وقفات....مع الماضي ........
في وقت عزّ فيه التوقف والتقاط الانفاس والنظر الى الوراء ولو نظرة خاطفة.......
مجرد حروف افكار وخواطر أومضت في ذاكرتي .......حول ذكريات متفرقة متباعدة وصور يفصل بيني وبينها سنوات طوال ومسافات عميقة عمق الزمن......
رسومات قديمة بالابيض والاسود تخص والدي ووالدتي رحمهما الله ،
انتزعتها من قلب ذاكرتي في احدى حالات المدّ التي عصفت بمخيلتي ...
فتركت ألاف القصص والحكايا قبل انحسارها .....استقرت على شاطئ افكاري ، وبدأ قلمي يرسم كلماتها ......
مفردات من جملة الماضي ....
قد تحمل بين سطورها ضحكات طفولية بريئة متحررة من كل أثقال الزمان وهموم الحياة ....
وربما تحمل في طياتها التحسّر على ما يمضي وما قد مضى.........
قد يجد البعض هذه مقدمة حزينة للغوص في قلب الايام الماضية..
ولكنني أعي جيدا انه وحتى الاحداث الطريفة التي تمر بنا في لحظة من لحظات الزمن ،
عندما تسير عليها عجلة الايام والسنين تنقلب لتصبح ذكريات يعزّ علينا مضيّها...
ويثير هذا فينا شعور الالم والحسرة....
وأكثر ما يؤلمني ......رحيل الاشياء ...........
******
الانسان مسؤول عن تهذيب نفسه... وصقلها بالاخلاق الحميدة..
وتربية اعضائه وجوارحه على طاعة الله.
وهو أيضا المسؤول عن مصادر ثقافته ومنهل فكره ، حيث لا حسيب ولا رقيب عليك......الا انت
مهما تعددت وسائل الرقابة واشتدت.... جزء كبير من المسؤولية ملقى على عاتقك وحدك....
لا احد يستطيع تكبيل الفضول وحب المعرفة اذا توافرت هذه الخصلة عند أحد ابنائه ،
وان حاول جاهدا ان يوجهها ..ويراقبها ويطّلع عليها ، ويفرض مسؤوليته عنها ...
يبقى هناك جزء شفاف خفيّ عنك ....خاصة وان كان ابنك (شقيّا )، ( سابق سنّه ) !
يتقن مهارة الالتفاف والدوران والاختفاء والإخفاء ...... ،
وربما قد يورثك هذا - مع محاولات التتبع واقتفاء الآثار - أعراض ( بداية انهيار عصبي ).
خاصة اذا لم تتمكن من ( القاء القبض عليه ).....
مثلا..... من يستطيع أن يتبع ويقيد النفوس النهمة إلى القراءة؟
وخاصة إذا كانا أبوين مسكينين أميين.
******
أنا .........
كنت اقرأ واقرأ.. تمر أيام وليالي وأنا أواصل القراءة..غير واعية لكل ما يحصل من حولي..
كنت اقرأ كل ما تقع عليه عيناي ..
أصابني مرة صداع شديد وأنا في التاسعة لما قرأت كتابا كاملا في "الكيمياء في حياتنا"
حيث تبين لي أنني لا زلت اجهل الكثير عن هذه الدنيا وعن نفسي.
ولم استطع وقتها أن افهم كلمة واحدة مما قرأت ، ورغم ذلك واصلت قراءة الكتاب كاملا...... ،
وبعدها بدأت أفكر كيف يمكنني أن اخترع شيئا يفيد الناس.،
وهداني تفكيري الطفولي لان أقدم خدمة جليلة إلى البشرية!
مادة لزجة صفراء اللون كنا نستخدمها في البيت في إلصاق الخشب المتكسر ،
ونعال الأحذية، أشعلت عود ثقاب ووضعته داخل العبوة كاملة ونظرت من ثقب العلبة في انتظار أن احصل بعد دقائق على........... المطاط الطبيعي، فأسجل بذلك سبقا علميا كيميائيا لم يخطر على بال بن حيان نفسه..............!
فما كان من العبوة طبعا، إلا أن انفجرت في وجهي انفجارا يشبه دوي العاصفة.. مخلفة حروقا،
عوفيت منها بعد عدة اشهر، ولم يعلم احد طبعا عن براءة الاختراع.
ولما قرأت عن اكتشاف الطيران، وقصة عباس بن فرناس ، ولأنني كنت طفلة مفكرة ، ولم أكن أميل إلى القفز والتنطيط .....
فقد وضعت سموم الطيران في عقل أخي الذي يكبرني ببعض السنوات،
وصنعت وإياه من (شراشف السرير) ما يشبه الأجنحة ، وربطناها جيدا على عدد من العصي ،ثم ثبتناها على كتفيه،،
وانطلق الى سطح البيت ووقف على الحافة مستعدا للانطلاق في غياهب الفضاء...
وقد لحقه الجيران وقبضوا عليه في اخر لحظة ،
مفسدين بذلك علينا... تحقيق ما عجز عنه ...... بن فرناس.!
وذات مرة.. وكالعادة.. كنت اغرق نفسي بين الكتب،، ولكن اختلفت نوعية الكتب هذه المرة، فكانت لجبران خليل
، دخلت والدتي الغرفة ، نظرت إلي ، ثم ما كان منها إلا أن أغلقت علي باب الغرفة بكل هدوء، ربما حتى لا يزعجني احد...!
استغربت تصرفها ، ولكني شعرت بالامتنان لها في أعماقي على حرصها على توفير الجو المناسب لشطحات خيالي .
وبعد أن نادتني لتناول الطعام ، جلست الى المائدة ،احمل الكتاب بيدي كالعادة ، ...
عندها شاهدت شقيقتي الكبرى(ناظر العائلة ) الغلاف، وبختني بشدة على قراءته ، بل ولامت أمي أيضا كيف سمحت لي بذلك....!!!
فأجابت أمي المسكينة تغالب خجلها من جهلها ، و شعورها بالذنب...
والله كنت اظنها تقرأ القرآن الكريم.........!!!!!
كيف لم اشعر وقتها بالرثاء لامي ...؟
أأطفالا كنا .......أم شياطين......!!!
منعت طبعا، منعا تاما من قراءة كتب جبران خليل جبران تحت طائلة التهديد (بعلقة الشبشب)....
فما كان مني بعد حذر وتمحيص.....إلا استخدام (مصباح علاء الدين) أضيئه بالليل تحت الغطاء والجميع نيام..واقتل نفسي بالقراءة حتى ساعات الصباح الأولى....
وأورثني ذلك طبعا هذه النظارة الطبية السميكة والتي تشبه (كعب فنجان الشاي...).
على العموم...فأنا لست نادمة على ما فعلته في طفولتي فيكفيني شرفا.... أنني حاولت أن أجد فرصتي الذهبية....
ففشلت فشلا ذريعا في أن أكون عالمة في مصاف العلماء والمخترعين.......
أو أكون أديبة فيشار لها بالبنان...
تبخرت أحلامي الطفولية في الهواء،
وشعرت وقت خيبتي في طفولتي.... أنني قد لا أكون يوما أفضل مما أنا عليه الآن.
أحيانا ...أشعر بحزن وندم شديد.....
فكم أرهقت والدتي المسكينة بطموحي وأحلامي.....
وكم أثرت قلق أبي الرزين المحافظ على مستقبلي......
رب اغفر لهما وارحمهما وادخلهما فسيح جنانك.