إن الخلط بين الوهم و الحقيقة بحد ذاته أخطر أنواع الانخداع على الإنسان , فالوهم إن أصبح داخل النفس حقيقة يُبنى عليه ؛كانت النتائج المترتبة على هذا البناء دماراً عليه و على عقله .
فانخداعه بالوهم و تصوره له على أنه حقيقة ثم بناء علاقته مع نفسه على أساس هذا الوهم، يكون ابتداءً قد أخرج نفسه من دائرة عدالته مع نفسه بانصافه لها .
و يظهر الغرور بالصورة الأوضح اذا كانت علاقته مع الغير على أساس توهمه بأن يرى نفسه بغير حقيقتها فحينئذ يظهر غروره و كبره بغمصه للناس و عدم قبوله الحقّ ممن دونه فهو الجبار الجواظ المتكبر . أخرج أحمد ( الكِبّر سِفه الحق و ازدراء وراء الناس ) و في رواية ( فلا يراهم شيئا) في الصحيحين عن حارثة ابن وهب عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ( ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لا يرده , ألا اخبركم بأهل النار كل عُتُل جواظٍ مستكبر )
وفي المسند عن أنس قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أما أهل الجنة فكل ضعيف مستضعف أشعث ذي طمرين لو أقسم على الله لا يرده , و أما أهل النار فكل جعظري جواظٍ جماع مناع ذي تبع)
إذا كانت علاقته مع ربه على أساس توهمه كانت الطامة الكبرى عليه حين لا ينفع الندم فحاله كما أخبر ربنا (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً.يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً)(الفرقان:27-29)
أما تأثير العامل الخارجي : فلا يمكن أن يكون له أثر يذكر إذا لم يكن له أساسٌ يستند عليه داخلياً أو بعبارةٍ أوضح لا يظهر تأثير العامل الخارجي إلا إذا توافق مع هوى النفس و وجد له صدىً داخلياً يوافقه و عليه فيمكن تعريف الغرور في هذا المقام على أنه ( سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ) .
وعند ذلك يكون الخلْط و اللبس في عدم التفريق أو الانخداع بين الوسيلة و الغاية و هذا مدخل إبليس .