ركب رجل إلى القطار ومعه أطفاله الصغار وما إن جلسوا على كراسيهم حتى خيم هدوء شديد ... قطعه صوت محركات القطار الذي انطلق سريعا نحو المحطة التالية ...غالب من في المقطورة من الكبار ...هذا يقرأ الصحيفة ..وذاك ينظر عبر النافذة وآخر يدون مذكراته ...وبينما القطار يسير نحو هدفه بدأ الأطفال يلعبون فيما بينهم وأخذوا يتراكضون ذهاباً وإياباً ...بل صاروا يتراشقون ببعض الكرات الصغيرة التي أحضروها معهم من متجر الألعاب ...وسادت الضوضاء المكان ...وبدء الناس بالتذمر ...ولكن أحدهم وهو الذي كان يجلس قرب النافذة مقابل كرسي والد الأطفال كان أشد الناس انزعاجاً من هذه الضوضاء والفوضى التي عمت المقطورة ...ولقد زاد غضبه حينما كان يوجه أنظار العتب لوالد الأطفال لعله يوقفهم ولكنه ... لم يكترث ... بل ظل صامتاً يراقب أبناءه ويتأملهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً يثير الانزعاج .
وماهي إلا ساعة مضت ...ثم انفجر الرجل في وجه والد الأطفال وأطلق عليه زخات من رصاص التقريع ...قائلا :الا تخجل من نفسك ...هل فقدت الإحساس بالناس...هل تعتقد أنك تملك القطار بمن فيه ...الا ترى ما يفعل أبناؤك قليلي الذوق والحياء وعديمي التربية ...فأجاب الرجل بهدوء غريب وصوت متهدج ونبرة حزينة ...عفوا أنا أعتذر ولكنني لم أكن أرى شيئاً من حولي ...لقد كنت في عالم آخر ...لقد كنت أفكر كيف سأبلغ أطفالي الصغار ...أن أمهم قد ماتت قبل ساعات في المستشفى بعد صراع طويل مع المرض ...نزل الجواب كالصاعقة على الرجل ..طأطأ رأسه خجلاً ...واغرورقت عيناه بالدموع ..وقال :أنا من يعتذر ياسيدي بسبب تسرعي وقلة تهذيبي .
أخواني الكرام ... ترى كم مرة تسرعنا واسأنا للآخرين دون وجه حق ؟