الرد المنير على من أمر بترك علم التعبير
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلاله وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على رسوله المعبر المبشر بجناته ، وعلى جميع أصحابه ، وعلى من تبعهم وسار على منوالهم وهديهم ..
وبعد :
فقد رأيت من بعض الإخوة الأفاضل الذين ينتهجون النهج القويم ويسيرون على المنهاج الصحيح ، نحسبهم والله حسيبهم ، رأيت منهم القول بترك علم التعبير ، ونحسن الظن بهم ، فلعل ذلك بسبب جهلهم بهذا العلم الذي هو بشارة ونذارة واستئناس من الله عز وجل لعباده المومنين ، قال تعالى : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم . ** ( يونس : 62-64 ) ...
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، عن قوله : ** لهم البشرى في الحياة الدنيا ** فقال صلى الله عليه وسلم ( ما سألني عنها أحد غيره منذ نزلت ، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ) رواه الترمذي – 2273 – وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي .
فرأيت أن أجمع بحثا دقيقا في هذه المسألة عسى أن ينور الله أبصارهم للحق ، وفي أثناء بحثي وجدت هذا الكتاب القيم الذي هو: البدر المنير في علم التعبير . للإمام الشهاب العابر المقدسي الحنبلي أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المتوفى سنة 697 هـ ، بتحقيق وضبط وتعليق : حسين بن محمد جمعة.
فرأيت أنه حوى من الفوائد ما لم يسبقه إليه غيره ، ولم يقم به أحد بعده ، كتاب جمع فأوعى ، واشمل فما أبقى ، فأحببت أن ألخص بعض فقراته والتي أرى أنها نافعة بإذن الله تعالى في تبصير إخواننا المنكرين وإيصالهم إلى نور الحق . وأسأله سبحانه التوفيق والعون ، وما كان صوابا فهو خير ومنُُ وتوفيق من الله ، وما كان من خطأ فمن الشيطان وأسأل صاحب الكتاب الصفح والغفران .
قام المؤلف رحمه الله بوضع أسس وقواعد سار عليها في كتابه هذا ، وجعل في المقدمة الثالثة مطالب ثمانية ، جمع فيها أدلة كثيرة ، بدأ بالكتاب ثم السنة ثم أقوال الصحابة وعلماء الأمة . فهاك أخي القاريء تلخيص ذلك ، والله الموفق ..
من الكتاب :
ابتدأ المصنف رحمه الله بالاستدلال بآية من كتاب الله عز وجل في سورة يونس . قوله تعالى : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم . ** ( يونس : 62-64 ) وساق بعدها حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، عن قوله : ** لهم البشرى في الحياة الدنيا ** فقال صلى الله عليه وسلم ( ما سألني عنها أحد غيره منذ نزلت ، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ) رواه الترمذي – 2273 – وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي . ثم قال : المقصود أن الله سبحانه وتعالى جعل البشرى للمومن التقي ، وهذا هو الولي – فقال : ** الذين آمنوا ** ولم يقل كفروا ، ** وكانوا يتقون ** ولم يقل يفسقون . وقد جعل لهم البشرى في الدنيا للتثبيت عن معاني الإيمان والتوحيد ، وهي من أسباب دفع الخوف والحزن ، في هذا إثبات كمال الضد ، لأن النفي قد اشرب معنى الكمال في الوصف ، فتكون البشرى من أسباب الأمن والطمأنينة والحياة الطيبة ، كما قال تعالى :** من عمل صالحا من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة ** ( سورة النحل : 97 ) ، وقال : ** الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن ، وهم مهتدون ** ( الأنعام : 82 )..
قلت : فبين المصنف رحمه الله تعالى على أن الرؤيا من أسباب الثبات على توحيد الله عز وجل لما توحي إليه من أمارات وعلامات تجعل المومن راسخا على إيمانه موقنا بربه .
أما السنة :
فقد سرد جمعا وكماً من الأحاديث ، وسأختار منها ما أراه مناسبا إن شاء الله تعالى .
روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : ( الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )
وفي حديث آخر أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا اقترب الزمان ، ولم تكن رؤيا المؤمن تكذب . ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .
وروى كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات . قالوا : وما المبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة .
وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رؤيا المؤمن يراها أو ترى له ، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .
وفي صحيح سنن ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال : كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه ، والصفوف خلف أبي بكر ، فقال : أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له .
وفي صحيح أبي داوود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول : هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا . فيقول : إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة .
ثم ساق المصنف رحمه الله بعض اعتناءات العلماء والأئمة رحمهم الله بهذا المجال :
أولا البخاري : قال جعل البخاري رحمه الله ( كتاب التعبير ) بين كتاب ( الحيل ) و ( الفتن ) ...
ثانيا الإمام مسلم : رحمه الله عقد له كتاب في صحيحه : ( كتاب الرؤيا ) ...
ثالثا الإمام أبو داوود رحمه الله في كتاب ( الأدب ) من ( السنن ) بوب له باب فقال : ما جاء في الرؤيا ...
رابعا الإمام الترمذي رحمه الله في كتاب ( الرؤيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من السنن ، ثم ساق المصنف رحمه الله مجموعة من الأبواب جاء بها الإمام الترمذي في سننه ...
خامسا الإمام ابن ماجة رحمه الله ( في كتاب تعبير الرؤيا ) من السنن ، وكذلك هو الآخر ساق له الأبواب التي جاء بها في سننه ...
ثم بعد ذلك سار على نفس المنوال مع الإمام مالك والنسائي وابن أبي شيبة والإمام عبد الرزاق والبغوي وغيرهم كثير لا يسع المجال للاستدلال بكل أقوالهم ..