شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ( 1 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
أما بعد ، فيا عباد الله :
كان من المقرر أن يكون موضوع هذه الخطبة موصولا بالموضوع السابق في الخطبة الماضية ، ولكنني أقف وقفة بين ثنايا هذا الموضوع ، وأسدل عليه ستارا من الوقفة لأمر يتطلب الحديث عنه .
عباد الله :
إن هذا الموضوع الذي نسخ موضوعنا السابق موضوع أتحدث فيه عن الرؤوساء
أتحدث فيه عن الزعماء .
أتحدث فيه عن القادة .
أتحدث فيه عن الأئمة
أيها الناس إن الأمة لتفتخر بعظمائها ، وإن الشعوب لتثني على كبرائها ، تلك هي طبيعة المجتمعات يُعظم فيها العظيم حتى لو كان هذا العظيم من دول الكفر فإن له من العظمة عندهم ما ليس لغيره .
فعظماء دول الكفر يعظمون كبراءهم ، يرفعون بهم أمجادهم ، يؤرخون لهم التواريخ ، يكتبون عنهم في الصحف أعلو شأنهم رفعوا مكانتهم ، برزوا قدرهم .
حتى لو نظرت إلى هؤلاء العظماء من الكفار لرأيت من هو :
سفاك للدماء
من هو زهّاق للأرواح
من هو ناشر للعهر والرذيلة والخبث والشر.
تلك هي طبيعة البشر
أما نحن المسلمين فوالله وبالله وتالله ما رأينا رجلا أعظم ولا أجل ولا أرفع ولا أرمق ولا أبوأ مكانة من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
رجل لم ير في التاريخ كغيره نصيحة لأمته
رسول عظيم
صلوات ربي وسلامه عليه
أثنى عليه ربه جل وعلا ، فقال : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ **
نبي صلوات ربي وسلامه عليه أثنى ربه وامتدحه بقوله : ((وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)).
قل لي بربك : أي عظمة بعد هذه العظمة ؟
تعظيمنا له ، تقدرينا له إنما يليق به كمخلوق ، لا نرفعه فوق منزلته عليه الصلاة والسلام .
إنما نضعه في مقامه الشريف الذي وضعه الله جل وعلا فيه
حرام ، وحرام آخر وثالث إلى ما لا نهاية أن يوضع محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام تلك الشخصية العظيمة مع أولئك العظماء الفجرة الفسقة العهَّار .
والعجب يمتلك القلوب حينما ترى أولئك الكفار مع تعظيمهم لعظمائهم الأذلاء الجبناء يقدحون في النبي صلى الله عليه وسلم .
لا عجب
إذا عيَّر الطائي بالبخل مادرُ
وعيَّر قسا بالفهاهة باقلُ
وقال السُّها للشمس أنتِ كسيفة
وقال الدجى للبدر وجهك حائلُ
فيا موت زرْ إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدي إن دهرك هازلُ
أُجريت مسابقة في إحدى الدول الكافرة، وأشرف أسماعكم ، وأنزه لساني من أن أذكر اسمها ، أُجريت مسابقة لأحسن صورة يُصور فيها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
في تلك الدول تتابعت هذه الصور ، وهذه الرسومات حتى انتُقي منها على فهمهم المتعفن انتقي منها ثنتي عشرة صورة ، صُور فيها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الصحف بأبشع صورة .
صور يرتفع اللسان ، ولا يمكن للسان أن يتواطأ مع القلب في ذكرها
صور لا تليق بشخص كإنسان فكيف بنبينا وعظيمنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام .
إن كان قد سُبَّ في هذا الزمن ، فقد سُبَّ من ذي قبل ، ولكن ما هو موقفه عليه الصلاة والسلام ؟
موقف العظمة
موقف الارتقاء
موقف العلو
{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً **
((فَتَوَلَّ عَنْهُمْ))
فكأن به عليه الصلاة والسلام ولسان حاله كلسان قول الشاعر :
إذا ابتُليت بشخص لا خلاق له
فكن كأن لم تسمع ولم يقلِ
أما نحن في هذا العصر ، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام فواجب علينا أن نذبَّ عن عرضه ، وعن شخصيته ، وعن صفاته ، وخصائله ، وشمائله عليه الصلاة والسلام .
تلك النصرة يجب أن تكون من الجميع .
نحن لا نقول في هذا المقام أن يعالج الخطأ بخطأ آخر أو بأخطاء .
ومن هنا فإني أنقل القلوب إلى أمر مهم جدا ، بل هو من ركائز الدين ، بل هو من أصول الدين ، وهو أن المسلم لا يجوز له أن يركن إلى أي دولة من دول الكفر.
دول الكفر دولة واحدة
الكفر ملة واحدة
إن أثنت عليك دولة كافرة أو أظهرت لك الود والصفاء فإنها تضمر في قلبها من العداء ما الله به عليم .
إن كان قد سُبَّ عليه الصلاة والسلام فقد دُنس القرآن العظيم ممن ذي قبل ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ))
((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))
نحن يجب علينا أن نتقي الله جل وعلا فيمن حولنا ، وأن نعطيهم حقوقهم وألا نبغي وألا نعتدي وألا نظلم أحدا حتى لو كان كافرا ، لكن يجب ألا نعظم هؤلاء في قلوبنا وألا نحبهم .
هذا هو الواجب على المسلم
الواجب علينا تجاه هذا الأمر أن ننصر حبيبنا صلى الله عليه وسلم
وإنني في هذا المقام أسطر منقبة لولاة أمر هذه الدولة وفقها الله إذ نصرت دينه ولا عجب فهي التي نصرت العقيدة الصحيحة من قبل .
فنسأل الله جل وعلا أن يوفق ولي أمرها ، وأن يجعل ما بذله في نصرة دينه.
ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم في موازين حسناته ، وأن يسدد ولاة أمر هذه البلاد ، وأن يوفقهم وأن يعينهم على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم .
الواجب علينا أن نقاطع منتجات هذه الدولة ، وكل يجب عليه بحسبه ومكانته :
فالكاتب يجب عليه أن يكتب
الخطيب يجب عليه أن يتحدث
المعلم يجب عليه أن يعلم
التاجر يجب عليه ألا يسوق مصنوعاتهم ومنتجاتهم .
أنت أيها الفرد يجب عليك أن تقاطع شراء منتجاتهم .
هذا أقل ما نقدمه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا فقد فداه أصحابه رضي الله عنهم فدوه بأموالهم وأنفسهم وذراريهم وأمهاتهم وآبائهم.
رسول ارتقى سلم العظمة كما يليق به عليه الصلاة و السلام كمخلوق
ونحن في هذا اليوم كما يجب أن نبين نصرته عليه الصلاة والسلام يجب علينا أن نمسح تلك الصورة المشينة ، ونحن على يقين واعتقاد جازم بان نفوسكم تعظم النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن حتى يزداد البيان بيانا ، والإيضاح إيضاحا أتحدث معكم في هذا اليوم ، والذي أجعله وأسميه :
"يوم الشمائل "
" يوم الخصال "
" يوم الطهر "
" يوم العفاف "
" يوم النزاهة "
" ويوم العظمة "
حينما نتحدث عن شخصية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
حتى نلقم أفواه أولئك أحجارا
((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1** وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2** الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3** وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ))
إليكم هذه الخطبة في صفات النبي صلى الله عليه وسلم ، وتتلوها خطبتان إن لم تكن ثلاثا لنبين صفات وخصال وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم كي نمسح تلك الصورة السوداء التي تعفنت بها صحفهم ، وجرائدهم .
أما نسبه :
فيقول ابن القيم رحمه الله – كما في زاد المعاد :
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بند عدنان .
وينتمي عدنان إلى بني إسماعيل
قال ابن القيم رحمه الله : " ولا خلاف بين النسابين في امتداد هذا النسب ..."
ثم قال رحمه الله : " هو خير أهل الأرض نسبا على الإطلاق "
ويدل لذلك أن عدوه إذ ذاك أبا سفيان قال – كما ذكره البخاري في صحيحه لما استدعاه ملك الروم
قال له : أهو فيكم ذو نسب ؟
فقال أبو سفيان : نعم إنه لذو نسب فينا
فيقول ابن القيم رحمه الله : " فأشرف القوم قومه ، وأشرف القبائل قبيلته ، وأشرف الأفخاذ فخذه "
انتهى كلامه رحمه الله .
جاء عند ابن سعد ومعجم الطبراني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ولدت من غير سفاح )) ( يعني من غير زنا )
زاد الطبراني : (( ولدت من لدن آدم إلى أن ولدني أمي وأبي لم يصيبني من سفاح الجاهلية شيء ))
وجاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام : (( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ))
أما أسماؤه عليه الصلاة والسلام :
فقد جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام : (( إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ....))
محمد :
يقول السخاوي رحمه الله يقول : " لم يتسمى بهذا الاسم قبل بعثته أحد إلا حينما شاع الخبر بأن هناك نبيا سيخرج في العرب اسمه محمد فسمى بعض الآباء أبناءهم بهذا الاسم ، وهم ستة لا سابع لهم
محمد :
صيغة من صيغ اسم المفعول عند أهل اللغة ، وتدل على عظم الخصال المحمودة التي اتصف بها عليه الصلاة والسلام .
أحمد :
يقول السخاوي رحمه الله فيما نقل قال : " لم يتسمى أحد البتة بهذا الاسم صيانة لهذا الاسم المذكور في القرآن "
بل قال ابن القيم رحمه الله : " قد جاء في التوراة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سُمي بـ " محمد " وذلك في التوراة "
أحمد :
قال بعض العلماء : " إنه على صيغة أفعل يعني إنه أحمد الناس لربه ، بمعنى أنه أكثر الناس حمدا لربه "
لكن يعترض ابن القيم فيقول : " إن هذا الاسم يتوافق مع الاسم الأول محمد ، وهو أن اسمه أحمد يدل على أنه يُحْمَدُ في الناس أكثر من غيره ، فاجتمع فيه هذان الاسمان اللذان يدلان على اشتماله واتسامه وارتسامه عليه الصلاة والسلام بالصفات الحميدة "
يقول عليه الصلاة والسلام : (( أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب ( بمعنى الذي لا نبي بعده ) ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي - بمعنى أنه يتقدم الناس عليه الصلاة والسلام في محشرهم ))
وجاء في المسند عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : " لقيت الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة فقال : (( أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا نبي الرحمة ))
نعم ، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ **
هو رحمة حتى للكفار
والناظر والقارئ في سيرته عليه الصلاة والسلام يرى ذلك : كيف غمرت رحمته عليه الصلاة والسلام حتى الكفار.
(( وأنا نبي الرحمة ، وأنا نبي التوبة ، وأنا نبي الملاحم ( وهي الحروب ، لأن اللحوم تلتحم ويلتحم بعضها ببعض ) ، وأنا المقفي :
( المقفي لها معنيان :
المعنى الأول : أنه يقتفي أثر الرسل بعده ، ولذا قال ابن القيم رحمه الله : " ما من صفة وُجدت في نبي من الأنبياء قبله ، ما هناك صفة حميدة وجدت في نبي من الأنبياء إلا كانت في النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم مقاماتها "
فهو يقتفي أثر الرسل ((أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ))
ويكون المعنى الثاني في المقفي : أنه هو العاقب الذي لا نبي بعده عليه الصلاة والسلام .
أما خِلْقَتُه ، صفته :
وحاشاه أن تكون صفته هي التي نُشرت في تلك الصحف الكافرة ، حاشاه عليه الصلاة والسلام .
والله إن القلب ، وإن اللسان ليعجز عن أن يذكر طرفا وصورة مما ذكره أولئك ، لكن كما قال تعالى ((قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ))
خِلقته عليه الصلاة والسلام :
يقول أنس رضي الله عنه – كما في الصحيحين – يقول : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير)) :
البائن : يعني الطويل جدا ، فكان عليه الصلاة والسلام معتدلا في قامته
ليس قصيرا ، ولا طويلا طولا مفرطا .
(( ولا بالأبيض الأمهق ، ولا بالأدم ))
ليس بالأبيض الأمهق : شديد البياض
ولا بالأدم : يعني بالأسمر
وإنما اختلط هذا اللون بهذا اللون فأصبح في غاية الجمال
(( ولا بالجعد القطط ،ولا بالسبط ))
يعني ليس شعره عليه الصلاة والسلام ناعما شديد النعومة ، وليس ملتويا ، وإنما بين بين صلوات ربي وسلامه عليه .
يقول أنس رضي الله عنه : (( بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين ، وفي رواية ثلاث عشرة سنة ))
وأهل اللغة حينما يذكرون العدد وفيه كسر إما أن يجبروه ، وإما أن يحذفوه
ولذا جاءت هذه الرواية :
قال : (( فأقام في مكة عشر سنين – بناء على حذف الكسر ، وإلا فالرواية الأخرى أنه مكث ثلاث عشرة سنة – وأقام بالمدينة عشر سنين ، وليس في شعره ولحيته عشرون شعرة بيضاء ))
لو قال قائل : ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( شيبتني هود وأخواتها )) كما عند بعض أهل السنن .
فالجواب عن هذا – كما قال الشُّراح :
أنه عليه الصلاة والسلام لم يظهر به شعرات بيضاء كثيرة ، وإنما هذا الشيب المذكور في هذا الحديث إنما هو لضعف جسمه عليه الصلاة والسلام
فكان يهتم بما يقرأه في هذه السور حتى أضعفت وأنحلت جسمه صلوات ربي وسلامه عليه .
وجاء في الصحيحين :
(( كان عليه الصلاة والسلام أسمر اللون ، ولا يتنافى مع ما ذُكر؛ لأن المراد من هذه الرواية أن تنفي أنه عليه الصلاة والسلام كان شديد البياض بياضا أمهق .
(( إذا مشى يتكفأ ))
يعني كما تجري السفينة في جريها
(( كأنما ينحط من صبب عليه الصلاة والسلام ))
وجاء في الصحيحين :
(( كان عليه الصلاة والسلام رَجِلا ))
يعني : في شعره – كما أسلفنا ليس بالجعد القطط ، ولا بالسبط ،
(( كان عليه الصلاة والسلام رَجِلا مربوعا ( يعني ليس بقصير ولا طويل ) ولا بجسيم ولا نحيف ، بُعيْد ما بين المنكبين ، إذا مشى يتكفأ كأنما ينحطُّ من صبب ( كأنه سيل نزل من السماء فانحط من صبب يعني من علو إلى نزول ، وذلك لسرعته عليه الصلاة والسلام ، ولكن لا يعني أنه كان يسرع إسراعا مفرطا ، بل كان يسرع عليه الصلاة والسلام مع الوقار)
ولذا جاء عند ابن عساكر وغيره "أنه إذا مشى عليه الصلاة والسلام مشى ليس كمشية من به عجز أو كسل "
(( كأنما ينحط من صبب ، لم أر قبله ولا بعده مثله ))
وجاء عند مسلم من حديث جابر بن سمرة : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضليع الفم ( يعني عظيم الفم ) أشكل العين ( يعني أن شِق عينيه كان واسعا ) كان أشكل العين منهوس العقب ( يعني كان لحم عقبه قليلا ) ))
وجاء عند الترمذي عن جابر بن سمرة أنه قال : (( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُضحيان ( يعني في ليلة مقمرة ) فجعلت أرى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرى القمر فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم عندي أحسن من القمر ))
وجاء عند البخاري : أن رجلا سأله ،فقال : " أوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف ؟
لأن السيف يبرق ويلمع .
فقال : لا ، بل هو مثل القمر صلوات ربي وسلامه عليه
وجاء عند الترمذي في الشمائل : (( كان عليه الصلاة والسلام أبيض كأنما صيغ من فضة ))
وجاء عند مسلم : (( أنه عليه الصلاة والسلام لما عُرج به قال : (( رأيت ليلة أُسري بي موسى ، وذكر عيسى ، ثم قال : (( رأيت إبراهيم فإذا أقرب شبها به هو صاحبكم ( يعني نفسه ) ))
فالنبي عليه الصلاة والسلام يشبه أباه إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام شبها كثيرا .
وجاء عند مسلم : أن أبا الطفيل ( وهو عامر بن واثلة وهو آخر من مات من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ) أبو الطفيل عامر بن واثلة قال : (( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يبق أحد رآه غيري ، لأنه آخر من مات من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
فقيل له : صفه لنا .
فقال أبو الطفيل رضي الله عنه : (( كان أبيض مليحا ( تقاسيم وجهه مليحة عليه الصلاة والسلام ) مقصدا( يعني ليس بجسيم ولا نحيف ، وليس بطويل ولا قصير))
وفي بدنه عليه الصلاة والسلام ما يُسمَّى بـ " خاتم النبوة " :
جاء في الصحيحين : عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال : ما هو خاتم النبوة؟
يقول : أتت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنا وجع ( يعني مريض ) فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسي ، ودعا لي بالبركة ، وتوضأ فصبَّ عليّ من وضوئه ( يعني من مائه ) فصب عليّ من وَضوئه فقمت خلف ظهره فرأيت بين كتفيه مثل" زر الحجلة "
زر : يعني بيضة
الحجلة : وهو طائر معروف .
ويبينه أكثر ما جاء في رواية مسلم ، بل في حديث جابر بن سمرة عند مسلم (( أن بين كتفيه غدة حمراء كبيضة الحمامة ))
وجاء عند الترمذي في الشمائل من حديث عمرو بن أخطب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : (( يا عمرو امسح ظهري ))
قال عمرو : " فمسحت ظهره عليه الصلاة والسلام فوقع يدي على شعرات مجتمعات "
وفي رواية أحمد : " على شعرات مجتمعات بين كتفيه عليه الصلاة والسلام "
وجاء في المسند في قصة سلمان الفارسي ، وتعلمون قصته لما مرّ بالرهبان ، وهي مشهورة في السير، وهذه القصة صححها الألباني في الصحيحة .
لكن ورد في المسند أن سلمان أتى للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الرهبان قد ذكروا له أن هناك نبيا يُبعث في العرب يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة .
قال : " فأتيت – وكان رقيقا عند بعض اليهود – فأتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم برطب وهو حول أصحابه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما هذا يا سلمان ؟
فقال رضي الله عنه : إنه صدقة
فقال : ارفعه فإنا لا نأكل الصدقة
قال : " فأتيته من الغد برطب ، فوضعته بين يديه ، وقلت : يا رسول الله إن هذا لهدية .
فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه : ابسطوا أيديكم
وأكلوا
قال : " فقمت خلف ظهره ، فرأيت خاتم النبوة "
فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود بكذا وكذا درهما ، وعلى أن يغرس نخلا ، وأن يقوم عليه حتى تطعم ( يعني حتى يخرج ثمارها )
فقام عليه الصلاة والسلام فغرس النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأثمرت تلك النخيل .
فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما شأن هذه النخلة ؟ ))
فقال عمر رضي الله عنه : أنا غرستها بيدي يا رسول الله
فقام عليه الصلاة والسلام فغرسها بيده فأخرجت ثمرها .
وجاء في صحيح مسلم بل جاء عند الترمذي في الشمائل : " أن هذا الخاتم كان بضعة ناشزة ( يعني كان لحمة ظاهرة واضحة مرتفعة ) "
وجاء عند مسلم عن عبد الله بن سرجس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم في نفر مع أصحابه ، قال : " فدرت من خلفه لأرى هذا الخاتم ، فكأنه شعر عليه الصلاة والسلام ، قال : " فلما علم بشأني عليه الصلاة والسلام ألقى الحبيب عليه الصلاة والسلام رداءه حتى نظرت إليه "
قال : " فإذا بين كتفيه مثل الجمع ( يعني مثل جمع الكف ، كما تجمع كفك ) حولها خيلان ، كأنها ثأليل ، حولها نقط تضرب إلى السواد ) نوعها يميل إلى السواد ، حولها خيلان كأنها ثأليل ، فاستقبلته ، فقلت : يا رسول الله غفر الله لك "
فقال عليه الصلاة والسلام : (( ولك ))
فقال الصحابة لعبد الله : " هنيئا لك ، استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم "
فقال عبد الله : " فلقد استغفر لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ))
لو قال قائل :
ما شأن هذا الخاتم ؟
وما سبب وجوده ؟
وهل كان موجودا حين وُلد عليه الصلاة والسلام ؟
بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى .
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه ، وتوبوا إليه إن ربي كان توابا رحيما .
الخطبة الثانية
أما بعد ، فيا عباد الله :
سبب وجود هذا الخاتم هو أثر الشق الذي شقه جبريل عليه الصلاة والسلام ، لما شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم في ديار بني سعد :
جاء في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه أتاه جبريل ، وهو عليه الصلاة والسلام يلعب مع الغلمان ، فأخذه وشق صدره ، وأخرج علقة ، وقال : هذا حظ الشيطان منك
ثم جاء بطست من ذهب ، فغسل قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ثم لَأَمَه ، ثم أعاده جبريل في مكانه
فخرج الصبيان إلى أمه وهي المرضعة ، خرجوا إليها ، وقالوا : إن محمدا قد قُتل
فأتته ، وهي خائفة وجلة ، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد انتقع لونه
قال أنس : " فكنت أرى أثر المخيط في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم "
قال ابن حجر رحمه الله في كتابه " فتح الباري " :
قال : " إن هذا الخاتم هو أثر شق الملكين ، وهذا يدل على أن الخاتم كان قريبا من كتفه الأيسر، وذلك لأن القلب يقابله فيما في صدره عليه الصلاة و السلام"
قال : " ومقتضى ذلك أن هذا الختم لم يكن موجودا حين وُلد عليه الصلاة والسلام خلافا لمن زعم ذلك "
بل جاء عند مسلم : " أن هذا الخاتم كان عند كتفه الأيسر "
قال ابن حجر رحمه الله : " أما ما جاء في صحيح ابن حبان أن هذا الخاتم كبيضة النعامة فغلط ، بل ترده رواية مسلم أن هذا الخاتم كبيضة الحمامة "
قال : " وما ورد أن هذا الخاتم أثر احتجام أو كالشامة السوداء ، أو كالشامة الخضراء ، أو مكتوب عليها محمد رسول الله ، أو مكتوب عليها سرْ فأنت المنصور، فلم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه سلم "
قال رحمه الله : " وما ورد عند الطبراني أن هذا الخاتم كركبة العنز فهو حديث ضعيف "
وقال ابن حجر فيما نقله عن القرطبي في بيان مقدار هذا الخاتم :
" قال القرطبي رحمه الله : " إن قللت في مقداره وفي وصفه وفي حجمه فهو كبيضة الحمامة ، وإن أكثرت وكبَّرت فهو كمجمع الكف الواحد "
تُرى ما العلة من وجود هذا الخاتم ؟
ما الحكمة ؟
قال ابن كثير رحمه الله في " البداية " لما ذكر أقوالا عدة :
قال : " وأحسن ما قيل في الحكمة من وجود هذا الخاتم : أنك نبي لا نبي بعدك يأتي من ورائك "
صلوات ربي وسلامه عليه
الحديث – عباد الله – موصول بإذن الله تعالى عن شخصية وصفات محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، ذلكم الرجل العظيم .