بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ( غربة ) ، أما بخصوص استفساركم عن الاستفادة من التأمين الصحي الخاص بأختكم المصونة ، فهذا الأمر لا يجوز من وجهين :
الأول : أنه يدخل في صميم الكذب ، فانتحال شخصية أختكم المصونة يعتبر من الكذب على الجهات المسؤولة عن هذا الأمر 0
فتحريم الكذب من قطعيات الدين التي لا خلاف فيها بين المسلمين ، ويستوي في ذلك جميع الأوقات والأحوال إلا ما خصه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت :
( ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب مما يقول الناس إلا في ثلاث : في الحرب وإصلاح ذات البين وكلام الرجل لامرأته وكلام المرأة لزوجها ) ( حديث صحيح - الألباني - صحيح الأدب المفرد - برقم 297 )
فالكذب من الكبائر، والله تعالى يقول في محكم التنزييل :
( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ( سورة النحل - الآية 105 )
يقول صاحب التفسير الميسر : ( إنما يختلق الكذبَ مَن لا يؤمن بالله وآياته, وأولئك هم الكاذبون في قولهم ذلك. أما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بربه الخاضع له فمحال أن يكذب على الله, ويقول عليه ما لم يقله ) 0
وقوله سبحانه وتعالى :
( فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ( سورة آل عمران - الآية 61 ) 0
والكذب من صفات المنافقين كما ثبت من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان )( رواه الإمام البخاري في " صحيحه " - 14 / 1 )
ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار " ( ورد الحديث في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي بألفاظ مختلفة ، ولفظه عند مالك : ( إن عبد الله بن مسعود كان يقول : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، ألا ترى أنه يقال : صدق وبر ، وكذب وفجر ) ( الموطأ - الحديث 1814- طبعة دار النفائس)
وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله ، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتدراكه الله بدواء الصدق يقلع المادة من أصلها.
الثاني : يعتبر من الشرقة المقننة 0
وقد تكون حاجتكم كبيرة وماسة لإجراء العملية الجراحية ، ولكني أذكركم بآية كريمة في كتاب الله عز وجل :
( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ) ( سورة الطلاق - الآية 2 )
ويقول تعالى في محكم التنزيل :
( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) سورة الطلاق - الآية 4 )
ويقول تعالى :
( ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) ( سورة الطلاق - الآية 5 )
فاسلكي أخيتي الفاضلة الطرق الشرعية في سبيل الشفاء ، واعلمي بأنه قد ثبت من حديث أم سلمة هند بنت أبي أمية - رضي الله عنها - قالت : قال رسول صلى الله عليه وسلم :
( إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) ( حديث صحيح - ابن حبان - بلوغ المرام - برقم 379 )
هذا ما تيسر لي أخيتي الفاضلة ( غربة ) ، زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0