هل تقيم مع زوجها في الغرب أم ترجع لبلدها حفاظاً على دينها
أنا متزوجة ، وزوجي يعمل في أمريكا ، فسافرت إليه هناك ، وأول ما دخلت هذه البلاد تحطمت نفسيتي ، ولم أعد أحتمل العيش هنا ، وأنا دائماً في البيت ، لا أهل ، ولا أقارب ، ولا أصحاب ، ولا عرف أحداً هنا ـ من أهل ديننا حتى نخالطه !! فقط نعيش أنا وزوجي وأمه ، أحس كأنني في عالم آخر ، أو أنني في كهف منقطع عن العالم ، وقد أثَّر هذا الوضع على ديني ، فأصبحت لا أقوم الليل ، ولا أصوم النهار ، وحتى إني أصبحت أبحث عن أي شيء لأرفِّه عن نفسي ، فصرت أبحث – للأسف - عن مواقع الجنس ! وصور ! وغير ذلك ، والله المستعان ، اللهم اغفر لي . وأصبحت أضعف إيمانيّاً أكثر ، وأكثر ، علماً أنني كنت داعية في بلدي ، لذلك قررت الرجوع لبلدي ، وأرفع شعار " إني مهاجر إلى ربي " ؛ لأني أريد الرجوع لصديقاتي الصالحات ، وبيئتي الملتزمة ، كي أرجع إلى الله ، وأريد أن أذهب عمرة أيضاً عندما أرجع لبلدي ، ومنها أكمل دراستي ؛ لأنه بقي فصلان وأتخرج ، ولكن السبب الأساسي لسفري : الدِّين . فسؤالي لك - فضيلة الشيخ - هل تشجعني على ذلك ؟ فأنا سأبعد عن زوجي بهذه الحال قريب الستة أشهر ، وقد سألت زوجي هل تصبر ستة أشهر ؟ قال : نعم ، علماً أن شهوته قوية جدّاً ، وأنا لا أريد أن أكسب إثماً ، مع أني أخاف إذا بقيت هنا أن أضعف إيمانيّاً أكثر ، والله المستعان .
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن ييسر لك ولزوجك الخير ، وأن يهديكما لما فيه رضاه ، ونشكر لك ثقتك بنا ، ونشكر لك حرصك على زوجك وعلى نفسك ، وهذا يدل – إن شاء الله – على صدقٍ في الاستقامة ، ونسأل الله أن يثبتكم ، وأن يزيدكم من فضله .
ثانياً :
يجب عليكِ التوبة الصادقة من المعاصي التي اقترفتيها في بلاد الكفر ، من تصفُّح لمواقع جنسيةٍ ، والنظر إلى عورات الرجال والنساء ، وهذه الأفعال من كبائر الذنوب ؛ لأن ما يحدث في تلك الأفلام ، وما يُصوَّر في تلك الصور هو الزنا ، واللواط ، والسحاق ، بل ومعاشرة البهائم ! وهذا من انتكاس الفطرة عند أولئك القوم .
والنظرُ إلى تلك الصور والأفلام نوع من المشاركة فيها ، بإطلاق البصر فيما حرم الله تعالى من العورات التي يهتكها هؤلاء الفجار ، ثم أثره في القلب : بتفريق شمله ، وإمراضه ، وشغله بالشهوات ، وحجب سبل الخير عنه ، مما لا يخفى على من كان له قلب ونصح لنفسه.
فالتوبة الصادقة تقتضي منك : الاستغفار باللسان ، والإقلاع عن المداومة في النظر إلى تلك المنكرات ، وتقتضي الندم القلبي ، والعزم على عدم العودة إلى هذه المعاصي والآثام .
ثالثاً :
والحل الجذري لقضيتكِ أمره سهل ، وهو أن يترك زوجك العمل في تلك البلاد الكافرة ، وهو ليس أمراً اختياريّاً له ، بل هو واجب شرعي ، ويحرم على المسلم الذهاب إلى مثل تلك البلاد لغير ضرورة العلاج ، أو التجارة ، أو الدعوة ، وحتى أصحاب الضرورات فإنه لا بدَّ من توفر شروط في حقهم : كالعلم الذي يمنعهم من الوقوع في الشبهات ، وكالعفاف الذي يمنعهم من الوقوع في الشهوات ، وعلى أن يرجعوا لبلاد الإسلام فور انتهاء ضرورتهم .
وليس العمل في تلك البلاد من الضرورات التي تبيح لأحدٍ أن يقيم في تلك الديار ، وليست الدراسة التي تتوفر في بلاد المسلمين من تلك الضرورات .
لذا فيجب على زوجك أن يحمل الشعار الذي ارتضيتيه لنفسك ، وهو أن يهاجر بدينه إلى ربه تعالى ، ولم يعد خافياً على أحدٍ ما في تلك الديار من شهوات تقضي على الخلق القويم ، وتنكِّس الفطرة السوية ، وانظري في حالكِ كيف كنتِ وكيف صرتِ ، فإذا كان هذا هو حالك وأنت في البيت ، فكيف سيكون الحال عندما تواجهين الفتن في تلك الديار سماعاً ومشاهدة وملامسة ؟! .
رابعاً :
وإذا لم يقتنع زوجك بهذا الحكم ، أو رضي ولكنه أجلَّه لفترة محددة : فإننا نبقى أمام مشكلتك وإياه ، هل تبقين عنده معرِّضة نفسك للفتن والشهوات ونقصان الدِّين مع المحافظة على عفافه وتصريف شهوته بالحلال ، أم ترجعين لبلاد المسلمين إنقاذاً لنفسك من الفتن والشهوات ، مع احتمال تعرض زوجك لفتنة الشهوة ؟
إن الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً تقريره ، ولكننا لسنا أمام شكوى من زوجك لحاله ، وإنما نحن أمام واقعكِ الذي علمناه منكِ ، وأنتِ الذي يطلب المشورة والإنقاذ ، وأنتِ الذي نعلم ما عاناه وما يمكن أن يعانيه في حال بقائه في تلك الديار ، لذا فإننا نقول لك :
1. الخيار الأسلم للطرفين : هو البقاء مع زوجك إن كانت مدته قريبة الانتهاء ، أو أنه قرر المغادرة بعد فترة من الزمان ، وبقاؤك معه مشروط بشرط بالغ الأهمية ، وهو أن تلتزمي الاستقامة في تلك البلاد في بيت الزوجية ، وأن تغيري من نظرتك لنفسك وأنك تعيشين في كهف منعزل عن الناس ، وتبدئين بالعمل الجاد للإسلام والمسلمين ، نعم ، نريدك أن تستمري داعية للإسلام ، والناس هناك أحوج لدعوتك من الناس في بلادك ، فهم بين كافر يحتاج من ينقذه من النيران ، وبين مسلم ضيَّع هويته واستقامته إلا من رحم الله .
نريدك داعية إلى الله في مواقع الإنترنت كاتبة ، وموجهة ، وواعظة لبنات جنسك ، ونريدك منطلقة في التعليم لهن عبر برنامج " البال توك " في الغرف الخاصة بالنساء ، ونريدك مع دعوتك لأولئك المحتاجين لكِ أن تطلبي العلم عبر الأشرطة ، والكتب ، والقنوات العلمية الموثوقة .
واعلمي أنك إن عشتِ للإسلام ، وإن عشتِ لدعوة المحتاجين لدعوتك : فلن تكوني منعزلة عن العالَم ، ولن تكوني في كهفٍ منقطع ، بل ستكونين بين صديقاتك ، وأهلك ، وبين المحتاجين للدعوة والتعليم .
وإننا لنجزم أنك لن تَجِدي الوقت للقيام ببعض المباحات إن التزمتِ ما قلناه لك ، فضلاً أن تجدي الوقت للنظر في الحرام وسماعه ، فأين هو الوقت الذي يجده الداعية للقيام بما أوجبه الله تعالى عليه من التعلم والتعليم والدعوة إلى إليه تعالى ؟! إن الوقت لو كان يُشترى لاشتراه العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله لضيق وقتهم عن القيام بمثل تلك الواجبات .
2. والخيار الثاني : هو الرجوع الفوري لبلادك ، هروباً من بيئة الفتن ، ورجوعاً إلى بلاد الإسلام والمسلمين .
لكننا سنصارحك بما في قلوبنا من باب النصح الواجب علينا تجاهك ، وهذه المصارحة تقتضي منك الاعتراف بحقيقة الحال التي ستكونين عليها عند رجوعك لبلادك ، فاسمعي منا يا أختنا :
أنتِ قد اعتدت تصفح المواقع المحرمة ، والنظر إلى الصور القبيحة ، والعورات المكشوفة ؛ هذا كله وأنت في بيتك ، وبوجود زوجك وأم زوجك في بيت الزوجية في بلاد الكفر ، وأنتِ الآن تريدين الفرار من ذلك إلى بلدك ، ومعنى ذلك أنك ستكونين في بلدك وحدك في بيتك ، فهل بقي عندك من العزم والقوة في دين الله ما يمنعك من ذلك ، حين تكونين وحدك ، بلا رقيب ولا حسيب ، بل ولا زوج يعوضك بحلال الله عما فاتك من مشاهد تلك القاذورات ؟! وبالطبع نحن نعلم أنه لا علاقة بفساد المجتمع في تلك البلاد الكافرة بما ارتكبتيه من آثام وخطايا ؛ لأنك لم تخرجي للمجتمع وتخالطيه ، بل فعلتِ ذلك وأنت منعزلة عن الناس في بيتك .
لذا فإننا نقول لك صادقين : إن دوافع ارتكابك للحرام في تلك البلاد التي يوجد فيها زوجك متوفرة بما هو أسهل منها إذا رجعتِ لبلدك وكنتِ وحدك ، لذا فإننا نشترط عليكِ للخيار الثاني : أن لا تكوني وحدك في البيت الذي تسكنين فيه ، بل لا بدَّ من سكنك مع أهلك ، أو سكن أهلك – أو بعضهم – معكِ ، ونشترط عليكِ أن تعزمي على عدم تكرار ما حدث معك سابقاً ، وأن تكوني صادقة مع نفسك في معرفة قدراتك الحقيقية ، ثم نشترط عليكِ ـ أخيرا ـ أن تكوني جادة في الرجوع إلى أحسن مما كنتِ عليه قبل سفرك لتلك الديار ، واعتيادك لتلك المعاصي والخطايا .
فإن التزمتِ بهذا الشروط : فإننا نرى أن الأفضل لك هو الخيار الثاني ، وإن كنتِ ترين ما صارحناكِ به حقيقة وواقعاً ، وأنك تخشين رجوعك للوقوع في الإثم نفسه : فاختاري الخيار الأول بشروطه .
وندع الأمر لكِ ، وليس لنا إلا النصح والتوجيه والإرشاد ، واعلمي أن اختيارنا لك لأحد الأمرين إنما هو مع تحقيق شروط كل واحد منهما ، لا بدونها .
وخلاصة الخيارين :
1. البقاء مع زوجكِ لحين انتهاء عمله ، على شرط الالتزام بترك النظر في المواقع المحرمة ، وبشرط العمل على طلب العلم والتعليم ودعوة الناس .
2. أو الرجوع لبلدك ، بالشروط السابقة نفسها .
فلا بقاء مطلقا ، ولا رجوع مطلقاً ، وإنما هو بحسب الحال الذي ستكونين عليه ، واعلمي أننا نرى أن الأفضل لك هو البقاء لحين انتهاء زوجك من عمله ، والالتزام بالشروط التي ذكرناها لك ، ونرى أن هذا الخيار بشروطه سيستفيد منه زوجك ، وأما الخيار الثاني بشروطه فإنه سيضره بسبب فقده لكِ ، وسيضرك بسبب فقدك له .
وانظري كلام الشيخ العثيمين – رحمه الله – في جواب السؤال رقم ( 3477 ) ففيه ترجيح للخيار الأول ، وهو الذي نميل إليه .
وفي جواب السؤال رقم ( 5322 ) ذِكر شروط مهمة لبعد الزوجة عن زوجها .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب