المشاكــل الــزوجية
للشيخ سعد بن ناصر الشثري
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، أما بعد:
فأحييكم أيها المشاهدون الكرام بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، و بعد:
فحديثنا في هذا اليوم عن مشكلة تدخل في كثير من البيوتات، حديثنا في هذا اليوم عن المشاكل الزوجية.
يكون الرجل هانيا قانعا مستقرة نفسه ثم بعد ذلك تحدث بينه و بين زوجته خصومة فيؤدي هذا إلى اضطراب في نفسه، يؤدي هذا إلى ابتعاد للنوم عنه، يؤدي هذا إلى الأرق الذي لا يجعله يرتاح في حياته، حينئذ هذه المسألة المهمة -مسألة المشاكل الزوجية- ينبغي بنا أن نوليها عناية خاصة، لا يخلو بيت من مشكلة من المشاكل، لكن كيف نساهم في حل هذه المشاكل لتستقر بيوتنا وتستقر نفوسنا؟.
- إذا نظرنا إلى النصوص الشرعية لتأصيل هذا الموضوع تأصيلا علميا شرعيا وجدنا عددا من النصوص القرآنية و النبوية تتحدث عن هذا الموضوع، يقول الله جل و علا في كتابه العزيز: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾، و يقول جل وعلا : ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾، و يقول سبحانه: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾، خطاب للأزواج و خطاب للزوجات من أجل أن يعبدوا الله عزوجل لإصلاح بيت الأسرة ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم مخاطبا الأزواج: « لا يفرك – يعني لا يبغض – مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي منها خلقا آخر »، و يقول صلى الله عليه و سلم : « خياركم خياركم لنسائهم »، و يقول النبي صلى الله عليه و سلم : « خلقت المرأة من ضلع أعوج فإن ذهبت تقيمه كسرته ، و إن استمتعت بها استمتعت بها على عوج »، و في المقابل خطاب للزوجات بالإحسان إلى أزواجهم و التقرب لله عز وجل بذلك و طاعة الأزواج ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم : « إن المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأدت فرضها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها »، في نصوص كثيرة يخاطب النبي صلى الله عليه و سلم به الزوجات ليحسنوا العشرة مع الأزواج.
*هذه المشكلة -مشكلة ما يحدث بين الزوجين من خصومات و سوء تفاهم- ينبغي بنا أن نتعرف لشيء من مظاهرها لنكون بذلك مدركين لأثر هذه المشكلة و بالتالي نتمكن من إيجاد الحل المناسب لها.
-أول مظاهر هذه المشكلة تلك الخصومات التي تحدث بين الزوجين، يرفع صوته و ترفع صوتها، ويتكلمان في بعضهما و يحدث من سوء الكلام ما لا يتناسب أن يكون بين متحابين متوادين بينهما رحمة و تعاطف، كذلك من آثار هذه المشكلة ومظاهرها هروب بعض الأزواج من بيوتهم، تجدهم يهربون إلى الاستراحات أو يهربون إلى مواطن عامة أو إلى مقاهي أو إلى غير ذلك من المواطن و ما ذاك إلا رغبة في التخلص من هذه المسألة -مسألة المشاكل الزوجية-.
ثم بعد ذلك من مظاهر هذه المشكلة تلك الحياة المنغصة بين الزوجين لا هناء ولا سعادة و كل منهما ينفر من الآخر، و قد ينتج عن ذلك كله فرقة بين الزوجين وطلاق غير محمود العواقب، ثم يحدث كذلك بسبب هذه الخصومات والمشاكل الزوجية استباحة كل واحد من الزوجين عرض الآخر، يتكلم الزوج بمعايب الزوجة وتتكلم الزوجة بمعايب الزوج، وقد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من مثل هذا فقال: « إن من شر الناس الرجل يفضي إلى المرأة و تفضي إليه ثم ينشر سرها و تنشر سره «».
-كذلك من مظاهر و آثار هذه المسألة -مسألة المشاكل الزوجية- تدخل الآخرين بين الزوجين، هذا يتدخل وهذا يتدخل وهذا يتدخل فتكون بمثابة السفينة التي لها قُوَّادٌ كُثُرٌ كل منهم يعطي أمرا يخالف أمر الآخر فينتج غرق تلك السفينة، وحينئذ ينبغي بنا أن نتعرف على الأسباب المؤدية إلى هذه المشاكل من أجل أن نتفادها لتصلح حياتنا الأسرية وتكون العلاقة بين الزوجين على أكمل وجوهها.
*فمن الأسباب المؤدية إلى المشاكل الزوجية:
- أن الزوجين لا يراعيان في بناء بيت الزوجية مسألة التقرب لله عزوجل ، ينبغي لكل من الزوج و الزوجة أن يكون ساعيا إلى تحقيق مرضاة الله عزوجل من خلال المحافظة على بيت الزوجية ، بيت الزوجية من الأمور التي يتقرب بها العباد إلى ربهم جل و علا و لذلك فإن كل فعل يؤديه الزوج أو تؤديه الزوجة من أجل المحافظة على هذا البيت هو من القربات و أعمال الطاعات التي يؤجرون عليها متى نووا بها التقرب لله عزوجل، و لذلك ينبغي أن نراعي هذا الأمر ،الشريعة تتطلع إلى بناء الاسرة و بقائها و استمرارها و كونها سبب من أسباب السعادة ، و لذلك فإن كل فعل يؤديه الزوج أو تؤديه الزوجة أو يؤديه غيرهما يؤدي إلى استقرارالأسرة فإنه قربة من القربات التي يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم جل و علا .
- كذلك من أسباب هذه المشكلة عدم احسان الاختيار بين الزوجين ، تجد الزوج لا يحسن اختيار الزوجة ، أو أن الزوجة تقبل بمن لا يكون مناسبا لها ، هناك معايير شرعية جاءت بها الشريعة فيما يتعلق بهذا الباب من جهة رغبة كل واحد منهما في تكوين هذه الأسرة على أسس سليمة ، فالزوج يحسن به أن يختار المرأة صاحبة الديانة ، صاحبة الخلق الفاضل لتربي أبناءه على أكمل الوجوه و لتكون معه على أحسن أنماط الحياة و هكذا المرأة ينبغي بها أن لا تختار إلا من يكون مناسبا لها فيما يتعلق بأمر التدين ، ما يتعلق بأمر الأخلاق ، زوج لا أخلاق أو زوجة بلا أخلاق حينئذ يحكم على بيت الزوجية بأنه بيت مضطرب،زوج بلا دين أو زوجة بلا دين إذا دخل معا في حياة الزوجية فإن البيت لن يستقرتمام الاستقرار، و لن يهنأ الزوجان تمام الهناء ، لأنهم حينئذ كل منهما ينظر ماذا سيأخذ من الآخر بخلاف ما إذا بنوا بيت الزوجية على التقرب لله عزوجل فإنهم حينئذ يتطلعون إلى الأجر و الثواب الإلهي الذي يعطيه الله جل و علا لهم .
- كذلك من أسباب المشكل الزوجية عدم اختيار الزوجين للكلام الطيب في الحديث بينهما ، عندما تتكلم المرأة بكلام رديء أو يتكلم الرجل بكلام سيء فحينئذ سيحضر الشيطان و يلقي بينهم العداوة و لذلك قال الله عزوجل : ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾.
- كذلك من أسباب وقوع المشاكل بين الزوجين عدم احتمال كل واحد من الزوجين للأذى الحاصل من الآخر ، ما من إنسان إلا و عنده نقص ، ما من شخص إلا و لديه عيوب فإذا كان الزوجان لا يحتملان بعضهما ، فإنهم حينئذ لن يستقر و لن يهنأ في حياتهما الزوجية ، إذا كان الزوج كلما أخطأ عقبت عليه الزوجة و ذكرت عيبه ، و إذا كانت المرأة كلما أخطأت عنف عليها زوجها و ذكر معايبها عند الآخرين حينئذ لن تهنأ حياتهما و لن يكون هناك استقرار في الأسرة ، جاءت الشريعة في الترغيب في العفو عن أخطاء الآخرين و التجاوز عنها و ماذاك إلا لتستقر الحياة ، و خذ مثلا قول الله جل و علا –عن الجنة – ﴿ أعدت للمتقين ، الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين ﴾، فانظر كيف أثنى على أولئك الذين يغضون طرفهم عن معايب غيرهم و يحسنون إليهم مع إساءتهم إليهم
- كذلك من أسباب حصول المشاكل الزوجية عدم احترام المرأة لزوجها فيما يتطلع إليه من بقائها في بيت الزوجية ليتمكن من الاستمتاع بها ، فخروج المرأة بدون إذن و بدون مراعاة لحق الزوج يؤدي ذلك إلى حصول المشاكل الزوجية ، لأن الزوج إذا جاء إلى بيته يريد أن يستقر في هذا البيت و يهنأ بمرأة إذا شاهدتها عيناه سرته و كانت مثار اعجاب لديه بخلاف ما إذا كان عند قدومه للبيت يجد امرأة متعبة ، غير مرتاحة قد بذلت من أوقاتها فيما يعود عليها بالضرر و التعب، عندما تعود إلى بيتها لا تستقر و لا تهنأ لأنها غير مرتاحة في ذلك الوقت .
- كذلك من أسباب المشاكل الزوجية ظن الزوجة أنه لا حاجة لها إلى الزوج ، ذلك أنها ترى أن لديها مثلا المال ، أو ترى أن لديها القدرة و الامكانات أو الوظيفة العالية ، ثم بعد ذلك ترى أن الزوج من الكماليات فحينئذ تحدث المشاكل و يحدث خصام بين الزوجين ، و بالتالي لا بد من تعديل مثل هذه النظرة لتكون الزوجة عارفة بمكان زوجها ، عارفة بأهمية الحياة الزوجية لها ، إن استقرار المرأة لا يكون إلا في بيت الزوجية فعندما يكون هناك انفصال بين الزوجين و الطلاق تعرف المرأة أثر حياتها الزوجية عليها ، وجد عندها هم و غم و شعور بوحدة و فقدت ذلك التكامل و التعاون الحاصل في بيت الزوجية ، هذا شيء من أسباب المشاكل الزوجية و لعلنا بعد الفاصل القادم نتحدث عن بقية الأسباب و نتذاكر معا في طرق علاج المشاكل الزوجية بعد هذا الفاصل.