الحمد لله الذي منّ علينا بالشّهور إذ كان منها أربعة حرم و فيها شهر تُفتح لأجله أبواب السماء,أبواب الجنّة و تُغلق أبواب النّار و تُسلسل الشياطين..
و الصلاة و السّلام على منْ صام فأحسن الصّيام و القيام كما أحسن الوضوء و الصّلاة فلا يُقبل من العبد غير صيام و قيام محمد صلّى الله عليه و سلّم و على آله و صحبه أجمعين:
أمّا بعد:
كانت نفسي تراودني عن كنه موضوع تخطّه أناملي بمناسبة حلول شهر الخير و بعد هنيّة رأيتُ حديث (ابو هريرة) عنوانا يمدّه من بعده سبعة عناوين إذ فيه الصيام و القيام و الصدقة و الجهاد و من استكملها استكمل الايمان مع بقية الاركان نسأل الله أن نكون من أهلها...
عن ابي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
منْ أنفق زوجين من شيئ من الاشياء في سبيل الله نُودي من أبواب الجنّة يا عبد الله هذا خير و في رواية (دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي فلّ هلمّ)
فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة و من كان من اهل الجهاد دُعي من باب الجهاد و من كان من اهل الصيام دُعي من باب الريّان و الصيام و من كان من اهل الصدقة دُعي من باب الصدقة قال ابو بكر رضي الله عنه:
بأبي انت و امّي يا رسول الله:
ما على منْ دُعي من تلك الابواب من ضرورة, فل يدعى احد من لك الابواب؟
فقال صلى الله عليه و سلم : نعم و ارجو ان تكون منهم.
اخرجه البخاري في صحيحه
فالانفاق لا يتأتّى الاّ ممّن زهد في الدنيا و رغب فيما عند الله تعالى إذ حبّب الينا و زيّن حبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الانعام و الحرث...الاية
و لذا قلّما تجد انسانا رغب فيها كلّها فلا تكاد تراه الاّ محبّا لصنف منها ...
لا يختلف اثنان في انّ افضل الانفاق ما يكون من زوجين اثنين فهو الزهد بعينه, و الزوجين هما على قوله تعالى..(...و احمل فيها من كل زوجين اثنين...)الاية
و من كانت ذا حاله نُودي من أبواب الجنة و هي ثمانية كما أنّ ابواب النّار سبعة لحديث سهل كما في صحيح البخاري تحت باب (الريّان للصائمين) ان في الجنة ثمانية ابواب...الحديث
و خزنة تلك الأبواب تناديك أي فلّ بمعنى فلان, هلمّ أي اقبل على ذا الباب...
فمن كان من اهل الصلاة دُعي من باب الصلاة و ذا الباب لا يدخل منه الا اهل الصلاة...
و لا يُقال عنك اهلا لصفة ما الاّ إن كنتَ التزمتها التزاماً بحيث أصبحتَ تُعرف بها و منْ أكثر من شيئ فهو من أهله و عليه فالاهل عمل زائد عن الفريضة و السنن الرواتب...
و الاّ لنُودي كل منْ صلّى و صام و تصدق و جهاد من ابواب الجنة الثمانية و عندها لا ميزة لابي بكر و غيره.
و عليه منْ اكثرة تارة من الصلاة ثمّ انقطع عنها فلا يعدّ من أهلها فلا بدّ من الملازمة الا انقطاع للعذر و الله تعالى اعلم.
و كذلك من جاهد في سبيل الله تعالى و بات يُعرف بالمجاهد فهو من أهله لا محالة و خزنة ذاك الباب في انتظاره شرط أن يكون جهاده تحت ضوابط شرعيّة ثمّ لتكون كلمة الله هي العليا و شرح ذا يطول في زمن ضاعت أو ضُعّعت فيه مشروعيّة الجهاد و أحكامه بسبب عضدي المجاهد تارة و بسبب أعداء الجهاد تارة أخرى...
و بات مسمّى الجهاد هو ارهاب النّاس مسلمهم و كافرهم و لا تكون مجاهداَ الاّ عندما تروّع اهل مكة و المدينة بله تزرع القنابل بين اناسٍ ارتكبوا ذنب المشي على قارعة الطريق لتحصد أرواحا هدم الكعبة اهون عن الله تعالى من زهق بعض تلك الارواح و الله المستعان...
و الذي نفسي بيده لم يكن ذا الجهاد من عمل خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم و لا عمل أصحابه و من استنّ بسنّته.....
و لم يُشرع الجهاد لقتل النّاس و انّما لقودهم الى الجنّة بسلاسل او بالعفو و الصدقة عليهم و قتلهم كفّارا هو قودهم الى النّار, و شتّان بين من قادهم الى الجنّة و من قادهم الى النيران...
و لولا كثرة الصوارف لتركنا القلم يُبحر في أخطاء الجهاد و أحكام المجاهدين نسأل الله تعالى العفو و العافية.
و من كان من اهل الصيام فهو يصوم حتى يُقال لا يفطر و يُفطر حتى يُقال لا يصوم فلا تراه الاّ صائما ما استحب من الصيام و بات يُعرف بالصائم....
و عندها دُعي من باب الريّان و باب الصيام....
و لمّا كان الصيام لله تعالى و هو سبحانه يجزي به ظلّ يحمل صفة تميّزه عن غيره من الاعمال و لذا تعدد مسمّى ذاك الباب فهو باب الصيام و باب الريّان...
و اذا عَظُم أمرا ما تعدد مسمّاته فهي دليل على شرفه و عظمه فلله تعالى تسعة و تسعين اسما و لمحمد صلى الله عليه و سلم عدة من الاسماء معلومة و لفاتحة الكتاب اسماء عديدة و هكذا...
و هنيئا لابي بكر رضي الله عنه إذ قال صلى الله عليه و سلم (و ارجو ان تكون منهم)
فمع مدة بقائه في الاسلام بالنسبة لغيره لم يعجز و لم يكسل أن يكون اهلٌ تلك الابواب الثمانية و لذا لا تبخل على نفسك ان عجزت أو كسلت عن باب ما أن تطرق الباب الآخر و اطلب العون من الله تعالى.
اسأل الله بفضله و منّه العون أن نكون من اهل تلك الابواب...انه الجواد الكريم