الآن فتاتي.. دقّ القلب ..
وشعرتِ بدقاتٍ مختلفة لها بهجة..! لم تعهديها من قبل.. فاجأتكِ تلك الدقات وقلتِ لنفسك: ما أجملها..!! واحترت مع من ستتحدثين عنها.. وهل هناك من سيقدرها..؟!
وكأنك تعرفين الإجابة مسبقاً (حرام ما تفكرين فيه, حرام ما تتكلمين عنه, حرام ما تشعرين به), ولذا ستؤثرين السلامة, وسوف تتكتمين على الأمر.. ولكن مهلاً بنيتي..! أقول لك: افتحي قلبك وأفصحي عما به فسوف أصغي إليك, ولن أختزل مشاعرك ودقات قلبك في حب الوطن أو حب الوالدين والإخوة والأصدقاء..! لأني أعرف أن تلك المشاعر ما أقفر قلبك منها.. فهي جزء من موروثنا الوجداني، ولا نبذل الكثير من الجهد حتى نمتلكه.. لأنه حب بالفطرة..!!
فحب الوطن استقرار، وحب الوالدين بر وحنان, وحب الإخوة قوة ورباط, وحب الأصدقاء مروءة ووفاء.
أما حب (...) الذي يدقّ له القلب بلا مسميات, وتصمت عنده الشفاه بلا كلمات, وتضطرب الجوارح خوفاً من الانفلات, وتغيب النظرات كي لا ينكشف الحجاب, وتزداد حمرة الوجه فرحاً وابتهاجاً, فهذا هو الحب الذي يدق له القلب من غير ميعاد وبدون أسباب..! ونشعر وقتها بثقل الحمل الذي حبسناه في نفوسنا, ومقدار الحرج الذي يلعثم أحلامنا, وتتوارى أفكارنا وتتذبذب بين كم من الأسئلة – لماذا..؟ كيف..؟ ولِمَ لا..؟
ولكني أقول لك يا صغيرتي على رسلك.. لكل سؤال من أسئلتك جواب :
لماذا؟ لأننا نتمتع بالحياة, تلك النعمة التي مّن الله -عز وجل- بها علينا كي نستثمرها فيما يحب.. ودق القلب علامة للحياة.. ولكن عليك أن تحسني الاختيار.. فأي حياة تريدين..؟! فأنت مخيرة ولست مسيرة.. ولهذا استوجب الحساب يوم القيامة على خياراتنا في الدنيا, ولك الحق في الاختيار لتك الحياة التي تريدينها لنفسك, وما أوسع دائرة الحلال.. فلا تلقي بنفسك في ضيق المعصية..! فهناك حياة كهذه "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى". [طه:124], وهناك حياة كهذه "أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ".[الأنعام:122]. وهكذا فالجزاء من جنس العمل.. فبقدر تطويع النفس وتركها لما حرم الله بقدر ما تكون السعادة في الدنيا والآخرة.. والمسألة بيدك أنت كما قال تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا".[الشمس:9-10]. وبهذا تسعدي بتلك الدقات الزائرة لقلبك.. فمن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
ولكن كيف؟ نعم كيف ستختار وهل هذا الحب يمكن أن يرضي الله ونحيا به حياة طيبة..؟!
أقول لك نعم تستطيعين أن تحسني الاختيار إذا استخدمت ذلك الميزان المميز الذي أرشدنا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس". فإذا شعرت بالخوف من البوح بتلك الدقات لمن يهمه أمرك.. أمك و أبيك فاعلمي أنه إثم..! وحتى تلقي من قلبك ذلك الإثم عليك البوح به لله -عز وجل- عندما تلجئين إليه وتستعينين به.. وتذكري أنك إذا حفظت حدود الله فسوف يحفظك الله.. "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ".[الطلاق:2-3].
ولكنك ستسارعين بالسؤال ولِمَ لا..؟!
لِمَ لا تحبين..؟! لم لا تستعجلين تلك السعادة؟! وما الذي يحملك على الصبر حتى يأتي رزق الله؟!
أقول لك.. ولِمَ لا تصبرين..! فلكل إنسان اختبار، وابتلاء وبقدر الصبر والتحمل يكون الأجر والعطاء.. وهل العفة حقيقة ولقباً يُمنح من غير ابتلاء..؟! فالعفة نعمة تُحسّ بالعزيمة..! فهي كالمعدن النفيس لا تظهر أصالته إلاّ بصهره بحرارة الصبر حتى يُنَقّى من الشوائب فنتمتع ببريقه الأخّاذ..!!
واعلمي أن تلك المشاعر التي تختلج في قلبك وتزيّن لك ما حرم الله -عز وجل- في عينيك ما هي إلاّ فتنة.. فاجعلي أصالة معدنك تصدّ عنك غوائل الشيطان..!!
وكوني كابنة شعيب -عليه السلام- عندما اختارت, كان القوي الأمين, وعندما باحت بما يختلج صدرها كانت أمها أول من يسمعها, وعندما جاءت تمشي على استحياء اتقاءً.. ومراقبةً لله، رزقها الله من حيث لا تحتسب، ورُزقت بموسى زوجاً, وعندما مُلئ قلبها بحب الله رُزقت الحب الذي يسعد أي فتاة، وعندها فقط يدق القلب فرحاً بأجمل دقات يتمناها قلب فتاة..!!