أخوتي في الله ..
عندما نطرق أبواب الذاكرة .. ونلج في زواياها ..
ونقف نتأمل قليلا .. كل منكم حتما يجد لحظات لن تنسى
انطبعت في الذاكرة .. ورسخت .. وأصبحت مزارا ..لأفكاره .
ربما هذه اللحظات ..مازالت عاملا مؤثرا لكثير من تفاعلاتك مع أمور الحياة .
ومن الأمور اليقينية التي نؤمن بها كأناس مؤمنين ...هو الموت ..
نؤمن بالموت ..كأمر حتمي ..سنصل اليه بعد أن نصارع أمواج الحياة الدنيا
هذا أمر مفروغ منه .. ولكن كيف سنلج الى الموت .. ماهي بوابة الاحتضار
تلك البوابة ..التي تحلق أفكاري اليها كل ليلة .. فالموت وما يحيط به
من الامور التوقيفية التي علينا أن لانتطرق الا ما ورد به الشرع ..
************************************************** ************************************
ولكن هي الأفكار التي دائما تحوم حول تلك البوابة .. فطريقة دخولنا منها
ربما تحدد مصيرنا في الآخرة .. وما كانت أفكاري وخواطري لتطرق تلك البوابة
لولا تلك اللحظات التي عاشتها .. وربما من أشد اللحظات على الانسان أن يشهد
خروج روح شخص عزيز الى قلبه .. عندما يراقبها لحظة بلحظة ..يجاهد حزنه
ويجاهد نفسه ..ويعيش صراعا ربما كان للحظة وجيزة صراعا بين صوت القلب الحزين
الذي يريد التعبير عن حزنه وبين صوت العقل الذي يريد تقديم أروع كلمة وداع لأحب
شخص ...لحظات سريعة قصيرة ..ولكنها لها مفعول طويل الأمد ..
أترككم مع تلك اللحظات ..
************************************************** ************************************
بين ضوضاء الحياة وضجيجها ..تأتي لحظات سكون تفيق بها ذكريات
ليست ببعيدة ولكنها تقبع في زاوية يقظة من ذكرياتي ..
تتراءى لي خيالاتها ...كلما سرحت في خلوة ...أو نظرت
في الأفق ... هذه الذكرى تأبى أن يلفها النسيان ..هي لحظات قاسية طبعت في
ذاكرتي ..أو ربما ناقوس يدق معلنا لي دائما ..أن الدنيا الفاتنة الجميلة الى
زوال ..وأن تلك الذكرى ..آتية لا محالة ..وتلك اللحظات سأعيشها كما عاشها
أبي ..تلك هي لحظات الاحتضار .. التي أعتبر ذكراها درعاً أتقي به فتن الدنيا ..
ولأنني أبتغي الخير لكم ..سأذكركم وسأذكر نفسي ..بذلك الموقف الذي سأشهده
وستشهدونه يوما ما ..... قال الله سبحانه وتعالى :
( كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام(27 ) الرحمن .
************************************************** ************************************
ففي ظهيرة يوم جمعة ..ذهب الجميع الى الصلاة ..وخلا المنزل إلا من جسد
مسجى على فراشه كان في نظري جبلا في شموخه ..وهيبته ..تدهورت قواه
الجسدية فأصبح طريح الفراش ..ما أكثر الأحداث المؤلمة في هذه
الدنيا ..حادثته ..ومازحته ..وبعد اطمئناني عليه ..تركته لأداء الصلاة ..
ولما رجعت وجدت حالا غير الحال ...
************************************************** ************************************
عينان تنظران الى أعلى تتحركان في الاتجاهين .. كأنه يرى أحدا ..يتأوه ...ناديته
أبي هل يؤلمك شئ ..أشار الى رقبته ...بنفس متسارع ..مددت يدي الى رقبته
ومسحتها ..أشعر بألمه ..يبلع ريقه بصعوبة ..اتسعت فتحتا انفه ..
كأنه يفسح مجال أوسع للهواء ..ومددت كفي المرتجف من هول الموقف لأحتضن
كفه الطاهر شعرت بيده تضغط على كفي كأنه يقول لي : اثبتي ..هو دائما يتحمل
الألم بهدوء ..لا اعرف لم يركز نظره الى أعلى ..ولكنه هادئ ..
كأنه يرى أحدا ولكن ماذا يرى ؟؟ أكلمه ..أشعر بآلامه ..هنا تسارعت أنفاسي
أشعر بقلبي يدق في حنجرتي .. مالي ارى ذبول الحياة في قسمات وجهه ..
مالي أرى نظراته تجول حائرة تفتش عن شئ ما في الأعلى تقلب النظر يمنة
ويسرة ..هنا في هذه اللحظات التي لا أعرف هل هي تؤلمني ؟؟ أم تؤلمه ...لا
أعرف لم قفز الى ذهني الموووووت ..تساءلت في نفسي أهذا هو الاحتضار ؟؟
هل أنزل ملك الموت رحاله بيننا يريد حمل روح هذا العزيز معه.....
************************************************** ************************************
أحاول طرد هذا الخاطر المرعب في تلك اللحظة ...تجلدت ...بدأ شريط
الذكريات ...يحدثني وأنا تارة أمسك بيده ...وتارة أمسح جبينه
المضئ ..وبداالشريط يدور ..يرصد لي حياة كاملة ..في لحظات بسيطة ...
أنظر الى عينيه مازالت معلقة في ذلك الاتجاه ...وشريط الذكريات ما زال
يدور ..طفولتي ..صوته وهو يناديني ..ويداعبني ..
أتوقف .. أنظر الى وجهه ..ما باله ازداد بياضا ؟؟
وكفه في كفي ..وشريط الذكريات يدور بي .. حينما يأتي بي من المدرسة ..
حينما أصحو من النوم وأجده قد فاجأني بوضع لعبة عند رأسي ..
وأكبر وهو يكبر ....هنا توقفت , أرى ألمه ..أهي سكرات الموووووت ؟؟؟
لقد تجمع في هذه اللحظة جميع ما تفرق من آلام الحياة وشدائدها
في الأعوام السابقة ..
الواقعية في نفسي تحدثني هو الموت لا محالة ....
اختاري إما حزن وبكاء ...وإما محبة وتلقين.
تلقين ؟؟؟؟ ...يالصعوبتها على نفسي .....لا أريد النهاية ؟؟
ولكن محبته في قلبي تغلبت على مشاعر حزني ....لا بل سأعترف ..
لم أتغلب على مشاعر حزني بل كبلتها ...وقلت ...
أبي قل أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن.....تقطع صوتي ..
أبت المآقي إلا أن تعلن حزنها وتفك رباطها .....أريد أن أكمل ...
ولكن هو من تلقفها مني ...هذه الكلمة العظيمة كأنه كان ينتظرها
ونطقها ..وأكملها وأشهد أن محمدا رسول الله ...
غشاوة حول عيني ..لم أعد أراه ..خيم الصمت وأنا أصارع حزني..
ولكن صوته تجلجل بكلمة التوحيد أصبح صوته المودع للروح ....
أقوى من صوتي الذي مازال يلتحف بروحي ....
لا أعرف في تلك اللحظات هل روحي التي انتزعت أم روحه ..في لحظات الاحتضار
التي عشتها معه وشهدت لحظاتها المرة ..
ورأيت الألم شديد ....والكرب عظيم ...
نظرت الى المكان الذي ينظر اليه ...وكأن لسان حالي يقول بالله عليكم رفقا
بروحه ..بل بروحي التي تحملونها ..
لا أعرف هل أعزي نفسي بفقدي عزيزا كان جبلا في نظري..
وتاريخا مضى من حياتي أم أهنئها على نطقه لكلمة التوحيد ..
التي شعرت برجفة في جسدي عندما جلجل صوته المكان بها.. وكانت آخر كلامه ..
هنا سمعت خطوات من خلفي ..انتهت صلاة الجمعة , وحمل العزيز على عجل الى
المستشفى ولكنه كان قد أسلم الروح على كلمة التوحيد ..
************************************************** ************************************
أسأل الله أن تكون روحه في عليين مع الصالحين المتقين الأبرار ,
وأن يجمعني الله به في فردوسه الأعلى .
بعد هذا الموقف طابت نفسي وسكنت فما عادت تأسف على ما فات..
ولا تتوق لما هو آت في هذه الحياة .. فكل ما فيها زائل ..
وساعات الاحتضار آتية ..
إخواني في الله ...كنت معكم عند بوابة الموت التي تسمى الاحتضار ...سندخل
جميعا منها ربما بعد زمن قصير ...وربما بعد زمن طويل ....
فاختر !!!!!!
إما بوابة ضيقة مؤلمة ..وإما بوابة واسعة سلسة .....
فهل أعددنا العدة ....
ويتكرر الصدى في ذهني :
هل أعددنا العدة ؟؟
هل أعددنا العدة ؟؟
هل أعددنا العدة ؟؟
هل أعددنا العدة ؟؟