لا أعرف متى يأتي اليوم الذي يعترف فيه خبراء النفس أن الأمراض النفسية قابلة للعدوى بطريقة ما طالما ان جزء كبير منها يتعلق بالوراثة، وأن العدوى الطبية والصحية لا تحدث فقط عن طريق الجراثيم والفيروسات
بل ان العدوى النفسية أخطر بكثير ، لأنه وان كان الميكروب يحمل مرضا معينا معروف اين يستقر وما مدى تأثيره على الجسم
الا ان المرض النفسي غير معروف المدى ولا التأثير على المحيطين .
ان وجود شخص من المحيطين بك والذي يتصرف سلوكيات مرضية غريبة ، لا يمكن الا ان تؤثر بك
وتستجيب لهذا التأثير وتتغير نفسيتك ونظرتك الى الحياة ، ويعود هذا حسب العلاقة التي تربطك بهذا الشخص.
وقد ينتهي بك الأمر الى اضطرارك الى اللجوء الى ما يدعم نفسيتك ، ومنها الإدمان على سلوكيات سيئة كرد فعل لمحاولة تقبل وتجاوز ما يصدر من الغير وما هو مفروض عليك ولا تستطيع عمل أي شيء حياله ،
ثم تصبح أنت - كما هو - بحاجة الى العلاج !
يقرر بعض خبراء النفس أن الكثير من دوافع الإجرام هي دوافع نفسية ، وان كان البعض قد ذهب في ذلك الى ان العوامل النفسية لا بد وان تكون مسيطرة على كل جريمة ،
في الوقت الذي اقتنع به ان التعميم لا يمكن ان يكون صحيحا ، وان عوامل الاجرام كثيرة، وهناك من المجرمين من يعيشون حياة نفسية واجتماعية عادية – وان كانت العوامل النفسية تلعب دورا كبيرا وربما وحيدا في بعضها –
والا لتبادل - بشكل مضحك - القضاة وأطباء النفس أدوار عملهم !
اننا ان تحدثنا عن العامل النفسي المسبب للجريمة بشكل استثنائي
فإن السبب هو عقد نفسية مكبوتة ، ساهم في تكوينها التصرفات وطريقة التعامل التي اكتسبها الفرد خلال مراحل حياته ، ولا بد ان هذه التصرفات التي تسببت بحدوث هذه العقد هي من أشخاص أيضا ( غير سويين ولا متزنين نفسيا )، فاحتفظ الشخص بأعماقه بهذا المرض ، وهو شعوره بأنه لا يتصرف بطريقة صحيحة وأنّه دائم الأخطاء ومصدرا للشر ّ ، وظل حاملا له لفترة طويلة ، وكأنه قنبلة موقوتة الإنفجار
على شكل قلق نفسي مستمر ينتج عن عقدة الذنب ، يسيطر عليه ويخل بتوازنه ويدفع به الى السلوك الإجرامي - لكي يُقبض عليه ويُعاقب ، ويتخلص بالتالي من هذا الشعور ويعود اليه توازنه بين الخير والشر .
إن الإنفعالات النفسية والسلوك النفسي يوُرّث ويُكتسب
وإن كنا لا نستطيع وضع كل انفعال نفسي تحت قائمة الأمراض النفسية وإلا فإنه من غير المعقول ان نعتبر كل البشر مرضى نفسيين
لأننا معرضون الى الانفعال في مرحلة من المراحل .
وكلّ ما علينا الحذر منه هو ، الى أي مدى سيصل التفاعل معه عند غيرنا ، وان عرفنا المدى الذي وصل به لدينا ؟
إننا نستطيع ببساطة أن نجعل من أبنائنا مجرمين ،
جرّب ان تُعامل ابنك او ابنتك بشكل دائم بطريقة عصبية انفعالية ، انقل اليه سلوكك الانفعالي هذا ، وانظر بعدها الى سلوكه مع أقرانه ، الذي سيتسم بالعصبية والنزعات العدوانية ،
ولن تستطيع أن تقرّر الى أي مدى سيصل تفاعله مع سلوكك غير السويّ في التعامل معه ، وأي من ردود الأفعال سيتخذ، خلال المراحل المتقدمة في حياته ؟