قصتي
معاناة وألم 00 شكر واعتراف
أخي الحبيب تعال معي وعش معاناتي لدقائق معدودة
فقد قلبت صفحات الماضي لحياتي وأردت أن أطلعك على شيء منها لعلك تجد فيها درساً أو فائدةً
وإن عُدمت هذا أو ذاك فلن تخسر شيئا 00
في لحظة صمت وفي منتصف الليل أمسكت بقلمي ليخط لك معاناتي 000
احترت كثيراً من أين أبدأ ؟ وكيف ؟
تلعثم لساني وتسارعت أنفاسي 00 ولا عجب لأني سأحدثك عن جرح طال بقاؤه وغار في الأعماق 00 ذكريات أتجرع معها مرارة الألم 000
حينها أعجز عن رسم كل معاناتي لكن حسبي ما يجود به قلمي 00
في ظل أسرتي تربيت 00 أسرة متدينة 00 وبيت علم 00 يحفني الحب والاحترام ممن حولي 00 كانت بصمات والدي في دنياي ظاهرة فكم كان يرشدني إلى السبق في الطاعات 00 والخلق الكريم وحب الخير للآخرين 00 والتنافس في العلم00 كان له فضل كبير في دعم مسيرتي العلمية
( فلا حرمك الله الأجر والدي )
دراستي ظهر فيها تميزي مبكراً على زملائي وأقراني00 خضت غمار مراحل الدراسة وكلي عزيمة وحرص 0
سارت عجلة الحياة بهدوء وطموحي يزداد وأملي يكبر 00 متطلع لمستقبلٍ مشرق 00 حتى وصلت المرحلة الجامعية وبعد تخرجي سجلت لإكمال دراستي وعلى مشارف تلك السنة وبانتهائها الذي نلت فيه التفوق على زملائي أخذت أدفع ثمن هذا التميز فبدأت قصة معاناتي واشتعلت آلام فؤادي فتوقفت عن دراستي بحثاً عن زورق النجاة ولكن وللأسف لم أعثر عليه لذا أقنعت نفسي بأن ما أعاني منه هو الوهم00 فالتحقت مباشرة بوظيفتي في سلك التعليم
أخلصت في عملي حتى وصلت القمة كنت شعلة نشاط وأثنى علي الجميع 00 ربطتني علاقات حميمة مع زملائي وأصدقائي 00 أحببت تلك الوظيفة من كل قلبي بل عشقتها حتى مع أنين الألم وزفرات الهم وآهات القلب00 مضت الشهور وانقضت السنون ثلاث خمس بل ثمان سنين آهٍ وألفِ آهٍ على تلك السنين مضت وأنا أصارع المرض 00 حرقة تلتهب بين جوانحي كنت أتألم دوماً وأتساءل ما الذي يؤلمني ؟؟ وأبكي ودموعي مأسورة في قلبي لأني أجهل أسباب جراحي !!! ازدادت ألامي وأحاطت بي أسوار الحزن ولفني اليأس ومزق الرعب قلبي 00
عجلة الحياة لازالت في المسير لم تتوقف وكذا هو الجرح لم يزل ينزف بل ازداد حتى أصبحت أيامي كلها كسل وخمول عناء وأسى 0
ضقت ذرعاً من عملي فلا الوقوف داخل ذاك الصرح أراحني ولا الجلوس خفف معاناتي 0
اضطُررتُ كثيراً للخروج من عملي مما دعاني إلى ترك وظيفتي 00 فابتعدت عن زملائي قطعت كل صلة بهم انتابني الكره لأسرتي وأقربائي 00
كنت أسيرَ الحسد والوهم دون أن أشعر00
أوهمني الشيطان أني مصاب بمرض السرطان "عافاني الله وإياكم منه" وأصبحت أرى على جسدي خيال ذاك المرض أورام لا يراها سواي تزداد يوماً بعد يوم منتشرة في أنحاء جسدي 00 بدأ القلق ينهش نفسي فخارت قواي ووهنت صحتي وشحب وجهي واعتلته الكآبة وفارق النوم عيني وأصبحت أرزح تحت آلام رهيبة حتى صار الصبح ظلاما حالكا ومرت تلك الأيام وهي جراح مؤلمة 00 ( وحسبي الله ونعم الوكيل )0
كنت كثيراً ما ألقي النظر بعيدا00 وأتساءل متى وكيف ستنتهي معاناتي ؟؟ وما المخرج منها ؟ فأنا لم أُطلع أحداً عليها لأني لا أحب نظرات الشفقة والرحمة 00 والأسئلة تحرجني ! مللت وأنا أعاني الألم وحدي
يا ترى مَن ومَن سيُنهي معاناتي بعد الله تعالى ؟
لكن لا يلبث صدى صوتي يرتد حائراً لا يجد جواباً !!
الطب الحديث قد آمنت وتيقنت بفشله
لكثرة ما يلامس مسمعي من قصص يتفطر القلب لها كمداً وحسرة لنهاياتها المؤلمة والسر وراءها أخطاء وتجاوزات لا محاسب لها ولا رقيب 0
ولهذا تشعبت بي طرق العلاج وحملت نفسي مالا تطيق بتناول علاجات الطب الشعبي والذي كان له حظ وافر عندي 00وكذا الحجامة فقد تداويت بها عدة مرات ليس هذا فحسب بل اتبعت برامج غذائية قاسية كثيرة وكثيرة جداً استلهمتها من أطباء عن طريق شبكة المعلومات 00 كل ذلك لأجل الخلاص مما أنا فيه ولكن دون جدوى بل كان وزني ضحيتها الأولى 00 وهنا أخي دعني أذكر لك شيئا مما اتبعته من برامج على سبيل المثال لا الحصر :
هل سمعت يوماً بالتداوي بالعنب ؟ ذاك هو برنامج طبي طبيعي أول من خاض تجربته (باسيلى شاكلتون) ويتطلب هذا العيش على العنب والماء فقط والامتناع عن تناول أي طعام آخر 00 أردت القيام به فعشت زهاء ثلاثين يوماً لا يدخل جوفي غير العنب عانيت كثيراً وخصوصاً أمام موائد تحوي أصنافاً من الطعام حتى اشمأزت نفسي من طعامي الوحيد وكرهت حياتي 0
وكذا هو ماء زمزم لم أغفل عنه وكلنا يدرك بركة هذا الماء 00 ما فعلته هو محاولة البقاء عليه وحده فقط لكني ما استطعت الصبر ولا المقاومة ووالله لن أنسى تلك الأيام ما حييت فقد كدت أهلك وأدفع حياتي ثمناً لجهلي0
ولم تنتهي رحلة علاجي بهذا بل طبقت أيضاً برنامجاً خاصاً بنظرية الغذاء الميزان00
هذا سوى برامج آخرى تضمنت العسل والحبة السوداء والثوم وغيرها 0
وقبل هذا كله حرمت نفسي من طيبات الحياة فلا أطعمة مصنعة ولا شراب ولا لحوم ولا خضار 00 وبقيت على الخبز الأسمر والأرز فقط
يالها من برامج قاسية كنت أعتقد أنها ستضع حداً لآلامي !!
يا ليت شعري كيف النجاة ؟؟
أبكي ومن يرحم بكائي ؟؟ لم يكن البكاء حلاً للعناء الذي أعيشه00
عشت في أفقٍ مظلم وأصبح الليل هو من يشاطرني همومي وقلمي هو من يرافقني
انقطع الرجاء وأغلقت الأبواب وأوصدت في وجهي لحظتها خاطبت نفسي قائلاً :
اصبري يا نفسُ لا تجزعي امض ِفلن تنهزمي أمامك باب لم ولن يغلق في وجهك ولو أكثرتي السؤال 00 باب مَن ؟ إنه باب السماء 00 باب أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
لا تسألنَّ بُني أدمَ حاجة **** وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ
اللهُ يغضبُ إن تركتَ سؤاله **** وإذا سألت بُني ادمَ يغضبُ
فلجأت إليه سبحانه طارق بابه واقف بين يديه في كل ليلةٍ حين ينزل الرب تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير فيقول : ( هل من سائلٍ فأعطيه هل من داعٍ فأستجيب له هل من تائبٍ فأتوب عليه هل من مستغفرٍ فأغفر له حتى يطلع الفجر )
فأرفع اكفي مناجياً ربي 00 مولاي 00 خالقي 00 مجيب المضطر إلهي ضاقت علي الأرض بما رحبت واشتد الكرب00 يا ملاذ الخائفين من لي سواك ؟ أنت حسبي ونعم الوكيل
إلهي بعزتك ائذن لي بالفرج فأنا عبدك الضعيف الذليل 00 اجبر كسري وقلوب المنكسرين
( مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين )
حينها أشعر بلذة المناجاة وأحس بسكينة واستقرار يغمران قلبي
أتدري لمَ ذاك يا أخي ؟ لأني أناجي من وعد بأن يجيب دعوة الداع إذا دعاه00 يجيب المضطر ويكشف السوء
فالدعاء هو العبادة 00 عبادة يصحبها لذة وراحة 00 طمأنينة واستقرار 00
جاهدت نفسي وعاهدتها أن أبقى على هذا 00 صلاة ليلٍ وصيام 00 صدقة ودعاء وتلاوة قرآن 00 صبرت واتخذت الصبر مركباً لي في بحر تلاطمت أمواجه حتى ساق إلي القدر رسالة على هاتفي من شقيقي 00
أي رسالة تلك ؟ وأي شي كانت تحوي ؟
هي لا تحوي الكثير في الحس لكنه الكثير في المعنى 00 تحمل سبب نجاتي بعد الله تعالى كانت تحمل في طياتها رقماً هاتفياً لأحد الرقاة
تلك لحظات سايرني فيها الخوف والتف حولي والسبب أنه لم يخطر ببالي يوماً من الأيام طرق باب الرقية والرقاة ( ولله الحكمة البالغة )
وبعد تلك الرسالة سرعان مازالت الغشاوة عن عيني واستيقظت من غفلتي 00 فيا الله ما أعظمها من لحظات ؟!
حينها تناولت هاتفي وشرعت بالاتصال بالشيخ والارتباك يلفني00 نعم اتصلت به فشنف مسمعي ذاك الصوت الحسن 00 نبرته كلها صدق ويقين فاستأذنته في طرح شكواي ففتح بوابة قلبه وأصغى لي سمعه فسمع حتى النهاية ولخبرته الطويلة أدرك حالي واستوعب مشكلتي مباشرة وكشف لي حقيقة أمري وأوضح لي سبب معاناتي الذي كنت أجهله طوال تلك السنين 00 أفاض علي- بارك الله في عمره - من توجيهاته وإرشاداته لأجل تخطي تلك المرحلة من حياتي وألح علي بضرورة الرقية00 ولضيق وقته أحالني إلى أحد الرقاة توجهت إلى ذاك الراقي ولبثت معه مدة ولكن لم يكتب الله على يديه الشفاء ومرت الأشهر وأنا بين راقٍ وآخر فضلاً عمن استشرتهم عن طريق الهاتف لكن غموض حالي أعجزهم عن فهمها حتى رأيت في أعين بعضهم اليأس ولم أزل أشكو حالي بل ازدادت معاناتي فبقيت أسابيع دون رقية 00 أخذتْ مني الحيرة كل مأخذ وعصفت بي الشكوك والوساوس وزاد تسلط الشيطان علي للحيلولة دون الرقية والتقنيط من الشفاء والإيحاء بالأفكار الكفرية 0
ثم شاء الله تعالى أن أعود من حيث أتيت00 فرجعت إلى شيخي حاملاًً بين أضلعي كتلة من الحزن واليأس فما كان منه إلا أن قال لي : أعلم أن الله على كل شيء قدير00 أخي : أعني على نفسك بكثرة الدعاء00 ولسان حاله أيضاً يقول : لملم جرحك وانظر بعين الأمل 00 أنا لا أملك دفع الأجل لكني ابذل سبباً لرفع الضرر
مابين غمضة عين وانتباهتها 00 يغيرُ الله من حالٍ إلى حال
كانت تلك الكلمات بحق هي بارقة أمل أشرقت الدنيا معها وسبباً- بعد الله- في انقشاع سحائب الهم 0
أكرمني شيخي بعدة جلسات طويلة تحسنت معها حالي وتعافى جسدي وتغير مسار حياتي 00 أخبرني أن ما أعاني منه هو مرضاً روحياً سببه - والله اعلم - الحسد والذي بدوره سبّب مرضاً نفسياً من خلال وسوسة الشيطان والأوهام التي يلقيها ولم يكن مرضا عضويا البتة 00 كتب الله لي على يديه الشفاء والخلاص من البلاء الذي ظللت أحلم بتحققه طوال تلك الفترة الهامة من عمري – ولله الحمد – بُتُّ أنام وأنا قرير العين فلا قلق ولا أرق بل حتى الصداع والدوار والألم لم اعد أحس به - الذي وربي ما كنت أظن أن وراءه مرضاً روحياً - وعدت إلى الحياة ونفسي قد امتلأت بروح التفاؤل 0
رأيت الشيخ وما أدراك مَن الشيخ ؟ إنه الشيخ أبا فيصل
رأيته صاحب همةٍ عالية ونفس تواقة للمعالي 00 جبلاً أشما ورمزاً للإخلاص والاحتساب نذر نفسه ووقته لله تعالى00 وهبه الله هيبة دون كبر وليناً دون ضعف وحجة وطلاقة في اللسان وفراسة والله قلّ نظيرها 00ذاك شيخ حمل بين جنبيه روحاً تعانق السماء في البذل والعطاء استحق الرجولة عن جدارة واقتدار00هو ممن لا يرجون ديناراً ولا درهماً - وهم قلة في هذا الزمن – ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )
ولله درك شيخي ما لمثلي أن يتحدث عن مثلك00 لكنها كلمات أبت إلا أن أسطرها ودموعي حرّى اعترافاً بالجميل ورداً لبعض الحق0
ووالله لقد أخجلتني كثيراً حين أحطتني بسياجٍ من العناية والرحمة والعطف
00ما أجمل الأخلاق حينما نراها واقعاً عملياً 00كم من مهموم فرجت عنه ومكروب نفست عنه 00 فليهنك بذل المعروف شيخي أبا فيصل واعلم أن لك دعوات ترفع في كل ليلة أرجو أن تفتح لها أبواب السماء 00
رفع الله درجتك في عليين وفتح لك أبواباً من فيض علمه ورحمته وأقرّ عينك بما تأمل وأكرمك بعيش السعداء وميتة الشهداء وثبتك على الحق حتى تلقاه 0
وتلك هي قصتي أهديها لك شيخي مع تحية إجلالٍ وإكبار
لك الحمد الهي أولاً وآخراً
إشراقة : أخي المريض بسطت قصتي بين يديك لأذكرك بأن النصر مع الصبر وأن الليل يعقبه فجر وضياء ولا يغلب عسرٌ يسرين
إذا ضاقت بك الدنيا *** ففكر في ألم نشرح
فعسر بين يسرين *** إذا تذكرهما تفرح
فعليك بالصبر والاحتساب والرضا بالقضاء ولا تغفل عن الدعاء فهو سلاح المؤمن وحسبك هذه البشرى ففي الحديث (يقول الله تعالى:أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني )
وتأمل رد شيخي حينما شكوت له حالي قائلاً : أعلم أن الله على كل شيء قدير00
أخي الزم طاعة مولاك ولتعلم أن أهل البلاء حقيقة هم أهل المعاصي وإن عوفيت أبدانهم ، وأهل العافية هم أهل الطاعة وإن مرضت أبدانهم 0
أسال الله العظيم أن يمنَّ على الجميع بسلامة القلوب والأبدان 0