مرض نادر يعاني منه 200 مريض فقط في العالم
الضوء عندما يقتل
ما إن تشرق الشمس حتى يرتسم قوس قزح على سقف غرفة والدي كاسي وتغمر بأشعتها دميتها المحببة لديها وهي الدب “تيدي” القابع في إحدى زوايا غرفتها المزينة بمرآة على شكل قرص الشمس فيما يرصع غطاء السرير عدد من الأقمار والنجوم.
بيد أن هذه الصورة الصباحية للشمس تخفي وراءها مأساة حقيقية بالنسبة للطفلة كاسي. فأشعة الشمس هي العدو اللدود لها، إذ مجرد أن تتعرض الطفلة لها، سيحترق جلدها وربما تفقد بصرها، الأمر الذي يضطر هذا الكائن البريء إلى البقاء في غرفتها خلال النهار تراقب العالم من خلال نافذة غرفة المعيشة.
لقد شاء القدر أن يحرم كاسي من متعة اللعب إلا في الأجواء المظلمة، حتى إن أضواء الفلورانسانت، هي بمثابة الخطر القاتل بعينه بالنسبة لها.
هذه هي باختصار، حال الطفلة كاسي التي تعاني من مرض الحساسية من الضوء أو ما يعرف علميا باسم “البرفيرية الخلقية المكونة للاحمرار”. وتعاني كاسي منذ ولادتها من هذا المرض الوراثي النادر الذي يجعل جسمها شديد الحساسية من الضوء. وتقول التقارير، إنه لم يتم الإبلاغ إلا عن 200 حالة حتى الآن على مستوى العالم. ويعود السبب في هذا الاضطراب إلى تراكم كميات كبيرة من مادة كيميائية تسمى “بورفيرين” في نقي العظام وكريات الدم الحمراء والأسنان.
في البداية لم يكن أحد يعلم بالمشكلة أو حتى باحتمال وجودها. وعندما ولدت الطفلة في عام ،2001 قامت الممرضة بوضعها تحت أضواء غرفة الحضانة، وكان ذلك كافيا لكشف جانب من المأساة، إذ سرعان ما بدت الطفلة الوليدة مصابة باليرقان وتبع ذلك مضاعفات عديدة، فتم تحويلها من مركز موانت نتتاني الطبي إلى مركز جينسر الطبي في دانفيل بولاية بنسلفانيا، حيث وضعت تحت أضواء خاصة لمعالجة اليرقان.
وتسبب ذلك في تفاقم الحالة بكل جوانبها، وتحولت حالتها من سيئ إلى أسوأ خلال الساعات العشر التالية، وبدت الطفلة وكأنها خرجت من حريق، حيث أصبح لون جلدها بين الأزرق والأحمر وارتفع معدل ضربات قلبها. وبدأ الأطباء يشكون بوجود عدوى فيروسية ولكن محاولاتهم لحل هذا اللغز باءت بالفشل.
وبعد نحو أسبوعين من المعاناة والحيرة، جاءت حروق الشمس بالجواب المفيد. وفي ذلك الوقت لاحظ أحد أخصائيي الأمراض الجلدية بعض الشبه بين احمرار جلد والد الطفلة كورت ناوف وبين حالة كاسي. وبعد إجراء الفحوصات شخص الطبيب إصابة الطفلة بمرض “البرفيرية الخلقية المكونة للاحمرار”.
ونقلت الطفلة إلى منزل والديها وقد بات جسمها مكسوا بالبثور القرمزية اللون التي سرعان ما جفت وتحولت إلى ندوب حمراء. لقد علم الوالدان العدو اللدود لطفلتهما، ولذلك اطمأنا نوعاً ما إلى أن طفلتهما لن تتعرض للأذى. وصار هم الوالدين هو عدم السماح لأشعة الشمس بالتسلل من بين الستائر إلى داخل الغرفة التي تتواجد فيها الطفلة.
وهكذا عاد الوالد والأم بريندا والبنت الكبرى كيلي، إلى الاعتماد على ضوء الشموع وبعض الأضواء الخفيفة التي تعمل على البطارية، مما حول عين الظهيرة إلى هزيع من الليل.
ونظرا لندرة هذا المرض لم يستطع الأطباء تزويد عائلة كاسي بالمعلومات الكافية عن هذا الاضطراب. وبعد لأيٍ، توصلت العائلة إلى عدة مصادر للمعلومات، طبيب في سان فرانسيسكو، وآخر في كونيكتيكت وباحث في بوسطن. وعلمت العائلة أن هناك علاجا محتملا يتطلب عملية زرع نقي عظام، كما اكتشفت أنها ليست العائلة الوحيدة التي تعاني من هذه المأساة.
ومن خلال طبيب كونيكتيكت، التقت عائلة كاسي مع عائلتين أخريين تعانيان من نفس المشكلة، والأهم من ذلك أنها اكتشفت أن الأضواء بقوة 40 واطاً آمنة ولا تضر الطفلة المريضة، وبالتالي لم تعد العائلة مضطرة للعيش في الكهف.
وهكذا انبعث الأمل في نفوس أفراد العائلة. وعندما لم يتم تعثر اختبارات مطابقة الأنسجة على أي متبرع مناسب من العائلة، قام الوالدان بتسجيل طفلتهما في البرنامج العالمي للتبرع بالخلايا الجذعية وخلايا نقي العظام. بيد أن المشكلة لا تنتظر، فندوب كاسي لم تنمُ مع بقية أنسجة جسمها، مما قد يؤدي إلى تشوه أطرافها وجذعها حتى إن إبهامها قد تشوهت، واقترح أحد الأطباء في فيلاديلفيا بتر إحدى الأصابع لإنقاذ الإبهام. واقترح أحد أصدقاء العائلة نقل الطفلة إلى مركز مستشفى ليهي فالي لعلاج الحروق. وهناك وافق أحد الجراحين على إجراء عملية ترميم من دون أن يضطر إلى بتر أي إصبع.
ومن وراء زجاج نافذة غرفة المعيشة المصبوغ بمادة تحجب الأشعة فوق البنفسجية شأنها كجميع الطاقات والمنافذ في البيت، تجلس كاسي تلوح إلى عامل النظافة الذي يمر من أمامها كل يوم ملوحا بيد ومرسلا لها قبلاته. وكانت تقول لنفسها إنها عندما تكبر سوف تكون إلى جانبه في الجهة الأخرى من النافذة.
ولا يزال هذا الأمر حلما بالنسبة للطفلة التي يجب أن تتوارى خلف الزجاج المضاد للأشعة فوق البنفسجية، لدرجة أنها تقفز إلى غرفة المطبخ كلما فتح الباب وتسربت أشعة شمس غير مفلترة.
وقلما حاولت كاسي أن تغامر بالخروج خلال النهار. ولم تتمكن من زيارة جدتها التي تعمل في السوبرماركت المجاور. وحتى عندما كانت تذهب لمراجعة الطبيب، كان والداها يغطيانها بالقماش من رأسها حتى أخمص قدميها ويسرعان بها إلى العربة الصغيرة التي تم تجهيزها بتقنيات تحميها من أشعة الشمس. وكان أحد التجار قد تكفل بتمويل العربة الصغيرة ذات النافذة الخلفية المصبوغة بمادة تحجب الأشعة فوق البنفسجية والتلفزيون ومشغل أشرطة الأفلام والحاجز الخاص الذي يفصل الجزء الخلفي عن قمرة القيادة والزجاج الأمامي.
لقد منحت العربة الصغيرة بعض الحرية للطفلة، إذ بات بإمكانها مراقبة الاستعراضات عبر الزجاج المطلي، ولا تخرج منها إلا بعد مغيب الشمس.
بيد أن أكثر ما يزعج الطفلة الندوب التي تعيق نمو أصابعها، الأمر الذي اضطر المعالجين إلى القيام بزيارتها أسبوعيا، لمعالجة تعثرها في الكلام، بشكل خاص، والناجم عن وجود الندوب في وجهها.
وقد تكون المدرسة هي المخرج الوحيد من هذه العزلة. ولكن كي تتمكن الطفلة من الذهاب إلى المدرسة فإنها ستحتاج إلى بضعة أشياء منها غرفة صف ذات نوافذ زجاجية مطلية بمادة تحجب الأشعة فوق البنفسجية، وأضواء خافتة، ولباس مصنوع من المادة التي تصنع منها بذات رواد الفضاء.
وربما يخفف من وطأة هذه المأساة، التفاف أهل البلدة حول العائلة. فهناك سيدة من ميريلاند، تعمل من خلال مؤسسة خيرية تساعد الأطفال الذين يعانون من أمراض وراثية، على حياكة لباسين خاصين لحماية كاسي من الضوء، مما قد يسمح لها بالخروج أثناء فترات الاستراحة في المدرسة. وهناك تحديات أخرى بالنسبة لكاسي. إذ تحتاج أثناء المشي إلى شخص يمسك بيدها كي لا تسقط على الأرض. ومع تقدم الطفلة في العمر، سوف تحتاج إلى عدد أكبر من العمليات الجراحية لمعالجة الندوب، وهذه العمليات ستنتج بدورها ندوبا جديدة. فقد أصبحت ساقها اليمنى، نتيجة هذه الندوب، التي هي عبارة عن أنسجة لا تستطيع النمو كبقية أنسجة الجسم، أقصر قليلا من الساق اليسرى، ولذلك سوف تخضع الطفلة لعملية تطويل الساق.
وهناك الكثير من الأشياء التي لا تزال غامضة. فمن دون عملية زراعة نقي عظام، قد تتمكن سالي من العيش إلى منتصف العمر، أو قد لا تسمح الأضرار التي تتعرض لها أعضاؤها الداخلية، ببلوغ هذه المرحلة العمرية. لا أحد يعلم، كيف يمكن أن تنتهي الأمور ما لم يتوفر المتبرع المناسب.
مــنــقــــــــــول ......