لماذا يا ترى يتهامسون ؟
عندما ترى شخصا تظن انه من الصورة الخارجية شخص سعيد ، واثق ، اجتماعي محبوب
لا تصدق ذلك اذا صدف وسمعته او لاحظته يتحدث عن شخص غائب ، فحقيقته في هذه اللحظة أنه، غاضب ، ضعيف ، مستفز ،غيور ، يعاني من عقد النقص والدونية وعدم احترام ذاته
على سبيل المثال ، قد يستفزك أحد بتصرف ما ، فلا تستطيع مواجهته به ، وبدلا عن ذلك ، تغادر مستفزا ، وتبدأ في الحديث عنه هنا وهناك
أنت لا تملك القدرة على المواجهة مباشرة ، فاخترت الانتقام بطريقة غير مباشرة
ما هي الترجمة الحرفية السرية للاستغابة ؟
اذا صادفت شخصا يتحدث عن شخص آخر ويحاكمه على كل صغيرة وكبيرة في غيابه ، بدون سبب مقنع من الأسباب المعروفة شرعا والتي تناسب طبيعتنا البشرية والتي نحفظها
فاعلم انه بشكل غير مباشر يريد ان يقول :
(انا اعاني من عقدة النقص ، وعقد الدونية ، وفلان يذكرني بجروحي تلك ، فأعلم يا هذا انني اكبر منه قيمة ولا مجال لتقارنه بي )
(تقتلني الغيرة من ذاك الشخص وأشعر شعورا سيئا حيال انعدام ثقتي بنفسي .. يجب ان تكرهه على الأقل حتى تتحسن نفسيتي )
(لا مانع لدي من ان اجثو على ركبتي لأرجوك ان تقبل بصداقتي ، وهذا في حقيقة الحال ما افعله عندما استغيب شخص آخر امامك ارضاءا لك
لعلك ترضى عني وتقبل بي ، قد اضحي بمبادئي في سبيل وجودي معك، على أية حال أنا اعرف داخليا انني بلا قيمة )
(أريدك ان تظن انني اتحدث عن ذاك الشخص فقط من قبيل التسلية وقتلا للوقت ، اياك ان تكتشف ما اعانيه من غيرة ، وضعف ، وعقد مركبة ، تدفعني الى استغابة الآخرين )
إن الاستغابة لا يمكن ان تكون خيارا من خيارات قتل الوقت ، فالانسان المستقر النفسية لا يمكن ان ينهش الآخرين ليتسلى !
( أيُحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا)
إن هذا التحذير الالهي شديد اللهجة يتناسب مع عظم خطر الاستغابة
حتى نفهم ذلك فلنتصور ما يحدث في أدمغتنا
العقل البشري ، تقوم آلية عمله على ربط الصور او الكلمات من العالم الخارجي بتلك الصور والكلمات الموجودة في باطنه ، حتى يتشكل مفهومه عن الاشياء ،
وهكذا السمع ، انتبه احيانا الى نفسك قد تسمع عبارة من صديق او محاضر ، و لا تفهم المقصود بها للوهلة الاولى ، وبعد ثواني ، بعد ان يقوم العقل بمقارنتها بالخلفية الموجودة في باطنك ، تفهم ذلك الحدث
والرؤية تذهب في نفس الطريق ، ترى اشياءا خارجية وتقارنها بصورك الداخلية المخزونة فتتعرف على الاشخاص والاشياء
وهذا ما يحدث في الاستغابة ،
لو فرضنا ان الحديث كان عن شخص لا تعرفه وقيل لك انه بخيل
ستبقى تلك الصورة للشخص الذي لم تتشرف بالتعرف اليه مخزونة في عقلك ، وان تعرفت عليه ، فلدى اقل هفوة من ذاك الشخص ستربط مباشرة ما قيل عنه وما بقي مخزونا لديك ، واوتوماتيكيا تسقط عليه التهم ، نطقت بها او لم تنطق الا ان ثبتت لديك براءته ، وقام بغير قصد بمجهود كبير حتى يغير هذا الرأي الذي قد لا يعرف انك تحمله له ، فتعفيه حينها ، ومع ذلك سيبقى في عقلك ارتباط هذا الشخص بما قيل عنه ، ومستقبلا قد تعود لاسقاط سوء الظن اذا صدرت منه اية زلة ،
ثم ان نفس هذا الشخص ، سيشعر لدى اول مواجهة بينكما بأنك تكن له شيئا ، او تحمل عليه شيئا ، وقد لا تعامله بشكل ودي لا شعوريا ، فينفر منك ، وترى بذلك انه يؤكد لك ما قيل عنه ، فينشأ بينكما عداء وهمي يزداد عند مواقف الاحتكاك ،
تخيل الآن لو زادت الصفات السلبية التي قيل انها لدى ذاك الشخص ، بينما العقل يقوم بعمليات التخزين والربط لكل هذه المعلومات
وتخيل لو ان اكثر من شخص قالوا لك ان فلان اناني ، فتزيد نسبة التصديق لدى باطنك اضعاف واضعاف .
كل هذا العداء والكره بين البشر ، سيحدث بسبب تلك البذرة التي زرعتها الاستغابة
هذا ولا يجب ابدا ان لا ندرج مفهوما مهما ايضا ، ان الاشخاص تتباين الصور الداخلية المخزونة لديهم ، وان تشابهت الصور الخارجية ، فعندما يقوم العقل بالمزج والدمج والمقارنة يخرج البعض بمفاهيم تختلف عن الآخرين .. ولكن هؤلاء قلة ،
وعلى العموم
إذا كنت تحب ان تنهش سيرة الآخرين ، النصيحة الوحيدة التي نقدمها لك .... ارجوك ( حاول ) على الاقل ان تتوقف عن ذلك .
وعلى الجانب الآخر ... وبعد كل هذا ...
هل لا زال البعض منكم يشعر بالسوء اذا اكتشف ان هناك من ينشر سيرته ؟
اذا كانت شخصية الذي يقوم بالاغتياب بكل هذه العلل , ويشعر شعورا سيئا حيال نفسه قبل ان يكون حيالك ..
أفلا تعتقد انه يستحق الشفقة والاهمال ؟
انه شخص يتمنى ان تحمل انت نفس المشاعر السيئة التي يحملها فتخفف عنه ،
فإذا اكتشفت انك مثار اجتماع البعض وهمساتهم ... لا تغضب
بل حاول ان تنتقل اليهم المزيد من الصور الايجابية عنك .. ودع النار تحترق لوحدها وبما فيها .. ولا تنقل آثارها الى داخلك
ثم انك اذا كنت لا تحب ان يستغيبك الآخرون
فتأكد انت ايضا انك لا تستغيب احدا .. احفظ لسانك وفكرك عن تشريح الآخرين ، سيكون وقتها من الصعب جدا ان يجلس احدهم ليهمس لك عن الآخر ما دام يعرف انك لست من المشاركين على موائد النميمة .