الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
قال الله تعالى (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذاريات - 53) هذه الآية الكريمة من كتاب الله تدل على أن جميع الأمم اتهمت رسلها بهذه الدعوة الظالمة تهمة السحر والجنون، وهذا يدل دلالة واضحة عرفته الأمم من قديم الزمان حيث ذهب الذين أرخوا تاريخ السحر بما وجد من كتابات ورسوم ورموز وطلاسم وجدت في الخرائب والقبور التي يدفنون بها موتاهم ونحتوها على صخور الجبال.
قال الشيخ عادل بن طاهر المقبل : "وقد لاحظت بعض كتب السحر التي قبضت مع بعض السحرة أنها قد ملئت برسوم وطلاسم فيها نفس الرسوم التي رسمت قديما كما شاهدت بعض الكتابات في أعمال السحر وكتابات بعض السحرة التي تم القبض عليهم أو مناظرتهم، أن الجن أحيانا تملي عليهم بعض الطلاسم والرموز كالتي كتبت في الزمان القديم في القبور وعلى الجبال وقد ناقشت شخصا في بدايات سحره في أدغال أفريقيا أخرج لي من أحد المغارات في جبل أوراقا بها كتابات أملتها الجن عليه وهي شبيهة بكتابات الأمم القديمة، وقد سلمني إياها بعد أن تاب وأسلم، ولقد شاهدت من ذلك كثير لا يتسع المقام لذكره وحصره."
السحر عند أهل بابل (النجوم):
بابل مدينة تقع على ضفتي الفرات ولا تزال آثارها وحضارتهاقائمة حتى عصرنا هذا، فقد اشتهرت في الأزمنة القديمة بكثرة العلوم والفنون ومن تلك العلوم علم السحر والفلك
وقد وصفها بعض المؤرخين وصفا بديعا يدل على عظمتها،
وسكان بابل هم الكلدانيين من النبط والسريانيين، وقد ترجم ابن خلدون عن بابل في مقدمته حيث اشتهر السحر عندهم واستفاض وكذلك النجامة، فكانت مناجاة الأرواح واستخراجها من الأجساد من الصنائع التي لها مقام عظيم وشأن كبير في حياتهم وقد ذكر الله جل وعلا ذلك فقال (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) (البقرة - 102) وقد ذُكر أن أهل بابل هم الصابئة عباد الكواكب السبعة ويسمونها آلهة، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالهم، حيث بعث الله لهم إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة وأفضل التسليم، ويذكر أن أهل بابل يعبدون أوثانا قد عملوها على أسماء الكواكب السبعة، وجعلوا لكل واحد منهم هيكلا في صفته ويتقربون إليه بضروب من الأفعال لما يوافق ذلك الكوكب الذي
يطلبون بزعمهم فعل الخير والشر ويتقربون إليها بالأبخرة وبالعقد والنفث عليها وبذبح بعض الحيوانات لكل كوكب، ويذكر أن بعض الكتابات التي وجدت مكتوبة بالنبطية تشتمل على تعظيم الكواكب إلى ما يريدون من خير ومن شر، وقد اكتشف الباحثون أن الآثار التي خلفها أهل بابل من الآشوريين وغيرهم ووجدت مكتوبة تدل على أن السحر كان له نصيب كبير في حياتهم، و كان خوفهم من الجن والشياطين ظاهرا حيث كانت المؤلفات تعج بالحديث عن الجن والسحر والشياطين والحديث عن حضارة أهل بابل يطول جدا ولمن أراد الاستزادة فعليه أن يراجع كتب التاريخ.