رزقك يتبعك كما يتبعك الموت
قال عروة بن أذينة في ذم الطمع:
لقد علمت وخير القول أصدقـه * بأن رزقي وإن لم آت يأتينـي
أسعـى لـه فيعنيني تطلّبــه * وإن قعدت أتـاني لا يعنينــي
لا خير في طمع يدني إلى طبـع * وعقة من قوام العيش تكفينـي
وللبيت الأول حكاية تحث على استشعار اليقين، وإعلاق الأمل بالخالق دون المخلوقين، وهي أن عروة هذا وفد على هشام بن عبد الملك في جماعة من الشعراء، فلما دخل عليه عروة قال له: ألست القائل:
لقد علمت وخير القول أصدقه...الأبياتلأبيات لأبيات
وأراك قد جئت تضرب من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق! فقال له: لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الوعظ، وأذكرت ما أنسانيه الدهر، وخرج من فوره إلى راحلته فركبها، ثم نصّها نحو الحجاز.
فمكث هشام يومه غافلا عنه، فلما كان من الليل تعارَّ على فراشه، فذكره فقال: رجل من قريش قال حكمة، ووفد إليَّ اليوم، فجبّهته ورددته عن حاجته! وهو مع هذا شاعر، لا آمن ما يقول، فلما أصبح سأل عنه، فأخبر بانصرافه، قال: لا جرم، ليعلم أن الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له، فأعطاه ألفي دينار، وقال: الحق بهذا، أين أدركته فأعطه إياها.إياها.إياها.إياها.إياها.إياها.
قال فلم يدركه إلا وقد دخل بيته، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت.
[«شرح مقامات الحريري» للشريشي (1/ 463)]