لا نشك طرفة عين أن مطلب الذين يسعون إلى توحيد كلمة المسلمين , وإلى تقوية روابط
( و أواصر ) الأخُوّة بينهم ضد أعداء الله ,
بأنه في غاية الأهمية ,
ولكن هل يمكن أن تتوحد كلمتهم على غير التوحيد الذي أمر الله به ؟؟؟
وهل تقوم للمسلمين قائمة على غير التوحيد ؟
وهل يمكن تقوية روابط الأخوة بين المسلمين
على غير التوحيد ؟
ولا يمكن للمسلمين أنْ يعودوا إلى عزِّ سلفهم
و مجدهم إلا بالتوحيد , ولا يمكن أن يتحقق النصر والأمن والأمان إلا بالتوحيد ,
و لكن هل المسلمون اليوم يحققون معنى
" لا إله إلا الله محمد رسول الله "
اعتقاداً وقولاً وعملاً ومتابعة ؟؟؟
إنَّ المسلمين اليوم علماء ومتعلمين وعوام
هم أحوج ما يكونون إلى تصحيح عقائدهم ,
و فهم معناها الحقيقي وإلى توضيحه ,
بلا غموض ولا نقص , ولا تناقض , ولا خلل , بعيدا عن مصطلحات أهل البدع
مع شيء مِن التفصيل في بيان معانيها ,
وحتى نخلص كل من أصابتهم الحيْرة و تخبطوا فيها من الذين سيطرت على عقولهم تلك التيارات والجماعات الحزبية والبدعية
ذات الأفكار الهدامة .
ونظرا للخلل العظيم الذي أصاب عقيدة المسلمين , مما أدى إلى التفرق والتمزق , والتكتلات
الحزبية بين المسلمين .
فشلت كل الروابط التي أُقيمت على غير التوحيد الذي جاء به جميع المرسلين ،
فصار المسلمون ** كسراب بقيعة يحسبه الظمآن
ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ** .
فسرعان ما انهارت وانصهرت تلك التكتلات الزائفة أمام عواصف وأعاصير الفتن والمحن والابتلاءات ,
والواقع خير شاهد على ذلك كله ..
قال الله تعالى : ** ولَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَةٍ رَسولاً أَن اعْبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطّاغوتَ **
سورة النحل 36
وقال تعالى : ** وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاّ نُوحِي إليهِ أنّهُ لا إله إلَّا أنا فاعْبُدُونِ **
سورة الأنبياء 25
قال الله تعالى :
** شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ ما وَصَّى به نُوحاً والّذي أوْحَيْنَا إلَيْكَ وما وَصَّيْنَا به إبْرَاهيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ **
سورة الشورى 13
~ قال العلاّمة السّعدي رحمه الله تعالى في تفسيره :
ولهذا قا ل: ** أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ **
أي : أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان .
** ولَا تَتَفَرَّقُوا فيه ** أي : ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابا، وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم على أصل دينكم . اهـ
ولحسم مادة النزاع الجالبة للتفرق لا بد من العمل بقوله تعالى : ** فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً **
سورة النساء 59
~قال العلاّمة السّعدي رحمه الله تعالى
في تفسيره :
ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى الرسول
أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله؛
فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه،
أو مفهوم،
أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه،
لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين،
ولا يستقيم الإيمان إلا بهما .
فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال :
** إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ واليَوْمِ الْآخِرِ **
فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت،
كما ذكر في الآية بعدها ** ذَلِكَ **
أي : الرد إلى الله ورسوله
** خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلًا ** فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم . اهـ
~ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
« فمَن علم بما جاء به الرسل ,
و آمن به إيماناً مفصلاً و عمل به ,
فهو أكمل إيماناً وولايةً لله , مِمَّن لم يعلم ذلك مفصلاً و لم يعمل به , و كلاهما وليُّ لله » .
_الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان
( ص 20 ) .
~ قال العلّامة ابن باز رحمه الله تعالى :
« فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضِّحوا للناس دينهم , و أن يبيِّنوا لهم حقيقة التوحيد , و حقيقة الشرك , كما يجب على أهل العلم أن يوضِّحوا للناس وسائل الشرك و أنواع البدع الواقعة بينهم , حتى يحذروها »
_ فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة ( ص 7 - 8 )
~ قال العلاّمة الألباني رحمه الله تعالى :
« ولهذا أنا أقول اليوم : لا فائدة مطلقاً مِن تكتيل المسلمين , و مِن تجميعهم , ثم تركهم في ضلالهم , دون فهم هذه الكلمة الطيبة , " لا إله إلا الله "
و هذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة » .
_ التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ( ص 17 ) .
وقال أيضا رحمه الله تعالى :
« إنَّ هذا الواقع الأليم ليس شراً ,
مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية ,
حينما بُعِث إليهم نبينا محمد صلى الله عليه و سلم لوجود الرسالة بيننا و كمالها ,
ووجود الطائفة الظاهرة على الحق ,
والتي تهدي به و تدعو الناس للإسلام الصحيح , عقيدة ,وعبادة, و سلوكا ,و منهجا ,و لا شك بأنَّ واقع أؤلئك العرب في عصر الجاهلية ,
مماثل لما عليه كثير مِن طوائف المسلمين اليوم , بناءً على ذلك نقول :
العلاج هو ذاك العلاج , والدواء هو ذاك الدواء , فبمثل ما عالج النبي صلى الله عليه و سلم
تلك الجاهلية الأولى ,
فعلى الدعاة , الإسلاميين جميعهم أنْ يعالجوا سوء الفهم لمعنى
" لا اله إلا الله " ,
و يعالجوا واقعهم الأليم ,
بذلك العلاج و الدواء نفسه » .
_ التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ( ص 7 - 8 )
~وقال العلاّمة الألباني أيضا رحمه الله :
حول سؤال النبي صلى الله عليه و سلم للجارية أين الله ،
" واليوم أقول لا يوجد شيء مِن هذا البيان و الوضوح بين المسلمين , لو سألتَ
– لا أقول راعية الغنم - , بل – راعي الأمة –
أو جماعة , فإنَّه قد يَحار في الجواب ,
كما يَحار الكثيرون اليوم ,
إلا مَن رحم ربي , و قليل ما هم .
إذاً , فالدعوة إلى التوحيد و تثبيتها في قلوب الناس تقتضي منّا ألا نمرّ بالآيات دون تفصيل , كما في العهد الأول » .
_ التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ( ص 29 ) .
فبهذا المنهج الربَّاني الذي قام به الأنبيـاء و الرسـل في دعوتهم , نستطيع أن نصحّح
كل ما شاب عقيدتنا , وعبادتنا , وسلوكنا , ومنهجـنا ,من شوائب البدع والخرفات والضلال
و حينئذ يمكننا أنْ نوحِّدَ كلمتنا ,
و ساعتئذ يتحقق ما نصبُ إليه ، ألا وهو نصرنا على أعدائنا بإذن ربِّنا عزّ وجلّ .
وليتم كل ذلك فلابد من حفظ مكانة العلماء الربانيين الراسخين أولا ، لأنهم ورثة الأنبياء،
ورثوا العلم ، ولا يمكن للأمة أن تسير وتتحرك بدون علمائها فهم يدلون على الطريق ويرشدون إليه ومشورتهم وقولهم لا يستغني عنها
سائر إلى الله عز وجل .
قال الله تعالى :
﴿ يرْفَعِ الله الّذينَ آمَنُوا مِنكُمْ والّذينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ واللهُ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
سورة المجادلة 11
وقال الله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذينَ يَعْلَمُونَ والّذينَ لَا يَعْلَمُونَ إنّما يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾
سورة الزمر 9