هل يدخل في الشرك مَن  اتَّخذ الفسَّاق قدوةً يقتدِ بهم ؟
مَا هًى أنْواع « الشِّرْك » ؟
 
سُئِلَ الشَّيْخُ العَلاَّمة صالح بن سعد  السحيمي حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىٰ : أحسنُ اللهُ إليكم ؛ يقول : 
 
هل الشِّرْك الموجود قديماً وحديثًا ؛ مقتصر  علىٰ طلب الغوْث مِنَ الأموات ؛ أم أنَّهُ أوسع مِنْ ذٰلك ، 
 
فيدخل فِي شِرك مَنْ اِتَّخَذَ الفُسَّاق مِن  الْلَّاعبين والْمُطربينَ قُدْوةً وأُسْوَةً يَقْتَدِ بِهم ؟ 
 
يعني : يُحبُّهُم حُبًّا قلبيًّا .
 
فأجابَ بقوله : نعم ؛ الشِّركُ بابهُ  واسع لا شكّ ؛ وكلُّ عِبادة لغير الله شرك ؛ سواءً كان عِبادة ،
 
أو طاعة فِي الاسْتحلال ما حَرَّم الله ، كما  قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ  أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ ( التَّوبة : 31 ) .
 
فإذا اِسْتحلَّ هٰذا الأمر بناءً علىٰ فتوىٰ مِنْ  الفتاوىٰ الضَّالَّة ؛ لا شكَّ أنَّ هٰذا لون مِنْ ألوان الشَّرك .
 
لـٰكن ما أشار إليه السَّائل يُفَصَّلُ فيه ،  وهٰذا يتعلَّق بـ « الولاء والبراء » ، 
 
ولعلّنا نعيد الكلام فِي هٰذه المسألة مرةً  أُخرىٰ إنْ شاء الله ، أو نُدَرِّس كتاب شيخنا الشَّيخ : صالح الفوزان فِي  هٰذا الباب .
 
أقول : التَّعلُّق بهٰؤلاء الفَسَقَةِ والْمَلاحدة  علىٰ ضربيْن :
 
هُناك تعلُّقٌ مَصْلحِيٌّ دُنْيويّ عاطفيّ ، أو  بِعِبارةٍ أُخرىٰ ، يعني : يُمكن أنْ يُقال بأنَّه دُنْيويّ .
 
أكثر ما يُوصَفُ به بأنَّه دنيا ، أو مصلحيّ أو نحو  ذٰلك .
 
مع إيمانه بالله عَزَّ وَجَلَّ ، واعْتقاده أنَّ  الله وحدهُ هو الَّذي يُعبد ، ولا يُعبد سواه ، 
 
وعدم وقوع شيئًا مِنْ ألوان الشِّرك منه ،  لـٰكنَّهُ يحبُّ هٰؤلاء عاطفةً ، أو مصلحةً دُنيويَّة ، 
 
فهٰذا لا شكَّ أنَّهُ فاسقٌ بهٰذا وعاصٍ ،  وعملهُ هٰذا حكمه مُحرَّم ؛ لـٰكن لا يحكم عليه بــ « الكفر » !.
 
هٰذا لون . 
 
وهو الَّذي يُسمَّىٰ عند أهل العلم : بالموالاة المحرَّمة ،  الَّتي لا تصل إلىٰ درجة الكفر . 
 
يعني : هو يُحبُّهُم دُنيويًّا ، لـٰكن لا يُحبُّهُم  كحُبِّ الله ، ولا يصرف لهم شيئًا مِنْ أنواع العِبادة ، 
 
ولا يدَّعي أنَّهم يقدرون علىٰ ما لا يقدر عليه  إلاَّ الله ، فمثل هٰذا الحبّ ،
 
أو مثل هٰذه الموالاة ؛ موالاةٌ مُحرَّمة .
 
لـٰكن لا يقول أحد أنَّه موالاةٌ كُفريَّة تنقل عن  المِلَّة .
 
أمَّا إذا والاهُم مُوالاةً دينيَّة ؛ واعْتقد أنَّهُم  قُدْوة دينًا ؛ فهٰذا كُفرٌ يُخرج مِن المِلَّة الإسْلام !
 
أحبَّهُم بقلبه ديانةً ، يرىٰ أنَّهُم هُم الَّذين  علىٰ الحقّ ؛ يرىٰ أنَّهُم هُم الْقُدْوة ديانةً ؛
 
انتبه إلىٰ كلمة ديانة !، لذٰلك العلماء قيَّدوا  الموالاة الكفريَّة ؛ بالموالاة في الدِّين .
 
مثل القائلين « بوحدة الأديان » ؛ وأنَّهُ لا فرق بين  دينٍ ودين ؛ فهٰذا لا شكَّ أنَّهُ كُفر .
 
لا بدَّ أنْ نُفرِّق ، لا نُطلق الأحكام  جزافًا هٰكذا علىٰ الْمُسلمين فنخرجهم مِن حظيرة الإسلام ؛ 
 
كما يُطلقه بعض الَّذين لا يفهمون حقيقة الولاء  والبراء .
 
ولا   يدخل   في الولاء كون  فلان يحبُّ أخاهُ الكافر محبَّةً طبيعيَّة ، أو أباهُ ، أو أمَّهُ ، 
 
أو زوجتهُ الكتابيَّة ، يُحبُّها محبَّةً طبيعيَّة ،  هٰذا ليس مِن الولاء ، ولا علاقة له بالولاء ، 
 
لا المحرَّم ولا الكفريّ . 
 
بَلْ هٰذه مُحبَّةٌ جائزةٌ وطبيعيَّة ، لا يُؤاخذُ  بها المرءُ .
 
بلْ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ  وَسَلَّمَ صَرَّحَ بذٰلك عند ما زار قبر أُمِّه .
 
فقالَ : « اِسْتأْذنتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ  لَهَا ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، ثُمَّ اِسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ  قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي » (1) . 
 
فزارها فبكىٰ ؛ وأبكىٰ مَنْ حوله .
 
فإذن ينبغي أنْ نُفرِّق بين هٰذه الأحكام  الجزافيَّة الَّتي يُطْلقُها بعض مَنْ يَنتسبون إلىٰ الدَّعوة ؛ 
 
وهُم لا يُدركون حقيقة الأمر ، ولا يرجعون فيه إلىٰ  الْعلماء الرَّبانيِّين الَّذين يفهمون هٰذه الحقائق . 
 
وإنْ شاء الله لعلّنا قريبًا قد نأتي بكتاب مُختصر  في الولاء والبراء فندرِّسه إنْ شاء الله ، 
 
بعد أنْ ننتهِي مِن كتاب الاِعتصام إنْ شاء الله  .اهـ.
 
............................
(1)  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : زَارَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ  اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَىٰ وأَبْكَىٰ مَنْ حَوْلَهُ  ؛ فقالَ : 
«  اِسْتأْذنتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ،  وَاِسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ، فَزُورا  القُبُور فَإِنَّها تُذَكِّرُ الْمَوْتَ » . رواه مسلم . 
مشكاة  المصابيح / برقم : 1763 / باب : " زيارة القبور " / ( 1 / 552 ) .