فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (15) وجاءوا أباهم عشاء يبكون (16) قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (17) وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (18) وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون (19) وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين (20) وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (21) ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين (22)
15 - فأرسله يعقوب معهم، فلما ذهبوا به بعيدا، وعزموا على رميه في قعر البئر، أوحينا إلى يوسف في هذه الحال: لتخبرنهم بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بك حال إخبارك لهم.
16 - وجاء إخوة يوسف أباهم وقت العشاء يتباكون ترويجا لمكرهم.
17 - قالوا: يا أبانا، إنا ذهبنا نتسابق على الأرجل ونترامى بالنبال، وتركنا يوسف عند ثيابنا وأزوادنا ليحفظها، فأكله الذئب، ولست بمصدق لنا، وإن كنا في الواقع صادقين فيما أخبرناك به.
18 - وأكدوا خبرهم بحيلة، فجاؤوا بقميص يوسف ملطخا بدم غير دمه، موهمين أنه أثر أكل الذئب له، ففطن يعقوب -بقرينة أن القميص لم يمزق- لكذبهم، فقال لهم: ليس الأمر كما أخبرتم، بل زينت لكم أنفسكم أمرا سيئا صنعتموه به، فأمري صبر جميل لا جزع فيه، والله المطلوب منه العون على ما تذكرونه من أمر يوسف.
19 - وجاءت قافلة مارة، فبعثوا من يستقي لهم الماء، فأرسل دلوه في البئر، فتعلق يوسف بالحبل، فلما أبصره مرسلها قال مسرورا: يا بشراي هذا غلام، وأخفاه واردهم وبعض أصحابه عن بقية القافلة زاعمين أنه بضاعة استبضعوها، والله عليم بما يفعلونه بيوسف من الابتذال والبيع، لا يخفى عليه من عملهم شيء.
20 - وباعه الوارد وأصحابه بمصر بثمن زهيد، فهو دراهم سهلة العد لقلتها، وكانوا من الزاهدين فيه لحرصهم على التخلص منه سريعا، فقد علموا من حاله أنه ليس بمملوك، وخافوا على أنفسهم من أهله، وهذا من تمام رحمة الله به حتى لا يبقى معهم طويلا.
21 - وقال الرجل الذي اشتراه من مصر لامرأته: أحسني إليه وأكرميه في مقامه معنا؛ لعله ينفعنا في القيام ببعض ما نحتاج إليه، أو نصيره ولدا بالتبني، وكما أنجينا يوسف من القتل، وأخرجناه من البئر، وعطفنا عليه قلب العزيز؛ مكنا له في مصر، ولنعلمه تأويل الرؤيا، والله غالب على أمره، فأمره نافذ، فلا مكره له سبحانه، ولكن غالب الناس -وهم الكفار- لا يعلمون ذلك.
22 - ولما بلغ يوسف سن اشتداد البدن أعطيناه فهما وعلما، ومثل هذا الجزاء الذي جزيناه به نجزي المحسنين في عبادتهم لله.
[من فوائد الآيات]
• بيان خطورة الحسد الذي جر إخوة يوسف إلى الكيد به والمؤامرة على قتله.
• مشروعية العمل بالقرينة في الأحكام.
• من تدبير الله ليوسف عليه السلام ولطفه به أن قذف في قلب عزيز مصر معاني الأبوة بعد أن حجب الشيطان عن إخوته معاني الأخوة.