،،،،،،
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 0
( ياأَيُّهَا الَّذِينءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
( سورة آل عمران - الآية 102 )
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تََسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
( سورة النساء - الآية 1 )
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
( سورة الأحزاب - الآية 70 – 71 )
أما بعد :
يتساءل البعض عن مشروعية رقية المرأة للنساء وتخصصهن في هذا الأمر ، ولكي نقف على حقيقة ذلك فلا بد من دراسة المسألة دراسة شرعية علمية مستفيضة لكي نقف على الحق فنتبعه 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن حكم تخصص المرأة المسلمة في الرقية الشرعية ؟
فأجاب – رحمه الله - : ( الرقية الشرعية هي العلاج بكتاب الله تعالى وبالأدعية المأثورة في السنة الصحيحة ، فمن حفظها وعرف تلك النصوص التي تستعمل في الرقية فله استعمالها ، ولا فرق بين الرجل والمرأة وقد كانت عائشة – رضي الله عنها – ترقي نبي الله صلى الله عليه وسلم لما مرض وتنفث بيده رجاء بركتها ، ولا شك أن الكثير من النساء المؤمنات قد يحفظن القرآن والكثير من الأوراد وهي من الصالحات القانتات الحافظات للغيب ، فلهن عمل الرقية للنساء حتى لا تحتاج المرأة إلى الذهاب للرجال لأجل الرقية وكذا تلاقي المرأة محارمها ونساءها وذلك موجود فيهن بكثرة والله أعلم ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين – ص 384 ) 0
ولي وقفات تأمل قبل أن أخلص لنتيجة بحث هذه المسألة :
1- إن طريق الرقية الشرعية شائك يحمل في طياته كثيرا من المخاطر والعقبات والمحاذير التي لا تستطيع المرأة بأي حال من الأحوال تحملها والصبر على أذاها ، فقد تتعرض للإيذاء في نفسها وأهلها ومالها وقد لا تطيق ذلك ويؤدي إلى كفرانها بنعم ربها 0
2- ضعف المرأة أمام مغريات الحياة الكثيرة ومنها : المدح والعجب وحب الظهور والسمعة وحب المال ونحو ذلك من أمور كثيرة ، وهذا قد يؤدي إلى فسادها وبعدها عن منهج الكتاب والسنة 0
3- قد يؤدي بالمرأة إلى إهمال الاعتناء ببيتها وزوجها وأولادها ، وهذا قد يؤدي إلى محاذير شرعية كثيرة ، خاصة إذا علمنا من استقراء النصوص القرآنية والحديثية أن زوجها هو جنتها أو نارها 0
4- تعرض المرأة للفتنة العظيمة خاصة ما يتعلق بالمحاذير الشرعية التي تكتنف هذا الأمر ، وأخطر تلك المحاذير هو تعرض المرأة لبعض الحوارات مع الجن والشياطين ، وهذا الأمر لا يجوز مطلقا من الناحية الشرعية ، فالجن مكلفون وينطبق في حقهم ما ينطبق على الإنس من الأحكام الشرعية ، والمرأة عورة وصوتها عورة 0
ومن باب الأمانة العلمية فبعض أهل العلم يرى بأن صوت المرأة ليس بعورة كما نقل ذلك عن اللجنة الدائمة ، والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - ، والشيخ عبدالمحسن العباد - حفظه الله - 0
سئلت اللجن الدائمة السؤال التالي :
هل يجوز للمرأة أن تؤذن ، وهل يعتبر صوتها عورة أو لا ؟؟؟
فأجابت : ( أولاً : ليس على المرأة أن تؤذن على الصحيح من أقوال العلماء؛ لأن ذلك لم يعهد إسناده إليها ولا توليها إياه زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم 0
ثانيا ً: ليس صوت المرأة عورة بإطلاق ، فإن النساء كن يشتكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه عن شئون الإسلام ، ويفعلن ذلك مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وولاة الأمور بعدهم ، ويسلمن على الأجانب ويردون السلام ، ولم ينكر ذلك عليهن أحد من أئمة الإسلام ، ولكن لا يجوز لها أن تتكسر في الكلام ولا تخضع في القول ؛ لقوله تعالى : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا ) ( سورة الأحزاب - ا؟لآية 32 ) ؛ لأن ذلك يغري بها الرجال ويكون فتنة لهم كما دلت عليه الآية المذكورة 0 وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) ( السؤال الأول من الفتوى رقم (4522) - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - عبدالله بن قعود ، عبدالله بن غديان ، عبدالرزاق عفيفي ، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ) 0
سئل العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - السؤال التالي :
هل صوت المرأة عورة ؟؟؟
فأحاب : ( من تأمل نصوص الكتاب والسنة وجدها تدل على أن صوت المرأة ليس بعورة ، بل بعضها على ذلك بأدنى نظر :
فمن ذلك قوله تعالى يخاطب نساء النبي صلي الله عليه وسلم فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) . فإن النهي عن الخضوع بالقول ، وإباحة القول المعروف يدل على أن صوتها ليس بعورة إذ لو كان عورة لكان مطلق القول منها منكراً ، ولم يكن منها قول معروف ، ولكان تخصيص النهي بالخضوع عديم الفائدة .
وأما السنة فالأدلة على ذلك كثيرة ، فالنساء اللاتي يأتين إلي النبي صلي الله عليه وسلم يخاطبنه بحضور الرجال ولا ينهاهن ، ولا يأمر الرجال بالقيام ولو كان الصوت عورة لكان سماعه منكراً ووجب أحد الأمرين ، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لا يقر منكر 0
وقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بأن صوت المرأة ليس بعورة ، ( انظر شرح المنتهى - 3 / 11 ، وشرح الإقناع - 3 / 8 ط مقبل ، وغاية المنتهى والفروع - 5 / 157 ) 0
وأما قول النبي صلي الله عليه وسلم : " إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفق النساء " . فهذا مقيد في الصلاة ، وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن تكون مع الرجال أو في بيت لا يحضرها إلا النساء أو محارم ، والعلم عند الله تعالى ) ( فتاوى ورسائل العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى – المجلد الثاني عشر ) 0
وقد سئل الشيخ المحدث عبد المحسن العباد - حفظه الله تعالى - السؤال التالي :
هل صوت المرأة عورة ، وإذا كان كذلك فهل هناك دليل ؟؟؟
فأجاب : ( صوت المرأة ليس بعورة باطلاق لأنه يمكن عند الحاجة يستمع لصوت المراة مثل الإستفتاء أو بيع أو شراء مع احتشام أو ما إلى ذلك ، لا بأس به ، ولكن المحذور هو الانتفاع بالصوت أو التلذذ بالصوت ، وكونها هي تلين صوتها وتخضع بالقول هذا الذي فيه المحذور ، أما مجرد الصوت من حيث هو ليس بعورة ، لكن إذا صار عن طريق كونها تلين صوتها وتخضع به وكون الانسان يتلذذ به ، وكونه يتمتع به ، هذا هو المحذور وهذا هو الممنوع ) ( شرح سنن النسائي – كتاب الطهارة – شريط رقم 74 – دقيقة 61 ) 0
والبعض الآخر يرى بأن صوت المرأة عورة كما نقل ذلك عن العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان 0
سئل الشيخ السؤال التالي : هل صوت المرأة عورة ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الحمد لله ، نعم ؛ المرأة مأمورة بتجنب الفتنة ، فإذا كان يترتب على سماع صوتها افتتان الرجال بها ؛ فإنها تخفيه :ولذلك فإنها لا ترفع صوتها بالتلبية، وإنما تلبي سرًّا 0
وإذا كانت تصلي خلف الرجال وناب الإمام شيء في الصلوات ؛ فإنها تصفق لتنبيهه ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " إذا نابكم شيء في صلاتكم فلتسبح الرجال ، ولتصفق النساء " ( رواه أبو داود في " سننه " ( 1 / 246 ) ، وانظر : " صحيح البخاري " (1 / ص167 ) ، وكذلك ( 2 / 60 ) من نفس الصحيح ؛ رواه مسلم في "صحيحه - 1 / 318 ، ورواه الإمام أحمد في مسنده - 5 / 330 بنحوه ، ورواه غيرهما ) 0
وهي منهية من باب أولى عن ترخيم صوتها وتحسينه عند مخاطبتها الرجال لحاجة ؛ قال تعالى : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ) ( سورة الأحزاب الآية 32 ) 0
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم ؛ أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها " ( انظر " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير - 3 / 464) ( صالح بن فوزان الفوزان - فتوى رقم 17069 ) 0
والذي أراه في المسألة أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعرض المرأة نفسها لمثل تلك الفتنة ومعلوم ضعفها وقلة حيلتها 0 والذي نعرفه ونعلمه من علماء الأمة أنه لا يجوز للمرأة أن تلقي الدروس والمحاضرات أمام الرجال أو على مسامعهم ، بعكس العلماء والدعاة الذين يقومون بإلقاء تلك الدروس على مسامع النساء دون أن يكون أدنى حرج في ذلك 0
5- سهولة انسياق المرأة وراء الجن والشياطين ووقوعها في الكفر أو الشرك أو المحاذير الشرعية ، وهذه جبلة المرأة فالضعف هو الصفة الملازمة لها ولن تستطيع بأي حال أن تقف وتواجه الشيطان وتنتصر عليه 0
6- ضعف المرأة وتعرضها لما تتعرض له النساء من أحكام الحيض والنفاس ، وهذا يجعلها عرضة لتسلط الشيطان وإيذائه ، وقد يقود ذلك لتعرضها لإيذاء شديد تكون له عواقب وخيمة لا تستطيع الصبر عليها أو تحملها ، ولا يخفى علينا الحديث الثابت عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما رأيت من ناقصات عقل ولا دين أغلب لذي لب منكن ، أما نقصان العقل فشهادة امرأتين بشهادة رجل ، وأما نقصان الدين ، فإن إحداكن تفطر رمضان ، وتقيم أياما لا تصلي ) ( متفق عليه ) 0
قال المباركفوري : ( قوله :" خطب الناس " وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى ، فمر على النساء فقال : يا معشر النساء تصدقن الخ " ثم قال يا معشر النساء " أي جماعتهن والخطاب عام غلبت لا الحاضرات على الغيب قال أهل اللغة : المعشر هم الجماعة الذين أمرهم واحد ، أي مشتركون ، وهو اسم يتناولهم كالإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر والنساء معشر ونحو ذلك وجمعه معاشر" تصدقن " أمر لهن أي أعطين الصدقة " ولم ذاك " فقالت : كيف يكون ذاك ولأي شيء نكون أكثر أهل النار " لكثرة لعنكن " اللعن هو الدعاء بالابعاد من رحمة الله تعالى " يعني وكفركن العشير " هذا قول بعض الرواة ، وفي حديث أبي سعيد "تكثرن اللعن وتكفرن العشير" 0 قال النووي : العشير بفتح العين وكسر الشين وهو في الأصل المعاشر مطلقا والمراد الزوج انتهى 0 وكفران العشير جحد نعمته وإنكارها أو سترها بترك شكرها ، واستعمال الكفران في النعمة والكفر في الدين أكثر " من ناقصات عقل ودين " أي ما رأيت أحدا من ناقصات " أغلب لذوي الألباب " أي لذوي العقول والألباب جمع اللب ، وهو العقل الخالص من شوب الهوى ، وفيه مبالغة لأنه إذا كان ذو اللب والرأي مغلوبا فغيره أولى " منكن " متعلق بأغلب " وما نقصان عقلها ودينها " كأنه خفي عليها ذلك حتى سألت عنه " قال شهادة امرأتين منكن بشهادة رجل " وفي حديث أبي سعيد : اليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قال الحافظ : أشار بقوله مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله تعالى : ( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ ) ( سورة البقرة – الآية 282 ) لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها " ونقصان دينكن الحيضة " بفتح الحاء " فتمكث إحداكن الثلاث والأربع " أي ثلاث ليال مع أيامها وأربع ليال مع أيامها " لا تصلي " ولا تصوم وفي حديث أبي سعيد أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى قال : فذلك من نقصان دينها 0 قال النووي : وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض فقد يستشكل معناه وليس بمشكل بل هو ظاهر ، فإن الدين والإيمان والإسلام مشتركة في معنى واحد كما قدمنا في مواضع 0 وقد قدمنا أيضا في مواضع أن الطاعات تسمى إيمانا ودينا 0 وإذا اثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه ، ومن نقصت عبادته نقص دينه انتهى ) ( تحفة الأحوذي – 7 / 300 ، 301 ) 0
وبعد هذه العجالة فالأولى عدم تعرض المرأة لمثل هذا الموقف بسبب الاعتبارات التي كنت قد ذكرتها آنفا ، وتنصح بعدم رقية النساء إلا في حالات الضرورة التي يحتم فيها الواجب الشرعي التدخل وإعانة المظلوم ، وتكتفي بفعل ذلك مع أهل بيتها ومحارمها دون التوسع والتفصيل ، وأتوجه بالنصح لكل من تفكر بهذا الأمر لأن تتوجه باستشارة أهل العلم والعلماء لتوجيهها الوجهة الصحيحة وفق ما تمليه المصلحة الشرعية ، دون أن تقدم على هذا الأمر بشكل اجتهادي ، والله تعالى أعلم 0
قصة واقعية : وهذه القصة لامرأة طيبة صالحة أحسبها كذلك والله حسيبها ، قررت الدخول في هذا الأمر الشائك الصعب ، وبدأت تمارس الرقية مع بنات جنسها ، إلى أن جاء اليوم الذي دفعت فيه ثمن ذلك غاليا ، وكان الأولى لها أن تستشير أهل العلم والعلماء ليرشدوها إلى ما فيه خيرها ، وبدأت رحلة العلاج ، ولم يقتصر الإيذاء عليها فحسب بل تعدى ذلك إلى زوجها وأولادها ، وبقيت فترة طويلة تحت معاناة ذلك الأمر وتبعاته ، ولا أدري بعد ذلك ما آلت إليه حالتها ، والله تعالى أعلم 0
هذا ما تيسر لي بخصوص هذه المسألة ، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقنا لما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة ، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني