبُ يزدادُ طِيباً أن يكون بها ........... في جِيدِ واضِحةِ الخَدَّيْنِ مِعْطارِ!
وقال عباس بن الأحنف:
وأنتِ إذا ما وطئتِ الترابا............ صار تُرابُكِ للناسِ طِيباً!
فقد قال أنس رضي الله عنه كما في البخاري:
"ما شممتُ مِسْكةً ولا عبيرةً أطيبَ من ريح رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم"!
ولئن قال كُثَيِّر:
تأرَّجَ الحيُّ إذ مرّتْ بظَعْنِهِمُ ......... لَيْلَى ونَمَّ عنها العَنْبَرُ iiالعَبِقُ!
وقال عبَّاسُ بن الأحنف كذلك مجازاً:
ماذا على أهلِكِ ألا يَرَوْا............. عِطْراً وأنْتِ العِطْرُ للعِطْرِ؟!
فقد كان يُطيَّبُ الطِّيبُ بعَرَقِ نبيِّنا الحبيبِ صلَّى اللهُ عليه وسلّم حقيقةً لا مجازاً،
كما جاء في حديثِ أنس- رضي الله عنه - أنّ أمَّ سُلَيْم - رضي الله عنها - جاءت
وقد عرق النبي صلى الله عليه وسلم (واستنقع عرقُهُ على قطعةِ أديمٍ على الفراش،
ففتَحَتْ عَتِيدَتَها، فجعلتْ تُنشِّفُ ذلك العرقَ؛
فتعصره في قواريرِها؛
ففزع النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعين يا أمَّ سُلَيْم؟
فقالت:
يا رسولَ الله نرجُو بركتَهُ لصبيانِنا؛
قال: أصَبْتِ!)
وفي روايةٍ: قالت:
( عَرَقُك أذُوفُ به طِيبِي )
قال ابن حجر: "أذُوف ـ بمعجمةٍ مضمومةٍ ثم فاء ـ أي أخلط"
فليتَ شعري هل رأيت أطيب من هذا الطيب ؟؟؟
وهل ينفحُ الطِّيبُ إلا من شَذَى الغصنِ الرَّطِيب؟؟؟!!!
فشَتانَ ما بين المصنوعِ والمطبوعِ!
وما أبعدَ المكتسَب عن الموهوب!
كأنَّ حديثَهُ زَهرٌ نضيرٌ ............... وحامِلُ زهرِهِ غُصنٌ رَطِيبُ!
خلائقُهُ مَواهبُ دونَ كسبٍ ......... وشَتّانَ المواهِبُ والكُسُوبُ!
منقول لتصلي على الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وتتطيب بسيرته العطرة .