ومن المكاسب المحرمة أن يكتسب الإنسان المال بممارسة بيع وشراء ما لا يجوز مثل أن يتجر بالدخان فإن الدخان محرم لما فيه من الضرر البدني والمالي فإذا اتجر به الإنسان فإن الاتجار به محرم وكسبه حرام أيضاً ومن ذلك أن يبيع ما لا يجوز بيعه مثل أن يبيع كلباً أو خنزيراً أو نحو ذلك ومن هذا أيضاً أن يتجر بالخمور والمخدرات وغير هذا من الأشياء التي حرمها الله فكل من اكتسب شيئاً محرماً فإن عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويخرج من ماله مقدار الكسب الحرام إن علمه فإن لم يعلمه تحرى فأخرج ما تبرأ به ذمته.
ماحكم الشرع في نظركم في التدخين وما حكم المتاجرة به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين الذي هو شرب الدخان اختلف أهل العلم فيه ما بين مبيح ومحرم كما هو الشأن في كل أمر جديد يقع على الساحة فإن العلماء تختلف اجتهاداتهم فيه ولكن في الأونة الأخيرة تبين للإنسان أنه لا يمكن القول بإباحته لما يشتمل عليه من الأضرار المستعصية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك وقد قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقال تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولما ثبت أنه ضرر فإننا نضيف إلى ضرر البدن الضرر المادي فإن به إفناء كثير من المال ولو أن الإنسان أحصى ما يتلفه في هذا السبيل لرأى أنه يتلف شيئاً كثيراً فيكون صرف المال فيه من باب إضاعة المال وقد قال الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) فنهى عن إيتاء السفهاء وهم الذي لا يحسنون التصرف بأموالهم أن يؤتوا المال، وبين أن المال قيام أي تقوم به مصالح الدين والدنيا وإنما نهى عن إتيان السفهاء أموالهم، قال الله عنها (أَمْوَالَكُمْ) لأجل أن يكون الإنسان حريصاً على مال اليتيم كما يحرص على ماله وإلا فمن المعلوم أن المال لليتيم ومع ذلك نهى عن إتيان السفهاء ذلك لأن السفهاء لا يحسنون التصرف فيه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، ولأن شارب الدخان تثقل عليه العبادات ولا سيما الصوم لأنها تحجزه عن شربه وإنه بهذه المناسبة مناسبة استقبال شهر رمضان عام عشرة وأربعمائة وألف أحب أن أوجه نصيحة قصيرة إلى الذين ابتلوا بشربه وأقول إن هذا الشهر المبارك شهر رمضان ميدان فسيح للتسابق إلى تركه أولاً لأنه شهر ينبغي أن تكثر فيه الأعمال الصالحة وثانياً أن الصائم لن يتناول هذا الدخان في النهار فإذا صبر عن شربه طول النهار فليتصبر أيضاً في الليل حتى يطلع الفجر فإذا دام على ذلك لمدة شهر كامل فإن ما في دمه من النيكوتين سوف يتحلل ويزول ويسهل عليه جداً أن يتركه فنصيحتي للإخوان الذين ابتلوا به أن يستعينوا الله عز وجل في هذا الشهر شهر رمضان على تركه ومن استعان الله بصدق وإخلاص أعانه الله عز وجل وخلاصة القول أن شرب الدخان محرم لأنه ضرر على البدن وضرر على المال وضرر على النفس وإذا كان الشيء محرماً كان الاتجار به محرماً وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه) فلا يحل الاتجار به وعلى من ابتلي بذلك أن يقلع عن هذا لأن الاتجار به حرام والكسب الحاصل به حرام.
الكتاب: فتاوى نور على الدرب
المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
[الكتاب مرقم آليا]