ضرورة الإكثار من التوبة والإستغفار - لمعالي الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله تعالى-
خطبة الجمعة
ضرورة الإكثار من التوبة والإستغفار لمعالي الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله تعالى-
الخطبة الأولى
الحمد لله العزيز الغفار، يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه المهاجرين منهم والأنصار، وسلم تسليماً كثيرا أما بعد
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه العظيمة، لقد مرت بكم مواسم عظيمة، مر بكم شهر رمضان وما فيه من الخيرات والبركات، ومغفرة الذنوب والسيئات، ومُضاعفة الحسنات، ومرت بكم أشهر الحج إلى بيت الله الحرام وما فيها من الخيرات والبركات، والأعمال الصالحات، وها أنتم الآن في شهر الله محرم الذي مر بكم يومه العاشر يوم عاشوراء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفر السنة الماضية" أخرجه مسلم.
عباد الله، وإن الله شرع بعد العبادات، وبعد مواسم الخيرات شرع الاستغفار والتوبة لما يحصل من الإنسان، لما يحصل من الإنسان في هذه المواسم من التقصير والغفلة، فيجبر ذلك بالاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والله يتوب على من تاب، والاستغفار مطلوب في كل وقت، ولكنه بعد الفراغِ من العبادات، وبعد انقضى مواسم الخيرات، أكد وأكد فأكثروا من الاستغفار، وأكثروا من التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه يغفر الذنوب جميعاً، لمن تاب إليه وأناب، لا سيما وأنتم تشكون من انحباس المطر الذي أنتم بأشد الحاجة إليه، قد أمركم الله بالاستغفار لينزل عليكم المطر، ويدر عليكم من نعمه، قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)، وقال نوح لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً)، واعلموا أنه إذا نالكم شيء مما تكرهون فإن ذلك بسبب ذنوبكم، فاستغفروا الله وتوبوا إليه، لأجل أن يُعيد عليكم نعمه، فإنه سبحانه وتعالى قريبٌ مجيب، والإنسان ابن آدم بحاجةِ إلى الاستغفار قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم خطاء وخير الخطاءين التوابون"، وخيرة الخلق وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يُكثرون من الاستغفار، كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحصى له في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة يقول: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله وأتوب إليه، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني استغفر الله في اليوم سبعين مرة"، فعلينا أن نكثر من الاستغفار، والاستغفار هو طلب المغفرة من الله سبحانه وتعالى، وليس ذلك باللسان فقط، فإن الاستغفار باللسان لا يُفيدُ شيئا، وإنما هو استغفار مصحوب بالتوبة (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا)، استغفار مصحوب بالتوبة والتوبة هي الرجوع إلى الله، وإلى طاعته، وترك معصيته، هذه هي التوبة فمن تاب إلى الله تاب إلى الله توبة نصوحة، تاب إلى الله توبة نصوحة وهي التوبة الخالصة الصادقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، فالتوبة النصوح هي التي يتوفر فيها ثلاثة شروط:
الشرط الأول: ترك الذنوب التي تتوب منها وتستغفر منها تتركها نهائيا، أمَّا من استغفر وتاب إلى الله بلسانه وهو مُقيم على الذنوب لا يتغير، فلن يقبل الله توبته.
الشرط الثاني: أن يعزم أن لا يعود إلى الذنوب، بل يستمر على توبته إلى الممات، فإن كان في نيته حين يستغفر وحين يتوب في نيته أنه سيعود إلى الذنوب إذا سمحت له الفرصة، فإن هذه توبة مؤقتة لا يتقبلها الله سبحانه وتعالى منه، لكن لو غالبته نفسه، ووقع في الذنب مرة ثانية بعدما تاب فلا يقنط من رحمة الله، ولا يقول إن عصية وتوبة ثم عدة إلى المعصية فلن يغفر الله لي، إنما هذا من الشيطان، فعليه أن يكرر التوبة، ولو تكرر منه الذنوب والمعاصي قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ).
والشرط الثالث: أن يندم على ما حصل منه ويتحسر ويتأسف، ويستحي من الله كلما ذكر ذنبه فإنه يندم على ذلك، أما إذا كان لا يندم ذنبه، بل ربُما يفتخر به، فإن الله لا يقبل توبته، لأنه توبةٌ من كذاب، لا يندم على الذنوب، التوبة من معناها الندم الندم على ما يحصل من الإنسان والحياء من الله سبحانه وتعالى، فالذي لا يندم على ذنوبه وإن تاب بلسانه، وتاب بأفعاله، فإنه لا يُقبل منه.
وهناك شرط رابع يُضاف إلى هذه الشروط وهو إذا ما كانت المعصية بينه وبين الناس بأن ظلمهم، تعدى عليهم، اغتابهم، سبَّهم، تكَّلم عليهم، استهزئ بهم، تنقصهم، فإنه قد تعدى عليهم، فإنه مع الشروط السابقة أن يستسمحهم، وإذا كانت عنده مظالم لهم فإنه يردها عليهم، أما إذا تاب والمظالم عنده وحقوق الناس عنده، فإنها لا تُقبل توبته لأن حقوق الآدميين لا بد أخذه منه عاجلاً أو آجلاً، لا بد من القصاص إلا من طلب المسامحة، وأدى المظالم التي عليه، وإن كان أساء إلى أحدٍ ويخشى لو أخبره أن يحقد عليه أو يغضب عليه، أو إنسانٌ مات فإنه حين إذنِ يدعوا له، ويُكثر من الثناء عليه خصوصاً في المجالس التي كان يغتابه فيها، فيُكثر من الثناء عليه، ويدعوا له، ويكون ذلك مُكفراً لذنوبه بإذن الله.
فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من التوبة والاستغفار، أكثروا من التوبة والاستغفار، لا يقولُ أحد منا أنا تُبت مرة يكفي، بل أكثر من التوبة والاستغفار ليلاً ونهاراً لعلى الله أن يتوب علينا وعليكم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلإ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واستغفروه في كُل وقت، وفي كُلِ أوان، ولكن يتأكد الاستغفار في مواضع وفي أوقات، أما المواضع فقد مر بكم أن الإنسان يستغفر الله، ويتوب إليه بعد العبادات بعد الصلوات الخمس، كان صلى الله عليه وسلم: "إذا سلَّم من الفريضة يقول استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله" ثلاث مرات، فأكثروا من الاستغفار بعد الفرائض، وكذلك بعد صلاة الليل من وفقه الله لقيام الليل، أو بعضه، عليه أن يختم ذلك بالاستغفار (كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، والمستغفرين بالأسحار فهذه أوقاتٌ تُرجى فيها إجابة الدعاء في ثلث الليل الآخر، في الحديث الصحيح "ينزل ربنا سبحانه وتعالى كُل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء دنيا، فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائلٍ فأعُطيه؟ حتى يطلع الفجر" وذلك في كل ليلة، فتعرضوا لنفحات ربكم في هذه الأوقات العظيمة لعل الله أن يغفر لنا ولكم ولجميع المسلمين.
ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكُلُ بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا وأمور المسلمين، اللهم أصلح ولتنا وولاة المسلمين، اللهم اجعل ولاتنا فيما خافك واتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم ولينا خيرنا وكفنا شررنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا،اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهم أحي بلادك وعبادك وبهائمك اللهم اسقي عبادك وبلدك، وبهائمك، ، وأحي بلدك الميت (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)،
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
للإستماع للخطبة