مسألة: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ** 1 الآية. ما إعرابها؟
الجواب: فيها قراءتان لما آتيتكم بالفتح، ولما آتيتكم بكسرها. فأمّا عن فتحها فتحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون اللام للابتداء، وهي جواب القسم المفهوم من قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ** 2 وما موصولة مبتدأ، وآتيتكم صلة ... 3، ومن كتاب حال. والتقدير: للذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق لما معكم، جملة معطوفة على الجملة الواقعة صلة، فيكون صلة ثانية. والعائد محذوف أيضا. والتقدير ثم جاءكم به رسول، ثم حذفت الهاء توسعا فانتصب الضمير واتصل بالفعل، ثم حذف بعد ذلك كما حذفت الهاء من آتيتكموه.
وعن الأخفش أن ما معكم من قوله تعالى: {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ** 4 لما كان هو نفس ما آتيتكم من كتاب، وحكمة حصل الربط، ولم يحتج إلى عائد.
وهذا نظير قولهم: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، وذلك شاذ، فلا ينبغي التخريج عليه.
والوجه الثاني: أن يكون اللام لام التوطئة، وما شرطية، وآتيتكم في موضع جزم لأنه فعل الشرط وجاءكم كذلك، لأنه معطوف عليه وعلى هذا فما مفعول لآتيتكم قدم لأن لها الصدر، وليس مبتدأ لأن ذلك يؤدي إلى تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه، فلهذا لا يجوز (زيد ضربت) عند البصريين إلا في الضرورة. و [12 أ] الضمير المجرور بالياء يعود على ما قطعا لا على الرسول.
أما إذا قدرنا ما موصولة فلأن الخبر قسم محذوف، وجوابه مذكور وهو لتؤمنن، فلا بد من ضمير يرجع منه للمبتدأ وهو ما.
وأما إذا قدرنا ما شرطية، فلأن اسم الشرط إذا لم يكن ظرفا لزم اشتمال جوابه على ضمير راجع إليه [فلا يجوز] 1 ما تصنع (أضرب عمرا) وعن أبي الحسن أنه يجيز ذلك.
مستدلا بنحو قوله:
ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا2
[وافر]
وعلى هذا فيجوز عود الضمير على رسول، وقوله في المسألة ضعيف ولا يتمسك له في البيت. وأما من كسر اللام فهي لام الجر
متعلقة بأخذ أي: أخذ ميثاقكم لهذا الأمر. وما إما مصدر أي لإيتائي إياكم الكتاب والحكمة، ثم مجيء رسول، وفي الضميرين من آتيتكم التفاتان1 لأن في الأول خروجا من الغيبة إلى الخطاب، وما موصولة، ويأتي المذهبان في رابط الجملة.
وهذا آخر الكتاب. قال مؤلفه ـ رحمه الله تعالى ـ: سئلت عنها بالحجاز في عام سبع وأربعين وسبعمائة، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.