الصمت الزوجى
دكتور / محمد المهدى
استشارى الطب النفسى
على عكس السيولة الكلامية التى تظهر على الطرفين فى فترة الخطوبة يظهر بعد الزواج بفترة قد تطول او تقصر ما يسمى بالصمت الزوجى و الذى قد تشتد حدته إلى الدرجة التى تجعل بعض الزوجات يطلقن عليه " الخرس الزوجى " والتعبير الأخير يحمل معنى اليأس من عودة الزوج إلى الكلام مرة أخرى و يحمل بالإضافة إلى ذلك بعض معانى العدوان والسخرية 0
و لكى نفهم ابعاد هذا الموضوع يلزمنا العودة إلى حدود وآفاق العلاقة الزوجية والتى يوجزها قوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة " ( الروم 21 ) 0 فعبارة " من أنفسكم " تذكرنا بحقيقة خلق حواء من آدم وبالتالى فهى جزء منه فى الأساس يظل يبحث عنه فى شوق إلى أن يلقاه واللقاء لا يكون سكنا إلا إذا كان فى علاقة زواج كما هو واضح من الآية ، فالزوجة سكن وطمانينة للزوج ، والعلاقة بينها وبينه تقوم على أساس المودة والرحمة ، و كلمة " بينكم " فى الآية تعنى ان المودة و الرحمة مشاعر متبادلة بين الطرفين و ليست صادرة من طرف واحد إلى الطرف الآخر ، أى أن الزوجين يقومان بواجب رعاية العلاقة بينهما بتغذيتها ( من الطرفين ) بالمودة و الرحمة 0 وحين يتوقف أحد الطرفين أو كليهما عن أداء هذا الواجب فإن علاقة السكن بينهما تهتز و تصبح مهددة بالإنهيار 0 إذن فلابد من وجود حالة تواصل مستمرة ( لفظية و غير لفظية ) لتوصيل هذه المشاعر بين الطرفين 0
و المودة فى المعاجم اللغوية تعنى الحب ، و فى المعنى الإصطلاحى يقول الدكتور عادل صادق" هى اللين والبشاشة والمؤانسة والبساطة والتواضع والصفاء والرقة والألفة والتآلف
وإظهار الميل والرغبة والإنجذاب و التعبير عن الإشتياق 0 وبما أن معانى المودة تظهر فى حالة رضا الطرفين عن بعضهما فكان ولابد أن تكون هناك مشاعر أخرى تسود فى أوقات عدم الرضا لذلك كانت الرحمة وهى تعنى التسامح والتغاضى عن الزلات والأخطاء و إحتواء الطرف الآخر في اوقات العسر والضيق 0
بعد هذا الإستطراد نعود مرة أخرى إلى مسألة الصمت الزوجى ونحاول رؤيتها بناء على القواعد السابقة وهى : السكن ، المودة ، الرحمة وأدوات التواصل اللازمة للتوصيل المتبادل لهذه المشاعر و المعانى0 حين يذكر الصمت الزوجى يتبادر إلى الذهن الكثير من المعانى السلبية مثل فتور المشاعر و الملل و الإهمال 00000 وغيرها ، ويغيب الجانب الآخر لهذا الصمت و هو الجانب الذى لايحمل هذه الرؤية التشاؤمية ، لذلك يمكن أن نقسم اسباب ودوافع الصمت الزوجى إلى قسمين :
· أسباب و دوافع إيجابية :
1- معرفة كل طرف لرأى الآخر فى كثير من الأمور نظرا لطول العشرة 0
2- النضج العقلى والعاطفى لكلا الطرفين بحيث تستخدم كلمات قليلة فى الحوار بينهما ولكنها تحمل معان و مدلولات و مشاعر أكثر عمقا وثراءا 0
3- نمو العديد من وسائل التواصل غير اللفظى مثل النظرة الودودة أو الإبتسامة الحانية أو اللمسة الرقيقة أو الحضن الدافىء أو نظرة العتاب 000000 إلخ 0
4- الإقتراب العاطفى و الروحى بين الزوجين لدرجة لم تعد تحتاج إلى تأكيدات لفظية 0
5- الإقتراب لدرجة التوحد بينهما و بالتالى فمن المنطقى أ ن لا يحتاج الإنسان ان يكلم نفسه بصوت مسموع 0
· أسباب و دوافع سلبية :
1- فتور المشاعر والذى قد يكون مؤقتا أو مزمنا حيث تنطفىء جذوة الحب وتصبح المشاعر باردة باهتة 0
2- فراغ العقل لأحد الطرفين أو كليهما بحيث لا يجد ( أو يجدا ) مادة متاحة للحديث 0
3- عدم القدرة على التعبير عن المشاعر سواء بوسائل لفظية أو غير لفظية ، أو التعبير بلغة غير مفهومة 0
4- الملل 0
5- عدم وجود مساحات مشتركة للإهتمام 0
6- تصور الرجل عن المرأة بأنها فى مستوى أدنى وبالتالى لا يجد مبررا للتحاور معها فهو يريدها لخدمته ( أو متعته ) وقتما يريد فقط 0
7- العدوان السلبى لدى أحد الطرفين أو كليهما مما يؤدى إلى ما يسمى "صمت العناد والتجاهل " 0
8- وجود حالة اكتئاب لدى أحد الطرفين ، و الإكتئاب يجعل الشخص غير راغب فى الحديث أو التواصل مع الآخرين بأى شكل 0
و حين يشعر أحد الطرفين أن صمت الطرف الآخر يزعجه أو يؤرقه عليه أن يصارحه بذلك ليعرف معنى و دوافع صمته فربما تكون إيجابية أو سلبية وفى الحالتين يتم النقاش
والتحاور للوصول إلى صيغة تفاهم تعيد سريان معانى المودة و الرحمة بين الطرفين لكى ترتوى منهما العلاقة الزوجية و تستمر و يستمر معها السكن والأمن والطمأنينة 0
__________________