(1/158)
فالنذر الشرعي مدح الله الموفين به ، كالنذر بأن تصلي أو تصوم أو تتصدق لله فهذا نذر شرعي ، قال سبحانه وتعالى : ** يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ** (1) [ الإنسان : 7 ] ، مدح المؤمنين بهذا الوفاء . أما النذور التي للقبور والأشجار والأحجار أو للأصنام أو للكواكب أو للجن أو للأنبياء أو للأولياء ، فكلها نذور باطلة ؛ لأنها عبادة ، والعبادة لله وحده ، قال تعالى : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (2) [الإسراء : 23] وقال سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (3) [ البينة : 5 ] وقال عز وجل : ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (4) [الذاريات : 56] وقال سبحانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (5) [ الفاتحة : 5 ]
فبادر بالتوبة إلى الله ، واستغفر الله سبحانه وتعالى ، واحفظ مالك ولا تقدمه إلا في شيء يرضي الله كالصدقة على الفقراء والمساكين ، وصلة الرحم ، وتعمير المساجد ودورات المياه حولها ، ونحو ذلك مما ينفع المسلمين .
أما النذور للقبور أو للجن ، أو للأصنام أو للأشجار والأحجار ، أو للكواكب ، كلها نذور باطلة لا يجوز تنفيذها بالكلية ، وهي قربة لغير الله ، وعبادة لغير الله ، وشرك بالله سبحانه وتعالى ، رزقنا الله وإياك الهداية والبصيرة ، ومن علينا وعليك بالتوبة النصوح ، إنه جل وعلا جواد كريم .
__________
(1) سورة الإنسان الآية 7
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الذاريات الآية 56
(5) سورة الفاتحة الآية 5
(1/159)
مدى صحة مكان قبر يونس
س75: فضيلة الشيخ ، بالنسبة لصحة مكان قبر يونس عليه السلام . هل هو فعلا في العراق ؟
الجواب : أما نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام فلا يعرف قبره ، وليس لهذا صحة ، بل جميع قبور الأنبياء لا تعرف ما عدا قبر نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه معلوم في بيته في المدينة عليه الصلاة والسلام ، وهكذا قبر الخليل إبراهيم معروف في المغارة هناك في الخليل في فلسطين ، وأما سواهما فقد بين أهل العلم أنها لا تعلم قبورهم ، ومن ادعى أن هذا قبر فلان أو قبر فلان فهو كذب لا أصل له ولا صحة له ، ودعوى أن قبر يونس موجود في نينوى أو أنه في المحل المعين لا أصل له ، فينبغي أن يعلم هذا ، ولو علم لم يجز التبرك به ولا دعاؤه ولا النذر له ولا غير ذلك من أنواع العبادة ؛ لأن العبادة حق الله وحده لا يجوز صرف شيء منها لغيره بإجماع المسلمين .
(1/160)
حول المساجد التي بها قبور ، والنذر للأموات والطرق المحدثة
س76: ما هو حكم المساجد التي بها قبور لبعض الصالحين ؟ هل تصح الصلاة فيها أم لا ؟ وهل يصح النذر لهؤلاء المشايخ ؟ أفيدونا أفادكم الله . وما هو حكم الشرع في أصحاب الطرق الموجودة حاليا في
(1/160)
أكثر الدول الإسلامية أمثال : الصوفية والبومية والبهائية والمعتزلة وغيرها من الطرق ؟ وما حكم ما يذكرونه من الصلوات النارية ، والتسبيح بأعداد كبيرة ، وقراءة القرآن بأعداد أيضا ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : أما المساجد التي تبنى على قبور فحكمها الهدم ، لا يجوز بقاؤها ولا أن يصلى فيها ؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا » (1) متفق على صحته . وقال عليه الصلاة والسلام : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) .
فبين صلى الله عليه وسلم أن الله لعن اليهود والنصارى بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ، وبين صلى الله عليه وسلم أن الواجب على المسلمين أن يتجنبوا ذلك ، وألا يتأثروا باليهود والنصارى في هذا الأمر ، فدل ذلك على أنه لا يجوز اتخاذ المساجد على القبور ولا يصلى فيها ؛ لأن هذا يفضي إلى الشرك بها وعبادتها من دون الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبر وعن القعود عليه وعن البناء عليه » (3) فالقبور لا تجصص ولا يبنى عليها ، لا مساجد ولا غيرها ، وما ذلك إلا لأن اتخاذها مساجد والبناء عليها من أسباب الغلو فيها ، وعبادة أهلها من دون الله ، والنذر لهم ، والذبح لهم ، ونحو ذلك ، فلهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور ، وأخبر أن الله لعن اليهود والنصارى بأسباب ذلك .
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(3) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563),مسند أحمد بن حنبل (3/339).
(1/161)
فالواجب على المسلمين أن يحذروا هذا ، وألا يبنوا على القبور مساجد ، وألا يبنوا عليها شيئا ، لا قبة ، ولا حجرة ، ولا مسجدا ، ولا تجصص ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك . أما إن كان المسجد قائما من قبل ذلك ثم دفن فيه ميت أو أموات ، فهذا الميت أو الأموات ينبشون وتنقل رفاتهم إلى المقبرة العامة ، كل رفات توضع في حفرة تخصه ، ويسوى ظاهرها كسائر القبور ، حتى يبقى المسجد سليما من القبور ، وهذا هو الواجب وبهذا يصلى فيه ، فإذا نبشت القبور ونقلت من المسجد ؛ فإنه يصلى فيه لأن المسجد هو القديم وهو الأصل . أما إذا كانت القبور هي الأصلية ، ثم حدث المسجد فالواجب هدمه وإزالته ، وأن تبقى القبور كسائر القبور ضاحية ، ليس عليها بناء ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأصحابه في البقيع وفي غير البقيع . ولا يخفى ما يترتب على بناء المساجد على القبور واتخاذ القباب عليها ، وفرشها وتنويرها وتطييبها من الغلو فيها ، وتعظيم أهلها ، وعبادتهم من دون الله؛ بالنذر لهم ، ودعائهم ، وطلب المدد منهم ، شرك أكبر ، فدعاء الأموات ، والاستغاثة بالأموات من الشرك الأكبر عند جميع أهل العلم المعتبرين ، وهو كدعاء الأصنام ودعاء الأشجار والأحجار والكواكب والاستغاثة بها ، كله شرك بالله عز وجل ، وتعظيمها ببناء المساجد عليها والقباب وسيلة إلى ذلك .
وأما الطرق التي أحدثها الناس كالصوفية والبهائية والقاديانية وغيرها فهي طرق منكرة محدثة يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة
(1/162)
الرسول صلى الله عليه وسلم ، فما وافق كتاب الله أو وافق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ، وما خالفهما مما أحدثه الناس فإنه يرد ويطرح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليست عليه أمرنا فهو رد » (1) رواه مسلم ، يعني مردود ، وقال عليه الصلاة والسلام : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد » (2) متفق على صحته .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الجمعة : « أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » (3) خرجه مسلم في صحيحه .
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ما أحدثه الناس من الطرق التي تخالف شرع الله عز وجل ، سواء كانت صوفية أو غير صوفية ، فالواجب عرض ما أحدثه الناس من الطرق على كتاب الله وعلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فما وافقهما أو أحدهما قبل وما خالفهما رد على من أحدثه .
قال الله عز وجل : ** يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ** (4) [النساء : 59] ، فأمر سبحانه برد ما تنازع فيه الناس لله ورسوله . ومعنى " إلى الله " : إلى كتابه العظيم ، ومعنى " إلى الرسول " : يعني إليه في حياته صلى الله عليه وسلم ، وإلى سنته بعد وفاته ، هكذا قال أهل العلم رحمة الله عليهم ، وهكذا قال سبحانه : ** وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ** (5) [ الشورى : 10 ] .
لكن البهائية طائفة كافرة معروف كفرها ، بما لديها من دعوة النبوة للبهاء وربما ادعوا أنه الله ، فالبهائية طائفة كافرة يجب الحذر منها ،
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).
(2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/146).
(3) صحيح مسلم الجمعة (867),سنن النسائي صلاة العيدين (1578),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954),سنن ابن ماجه المقدمة (45),مسند أحمد بن حنبل (3/371),سنن الدارمي المقدمة (206).
(4) سورة النساء الآية 59
(5) سورة الشورى الآية 10
(1/163)
ويجب على الدول الإسلامية إبعادها والقضاء عليها وعدم إقرارها في البلاد ، وهكذا القاديانية طائفة كافرة ؛ لأنها تثبت النبوة لمرزا غلام أحمد القادياني ، وهذا كفر وضلال ؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وليس بعده نبي ، قال الله عز وجل : ** ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ** (1) [ الأحزاب : 40 ] .
وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتواتر عنه أنه قال : « أنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي » (2) فدعوى القاديانية أن مرزا غلام أحمد نبي ، وأنه يوحى إليه كفر مستقل وردة كبرى عند أهل العلم ، فيجب الحذر منهم ، وعدم إقرارهم حتى يستجيبوا لله والرسول ، ويتوبوا من هذه العقيدة الباطلة .
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 40
(2) صحيح البخاري المناقب (3342),صحيح مسلم الفضائل (2286),مسند أحمد بن حنبل (2/312).
(1/164)
التقرب إلى الله بالأولياء والذبح لهم
س77: تقول السائلة : سمعت أن للأولياء منزلة عند الله عز وجل ، فإذا طلب الإنسان حاجة وتقرب إلى الله بهم يستجاب له ، وتأكدت من هذا الأمر بنفسي ؛ وذلك عندما أصبت في يوم من الأيام بموقف حرج وتقربت بأحد منهم إلى الله استجاب الله لي . فهل يجوز لي أن أتقرب بهم إلى الله وأهدي لهم النذور ؟ أفيدونا أفادكم الله . وما جوابكم على ما حصل لي ؟
الجواب : هذا فيه التفصيل ؛ فأولياء الله لهم منزلة عند الله ، ولهم فضل ، ولهم مقام عظيم ، قال تعالى : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ** (1) ** الذين آمنوا وكانوا يتقون ** (2) [ يونس : 62 ، 63 ] . هؤلاء هم أولياء الله ، وهم أهل الإيمان والتقوى ، الذين عبدوا الله
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) سورة يونس الآية 63
(1/164)
واستقاموا على دينه ، وعظموا أمره ونهيه ، وانقادوا لشريعته ، وهم الرسل وأتباعهم فهؤلاء لهم مقام عند الله عظيم .
أما سؤالهم ، والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ؛ فهو منكر ، ومن الشرك الأكبر ، ولا يجوز دعاؤهم ، ولا سؤالهم ، ولا التقرب إليهم بالنذور ، ولا بالذبائح ، بل هذا حق الله ، وهذه عبادة الله ، قال سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ** (1) [البينة : 5] ، وقال عز وجل : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (2) [الفاتحة : 5] وقال سبحانه : ** فادعوا الله مخلصين له الدين ** (3) [غافر : 14] ، وقال : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (4) [ الجن : 18 ] .
فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ، فلا ينذر إلا له ولا يستغاث إلا به ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يتقرب بالنذور والذبائح إلا له سبحانه وتعالى ، لا للأموات من الرسل ولا من المؤمنين ولا من غيرهم ، ولا للأصنام ، ولا للأشجار ، ولا للأحجار ولا للجن فالعبادة حق الله وحده .
أما كونك دعوت أحد الأولياء ، أو طلبت منه بعض الحاجة ، أو توسلت إلى الله ببعضهم ، فقضيت حاجتك ، فقد يكون هذا من باب الابتلاء والامتحان صادف القدر بذلك ، وهذا امتحان لك وابتلاء ، فقد تنتبهين للأمر وقد لا تنتبهين . ولا يدل على أن ما فعلت مع بعض الأولياء ليس بشرك لأن عباد القبور وعباد الأصنام قد تقضى حاجتهم ابتلاء وامتحانا ، لأن القدر قد سبق بذلك ، وقد تقضى الحاجة بواسطة الشياطين المعينين على الشرك فلا يدل ذلك على جواز عبادة غير الله
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة الجن الآية 18