كثيرا ما نتكلم عن الحاسة السادسة او ذلك الحدس الذي نصفه بهذا التعبير
وبينما بعض العلماء يعتقد ان هذا التعبير ( مجازي ) وهو من علوم ما وراء الطبيعة ، الا ان البعض الآخر يؤكد ان لهذا تفسيرا علميا ، وان هناك مركزا مسؤولا عن هذه الحاسة في الدماغ.
لا أهدف طبعا الى تقويض الدراسات الحثيثة للعلماء الذين توصلوا بعد بحث الى تحديد مركز الناقل العصبي لهذه الحاسة في القشرة الدماغية ، ولا أنفي وجود هذا الحدس القوي في كثير من الأحيان .
الا ان دراساتهم بهذه الاثباتات العلمية تفترض بنا وتقضي علينا أن نصدق توقعاتنا أو تنبؤات غيرنا مباشرة ، وهذا يتعارض مع بعض المفاهيم الدينية ، حتى وان صَدَقَتْ بعض هذه التوقعات .
إننا نصدق أننا نبصر أشياءا ... لأننا نبصر بأعيننا
نصدّق أننا نسمع - بغض النظر عما نسمع - .... لأننا نسمع بآذاننا
لنا أنوفا مجهزة لوصول حاسة الشم لها، وندرك مذاقات الأشياء بواسطة اللسان
وندرك حاسة اللمس بالجلد ،
إذن ، عندما نصف شعورا ما بأنه ( حاسة ) - من وجهة نظر علمية - فهذا يقتضي وجود مركز في الجسم ، مسؤوليته إدراك هذا الشعور
ولا وجود لأي قناة لدى البشري لادراك ما يسمى الحاسة السادسة ، وهذا ما يجعلنا قلقين مضطربين.
إن هذا الاضطراب والتخبط الذي يحل بنا عندما تقع بعض الأفكار المتعلقة بتوقع أو تنبؤ ما في أذهاننا
سببه اختلال بيولوجي يصيب الجسم عامة ، لأن الجسم لا يملك المركز الوظيفي المسؤول عن استقبال هذه الفكرة وتصديقها ، لكي ينهي مرحلة القلق البيولوجي ، بغض النظر عن المرحلة اللاحقة وما يصاحبها احيانا من مشاعر فرحة او حزن او خيبة او الم تبعا للنتيجة التي وصلنا اليها ،
وبذلك لا شعوريا ، ننتقل الى مرحلة توظيف حواسنا الواضحة والمعروفة لمعرفة كل ما يتعلق بهذه الفكرة التي طرأت على بالنا ، ان جسمنا يحثنا على البحث عن التصديق لكي ينهي حالة الاضطراب البيولوجي الذي اصابته ...
فنبدأ رحلة البحث عن دليل نراه او نسمعه او نلمسه لتأكيد هذا الشعور .
إن هذا يؤكد على أنه من الخطأ العلمي ايضا اعتبار ان هناك حاسة سادسة لدى البشر،
ويمكننا - بدل ذلك - القول ان الناس جميعا يمتلكون ( حدسا ) وان كان بدرجات متفاوتة ....
قد نلغي مشاريع قائمة - لشعور مبهم تجاهها
أو قد نتخذ قرارات معينة لسبب لا نعرفه،
قد نتوقع شيئا سيئا قبل أن يحدث،
قد نحس باننا سنقابل شخصا ما .
من المهم جدا أن نعرف أن هناك عدة عوامل فردية شخصية تؤثر في تشكيل هذا الحدس :-
*الخبرة - ما اختبره الانسان ووصل اليه عن طريق التجربة خلال سني حياته العامرة بمختلف أنواع التجارب والمصادفات.
*شدة الحساسية والشعور - تأثير ما يمر به الانسان يختلف من شخص لآخر فهناك من يتأثر عميقا فيبقى هذا التأثير علامة له على الطريق.
*قوة الذاكرة - بحيث تبقى هذه التجارب عالقة في ذهن الانسان وشعوره بها حي ، سواء وعي هذا أم لم يعي .
*التكوين النفسي للانسان - طريقة تحليله للخبرات والشعور ، القلق النفسي والشعور بعدم الأمان الذي يدفع الانسان الى استخدام التوقعات والهواجس لمعرفة المستقبل الغامض حتى لا يُصدم به ، سرعة القراءة واستنباط الحركات والأسرار .
*التفكير المنعكس الذاتي - تركيز الإنسان تفكيره على نفسه ومراقبة تطورات نفسيته والتوترات التي تصيبها تجاه الأحداث المختلفة ، فيرتبط هذا الحدث بشعور معين لديه ، حتى ان عاوده هذا الشعور في اي مرحلة من المراحل ربط ذلك فورا بنوعية الحدث الذي حصل قبل ذلك ، وبدأت توقعاته وهواجسه حيال ما سيحدث .
ولا ننكر أن هناك اسبابا خاصة ، مثل اقتراب الإنسان من الفطرة الصحيحة ، نقاء نفسه ، صفاء ذهنه ، قوة إيمانه وارتباطه بالطبيعة ،......... كل هذا من شأنه أن يزيد من قوة الحدس لدى الإنسان ،..مثلا ، قبائل أفريقيا ، تعتمد على هذا الحدس في توقع التقلبات الجوية أو معرفة أماكن المياه في الأرض وبعض مظاهر تقلبات الطبيعة الأخرى.
أن كل ما فعله الإنسان ليفهم هذا الحدس فيستعمله شكل أوسع ، قد أدّى في الغالب الى تشويه هذا المفهوم وتلويثه بالشوائب،
فوقع في السحر والبصارة والشعوذة بينما كان يأمل أن تصبح حياته ( سلسلة من الرؤى الصادقة ) ،
أو ذهب في متابعة دراسة البارسيكولوجي على أمل أن يصبح ( ******ا ) .
وما أدّى هذا الا الى زيادة في تخبط العقل والروح وضياع البصيرة وغياب الشفافية الفكرية .