شتات ...
الراوي الذي يصفه ابن حجر في تقريب التهذيب بـ (مقبول) ما حاله؟
الغريب أن بعض طلبة العلم انتهوا إلى أنه ثقة، وبعضهم انتهى إلى أنه ضعيف!
ومن تأمل تصرف ابن حجر وعبارته في من يقول فيه : مقبول؛ يتبين بإذن الله أن حاله ليس بهذا الإطلاق.
ولتتضح الرؤية أورد مراتب عبارات الجرح والتعديل التي ذكرها ابن حجر في التقريب، ليتم التركيز على المرتبة التي أورد فيها هذا الوصف: (مقبول).
قال في مقدمة تقريب التهذيب:
"انحصر لي الكلام على أحوالهم (يعني الرواة) في اثنتي عشرة مرتبة، وحصر طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة.
فأما المراتب؛
فأولها: الصحابة: فأصرح بذلك لشرفهم.
الثانية: من أكد مدحه: إما: بأفعل: كأوثق الناس، أو بتكرير الصفة لفظا: كثقة ثقة، ومعنى: كثقة حافظ.
الثالثة: من من أفرد بصفة، كثقة، أو متقن، أو ثبت، أو عدل.
الرابعة: من قصر عن درجة الثالثة قليلا وإليه الاشارة، بصدوق، أو لا بأس به، أو ليس به بأس.
الخامسة : من قصر عن (درجة) الرابعة قليلا، وإليه الاشارة بصدوق سيئ الحفظ، أو صدوق يهم، أو: له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة: كالتشيع، والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم مع بيان الداعية من غيره.
السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الاشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
السابعة: من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، وإليه الاشارة بلفظ: مستور، أو مجهول الحال.
الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الاشارة بلفظ: ضعيف.
التاسعة: من لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثق، وإليه الاشارة بلفظ: مجهول.
العاشرة: من لم يوثق البته، وضعف مع ذلك بقادح، وإليه الاشارة بمتروك، أو متروك الحديث، أو واهي الحديث، أو ساقط.
الحادية عشرة: من اتهم بالكذب.
الثانية عشرة: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع"اهـ
أقول: من تأمل العبارات والمراتب السابقة يتبين الآتي:
أولا: أن من قيل فيه مقبول هو في المرتبة السادسة .
ثانياً : أن المرتبة السادسة عند ابن حجر هي آخر مراتب التعديل .
ثالثاً : صرح ابن حجر بأن أصحاب المرتبة السادسة : "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله"اهـ، ومعنى هذا أن حديثه لا يترك بسببه، ومعنى ذلك أن حديثه في حيز القبول.
ولكن هذا بشرط ذكره وهو قوله: "وإليه الاشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث"اهـ.
ومعنى حيث يتابع يعني لا يأتي بما ينكر، فإذا جاءت روايته كذلك فإنه يحسن حديثه. ومعنى هذا أنه لا يقبل تفرده.
فإنه ذكر في المرتبة قبلها : الخامسة: من قصر عن درجة من قيل فيه صدوق؛ وإليه الاشارة بصدوق سيئ الحفظ، أو صدوق يهم، أو: له أوهام، أو يخطئ، أو تغير بأخرة، ويلتحق بذلك من رمي بنوع من البدعة: كالتشيع، والقدر، والنصب، والإرجاء، والتجهم مع بيان الداعية من غيره؛
ومعلوم أن أصحاب المرتبة الخامسة يقبل حديثهم مالم يكن مما نص على أنه من أوهامهم.
فيكون أصحاب المرتبة السادسة دونهم في ذلك وهم من يقبل حديثهم بشرط أن لا يكون فيه نكارة. وهذا فيما يظهر معنى قوله : "وإليه الاشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث"اهـ
(حيث يتابع) يعني لم يأت بما ينكر سنداً أو متناً.
والحاصل : أن من قيل فيه مقبول، يقبل حديثه، بشرط أن لا يأت بما ينكر، وهذا معنى (حيث يتابع)، فإن جاء بما ينكر (فلين الحديث).
والله اعلم .
لفضيلة الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله