إنَ العملية التربوية تتطلب من المربين أن يهتموا بأطفالهم بصورة جيدة، وتعليمهم القيم الأخلاقية النبيلة، كالاستقامة، والأمانة، والتعاون، والمحبة، والتسامح، والمرونة في التعامل، والابتسامة في مقابلة الآخرين، والصدق، والصراحة، وهذه القيمة الأخلاقية الأخيرة هي موضوع مقالنا الحالي، نظراً لأهمية الصدق والصراحة في حياة الصغار والكبار، لأن هذه القيمة وغيرها من القيم الإيجابية تخدم المجتمع، وتحفز الطاقات للتطوير الإيجابي، وتجاوز كل معرقلات النمو والتطور، الناشئة عن القيم المشوهة من الكذب، والحسد، والنميمة، والعدوانية، والخداع، والانتهازية، وكافة الممارسات والأخلاقيات السلبية الأخرى، وكل هذا لن يتأتى إلا بالتربية الإسلامية، والاقتداء بالهدي النبوي الكريم، والأبناء ينظرون إلى الآباء كقدوة حسنة لهم، لذا من الضرورة بمكان إثبات قيمة الصدق والصراحة خلال الممارسة العملية، فمثلاً إذا كان الوالد يكذب على من يخالطه أمام أبنائه، فإن الأبناء لن يتعلموا الصدق والصراحة، طالما أنهم يجدون آباءهم يكذبون أمام مرآهم ومسمعهم! فالتربية السليمة يجب أن تكون مقرونة بالممارسة الصادقة الموضوعية، ولا ننسى أنَ هناك الآن اتجاهاً تربوياً في العالم يدعو إلى تربية الآباء قبل الأبناء، وهذا يأتي كناحية هامة وضرورية لأن تصرفات الآباء السلبية تنعكس سلباً على أخلاق وتربية أبنائهم، ولكي ننمي قيمة الصدق والصراحة علينا أن نبين من خلال التعليم، والتربية، والقصص والحكايات والأمثلة الواقعية مدى خطورة الكذب، ولو تأملنا النصوص الشرعية لوجدناها قد رفعت من شأن الصدق، وحذرت من خطورة الكذب وبينت عقوبته، قال تعالى:" يَـاايهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ "[ التوبة:119]. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب من علامات المنافقين فعن عبد اللّه بن عمرو أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " أربعٌ مَنْ كُنَّ فيهِ كان مُنافِقاً خالصاً، وَمَنْ كانتْ فيهِ خَصْلةٌ مِنهنَّ كانتْ فيهِ خَصْلةٌ مِنَ النفاقِ حتى يَدَعَها: إذا اؤْتُّمِنَ خان، وإذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غدرَ، وإذا خاصمَ فَجَرَ ". وقال النبيَّ صلى الله عليه وسلم:" عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر،وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ،وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور،وإن الفجور يهدي إلى النار،وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " وعن عبد الله بن عامر، أَنَّهُ قالَ: " دَعَتْنِي أُمِّي يَوْماً وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ في بَيْتِنا، فقالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " ومَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ قالَتْ أُعْطِيهِ تَمْراً، فقالَ لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " أُمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئاً كُتِبَتْ عَلَيْكَ كذبَةٌ ". فهذا توجيه نبوي للآباء والأمهات للاتصاف بصفة الصدق في التعامل مع الأبناء، وكم نحتاج لوقفات مع هذا اللفتة التربوية من النبي صلى الله عليه وسلم ، خصوصاً أن الكثير من الآباء يَعِدُ أبناءه بهدية ونحوها ثم لا يصدق، فيتربى الأبناء على الكذب والسلوكيات الخاطئة، التي سيجني ثمارها الآباء! ثم نحن نقول لماذا أبناؤنا يكذبون !؟